كشف موقع ويكيليكس عن برقيات سربها نقلا عن اتصالات دبلوماسية أن واشنطن اعتمدت سياسة تقضي بالسماح بنقل أموال لبعض السياسيين والناشطين المصريين عبر منظمات أميركية أو دولية أو عربية تعمل كواجهات للتمويل الحكومي الأميركي تفاديا للرقابة المصرية. فقد أدرج الموقع المذكور على الشبكة العنكبوتية برقيات تفيد بأن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون وافقت شخصيا عام 2009 على السماح بتقديم أموال لمنظمات مصرية بطريقة أقرب إلى غسيل الأموال. ومن البرقيات التي أدرجها الموقع برقية سرية تحمل رقم “STATE38619” مذيلة باسم كلينتون بتاريخ 18 أبريل 2009 -صنفها كوثيقة سرية القائم بأعمال مساعد وزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأدنى جيفري فيلتمان- تقول إن السياسة الآن أصبحت نقل التمويل الأميركي للجماعات السياسية المصرية عبر منظمات واجهة غير حكومية أميركية أو دولية في شكل “منحٍ من الباطن”. وتقول البرقية أيضا إن برنامجين في وزارة الخارجية -الأول بمكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل، والثاني في مبادرة الشراكة الشرق أوسطية (ميبي)- “اتفقا على دعم هذه الأطروحة الجديدة”، وطلب كلاهما ما لا يقل عن 2.6 مليون دولار لمنظمات ديمقراطية “غير مسجلة” وسياسيين في مصر، علاوة على زيادة المخصصات لعام 2011 لهذه المنظمات. تغيير المسار وكشف موقع ويكيليكس المناصر لشفافية المعلومات عن برقية أخرى بتاريخ 26 فبراير 2009 وتحمل رقم “CAIRO353” تفيد بأنه -وقبل موافقة كلينتون بستة أسابيع-اقترحت السفيرة الأميركية لدى مصر حينها مارغريت سكوبي أن تغير واشنطن مسار نقل أموال الحكومة الأميركية المخصصة للسياسيين المصريين “غير المسجلين” -ومعظمهم من المعارضة الليبرالية والعلمانية أو الموالية لحركة المحافظين الجدد- بحيث تمر أولا عبر منظمات واجهة لإخفاء التمويل بعدما اتهمت السلطات المصرية واشنطن بالتدخل في الشؤون السياسية الداخلية للبلاد. وكتبت السفيرة سكوبي في البرقية السرية رقم “CAIRO353” “نود إيجاد سبيل أفضل وأقل صداما لدعمهم. ونقترح بدلا من تمويل هذه المنظمات بشكل مباشر باستخدام صندوق الدعم الاقتصادي المصري، أن نقدم بدلا من ذلك التمويل من خلال مصادر أخرى، على سبيل المثال من مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل أو مبادرة الشراكة الشرق أوسطية أو من مخصص مباشر جديد من الكونغرس”. السفيرة الأميركية السابقة في مصر مارغريت سكوبي (الأوروبية-أرشيف) وقالت سكوبي في البرقية السرية “ينبغي أن تذهب الأموال إلى منظمة خارجية مهنية مثل الوقف الوطني للديمقراطية، الذي يمتلك رؤية بعيدة المدى عن تشجيع الديمقراطية ولن يتحمل الوقف نفس الأعباء السياسية إذا استخدمت أموال صندوق الدعم الاقتصادي”. حيز التنفيذ وتظهر برقيات أخرى تلت موافقة كلينتون أن السياسة التي اعتمدتها دخلت حيز التنفيذ على الفور. فقد ذكرت برقية صادرة من السفارة الأميركية في مصر بتاريخ 30 أبريل 2009 وتحمل تصنيف “سري”، أن واحدة من كبرى المنظمات المصرية المدعومة من واشنطن تتلقى تمويلا مستترا عن طريق منظمة في المغرب ممولة هي الأخرى أميركيا. وأضافت البرقية -التي حملت توقيع السفيرة مارغريت سكوبي-أن “المنظمة المصرية لحقوق الإنسان تلقت تمويلا من منظمة مغربية لعقد مؤتمر في القاهرة عن حرية الصحافة”. وسمّت السفيرة المنظمة المغربية بمركز حرية الإعلام، وهي منظمة مغمورة كشفت السفيرة الأميركية أنها أيضا ممولة من برنامج مبادرة الشراكة الشرق أوسطية (ميبي) الذي أطلقه الرئيس الأميركي السابق جورج بوش بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 ويخضع للخارجية الأميركية. كما قام “الوقف الوطني للديمقراطية” بتقديم الملايين من الدولارات لجمعيات ومنظمات وسياسيين مصريين منهم مركز ابن خلدون الذي يديره الناشط سعد الدين إبراهيم، والمركز العربي لاستقلال القضاء ومديره الناشط ناصر أمين، ومركز الأندلس لدراسات التسامح ومناهضة العنف، ومنتدى القاهرة الليبرالي. وقدم الوقف جوائز لسياسيين وصحفيين مصريين على اتصال لمدى سنوات بالسفارة أيدوا غزو العراق وضرب إسرائيل للبنان عام 2006 مثل الناشر المصري هشام قاسم الذي يعمل الآن مع إحدى مبادرات الوقف الوطني الأميركي كعضو في لجنة إرشادها كما أنه يشغل منصب رئيس المنظمة المصرية لحقوق الإنسان. وتدلل البرقية المسربة على ترابط المؤسسات الممولة أميركيا في منطقة العالم العربي والتنسيق بينها لتفادي الإشراف الحكومي العربي على التمويل، وأظهرت مثلثا للتعاون الوثيق جمع بين واحدة من أقدم المنظمات المدنية في مصر ودبلوماسيين أجانب وواجهة للتمويل في المغرب. وكان الادعاء المصري قد وجه اتهامات إلى 43 مصريا وأجنبيا بينهم أميركيون بمخالفة القانون وتلقي أموال غير مشروعة من الخارج للتأثير في العملية السياسية في البلاد، غير أن مؤسسات حقوق الإنسان الدولية مثل هيومن رايتس ووتش المرتبطة بالمنظمات المصرية انتقدت القرار ووصفته بأنه عودة بمصر لعهد الدكتاتورية. وأثارت هذه المسألة أزمة في العلاقات بين القاهرةوواشنطن وانتقادات وتهديدات غربية منها تصريحات لمسؤولين أميركيين بشأن قطع المعونة الاقتصادية والعسكرية عن مصر.