أخيرا تحررت السلطات العمومية من هاجس تداعيات الحراك العربي على الوضع الداخلي فيما يمكن أن تقدم عليه من قرارات ردع، وأمرت بخروج الجرافات مصحوبة بقوات عمومية لهدم البناءات العشوائية في العديد من المدن، ونخال الأمر يتعلق بقرار مركزي في هذا الشأن. يجب أن نعترف الآن أن فئات كثيرة من الشعب المغربي انتهزت إن لم نقل استغلت تحيط السلطات العمومية من الردع والمنع تخوفا من تداعيات الحراك العربي على الوضع الداخلي، ويتعلق الأمر بالبناء العشوائي حيث نبتت مدن وأحياء جديدة، واكتسح الباعة المتجولون الشوارع والزقاق، وتعاظمت موجات الاحتجاج وكأن كل فئة أدركت أن الظروف مواتية جدا لممارسة الابتزاز لانتزاع ماهو حق وماهو غير حق، وكادت البلاد تدخل في دوامة لا بداية ولانهاية لها، خصوصا حينما اتجهت الأمور إلى تجريد الدولة من هيبتها، وحينما تضيع هذه الهيبة من الدولة تصبح رهينة في يد العابثين طبعا. ومن المؤكد فإن أصحاب الحسابات السياسية والأجندات الخاصة سارعوا للتدخل على الخط في كومة الخيط هذه التي كلما تدحرجت زادت تضخما، ووجدنا أنفسنا في نهاية المطاف أمام وضع لا نحسد عليه. إن ماتقدم عليه السلطات العمومية هذه الأيام فيه كثير من الجرأة. إنه يعيد الاعتبار لهيبة الدولة، لكن ثمة ملاحظات لابد من تسجيلها في هذا الصدد. قبل الربيع العربي كان البناء العشوائي يتنامى بشكل مذهل، وكان تورط أعوان ومسؤولي السلطات المحلية واضحا ومؤكدا، إن الأمر كان يتعلق بمافيا البناء العشوائي التي كانت لها امتدادات داخل أجهزة السلطة، وهذا ما يدفعنا إلى أن نعبر عن تخوفنا اليوم من أن يعود ما تم هدمه إلى الوجود للأسباب التي نعرفها. هذه الشجاعة يجب أن تكون شاملة ولاتقتصر على الفقراء من أبناء هذا الشعب، بل لابد أن تطال الجميع من الذين بنوا الفيلات والعمارات دون احترام مساطر التعمير. وهذا هو صلب الموضوع، فهيبة الدولة لاتقتصر على استعراض العضلات على البسطاء.