ألغى وفد عسكري مصري بشكل مفاجئ، اجتماعات كانت مقررة الأسبوع المقبل مع عدد من أعضاء مجلسي الكونجرس في "واشنطن" وعاد إلى "القاهرة". وقال متحدث بإسم السفارة المصرية في "واشنطن" إنه كان من المقرر أن يبحث الوفد مع البرلمانيين الأمريكيين الشروط الجديدة لتقديم المساعدات العسكرية الأمريكية ل"القاهرة" التي تبلغ قيمتها 1.3 مليار دولار. وجاء قرار الوفد العسكري بعد تحذيرات من الكونجرس والبيت الأبيض من أن حملة الإعتقالات وعمليات التفتيش التي طالت مؤخرا المنظمات غير الحكومية العاملة في "مصر"، قد تهدد المساعدات العسكرية السنوية ل"مصر". هذا وانتقدت منظمات حقوقية ومنظمات مجتمع مدني أخرى في "مصر" قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإحالة 43 ناشطا إلى المحكمة الجنائية بينهم 19 أمريكيا، بتهمة تلقي الأموال من جهات أجنبية بهدف زعزعة استقرار البلاد. وفي نفس السياق سيتوجه رئيس أركان الجيوش الأمريكية الجنرال "مارتن دمبسي" في نهاية الأسبوع إلى "مصر" التي تدهورت العلاقات معها، كما قال المتحدث بإسمه. وقال الكولونيل "ديفيد لابان" إن الجنرال "دمبسي" سيزور "مصر" في نهاية الأسبوع، مشيرا إلى أن هذه الزيارة "مقررة منذ فترة طويلة". وبالإضافة إلى لقاء مع نظيره المصري الفريق "سامي عنان" سيلتقي "دمبسي" القائد الأعلى للقوات المسلحة المصرية المشير "حسين طنطاوي". وتوترت العلاقات بين الولاياتالمتحدة والمجلس العسكري المصري منذ أن أعلن مسئول قضائي مصري الأحد أن 43 شخصا منهم 19 أمريكيا وأجانب آخرون سيحاكمون بتهم التمويل غير الشرعي لجمعيات أهلية في "مصر". وحذر ثلاثة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكيين واسعي النفوذ الثلاثاء "القاهرة" من مغبة القطيعة بين البلدين، معتبرين أن "الأزمة الحالية مع الحكومة المصرية بلغت مستوى بات يهدد صداقتنا المستمرة منذ زمن بعيد". وحذر السناتور الجمهوري "ليندسي جراهام" من تعليق المساعدة الأمريكية إلى مصر البالغة في حال الحكم بالسجن على الناشطين. وصرح "إذا صدر حكم بالسجن على أي منهم أعتقد أن العواقب ستخرج عن السيطرة". ولدى سؤاله ما إذا كان ذلك يعني وقف المساعدة الأمريكية إلى "مصر" اعتبر "جراهام" أن "ذلك محتمل بشكل كبير". وأضاف "الخط الأحمر بالنسبة إلي هو السجن. إذا اعتقل أي أمريكي أو ناشط في منظمة غير حكومية سواء قبل المحاكمة أو بعدها، فهذا برأيي إجراء غير متناسب". ولم يوضح الكولونيل "لابان" ما إذا كان الجنرال "دمبسي" سيتطرق خلال محادثاته إلى مستقبل المساعدة العسكرية الأمريكية ل"مصر". فيما دعت "منظمة العفو الدولية" إلى إسقاط التهم الموجهة إلى 43 من الأشخاص العاملين في المجتمع المدني إلى محكمة الجنايات، معتبرة أنها قائمة على قوانين قمعية تضطهد منظمات المجتمع المدني وتضيق عليها. وقالت "منظمة العفو الدولية" أمس بأنه يتعين على السلطات المصرية إلغاء قانون يعود إلى حقبة "مبارك" يُوظَف في محاكمة المنظمات الغير حكومية، على أن تضمن مراعاة القانون البديل المُزمع إقراره احترام الحق في حرية تكوين الجمعيات. من جانبها قالت نائبة مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "منظمة العفو الدولية"، "حسيبة حاج صحراوي": "أضحت هذه المنظمات الدولية آخر كبش فداء تضحي به السلطات في محاولة يائسةٍ منها لتسويق روايتها الملفقة حول وجود مؤامرات أجنبية". وأضافت "لقد تُركت المنظمات المصرية التي تُعنى بحقوق الإنسان تترقب وهي يعتريها الخوف والخشية من أن تكون هي التالية على قائمة المنظمات التي تستهدفها السلطات". يذكر أن 14 مصرياً بين َمن وردت أسماؤهم في قائمة المتهمين التي كُشف النقاب عنها الإثنين، بالإضافة إلى موظفين آخرين من رعايا "الولاياتالمتحدة" و"ألمانيا" و"صربيا" يعملون في ضوء المعلومات الواردة، لحساب خمس منظمات غير حكومية "المعهد الديمقراطي الوطني" و"المعهد الجمهوري الدولي" و"المركز الدولي للصحفيين" و"فريدوم هاوس" بالإضافة إلى منظمة "كونراد أديناور" الألمانية. وأشارت "العفو الدولية" إلى أن (قانون الجمعيات الأهلية رقم 84 لعام 2002) يعاقب من يخالفه بالحبس مدة سنة، أو بدفع غرامة كبيرة، أو بكلتا العقوبتين معاً، وهو ما يفرض قيودا كبيرة على العمل المدني، مستنكرة إعلان السلطات عن طرح مسودة مشروع قانون بديل يفرض المزيد من القيود على المجتمع المدني وأنشطته. وكانت قوات من الجيش والشرطة قد داهمت 17 مكتبا للمؤسسات العاملة في مجال المجتمع المدني في دجنبر صادروا خلالها الأجهزة والوثائق الخاصة بتلك المؤسسات والأموال الموجودة فيها. كما خضع "ناصر أمين" رئيس "المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة"، للإستجواب مدة سبع ساعات بتهم تتعلق بتأسيس فرع لمنظمة غير حكومية أجنبية، وتلقّي أموال من الخارج دون الحصول على إذن مسبق، كما خضع أحد أعضاء "مرصد الموازنة العامة وحقوق الإنسان" للإستجواب بخصوص أمور تتعلق بمصادر التمويل الخارجي الذي يحصل المرصد عليها. وأضافت "العفو الدولية" في بيانها "يعتقد الكثيرون بأن وزيرة التخطيط والتعاون الدولي "فايزة أبو النجا" هي التي جيّشت الحملة التي تستهدف التضييق على المنظمات غير الحكومية، وقد وجهت الوزيرة الإنتقادات مرة أخرى للمنظمات غير الحكومية خلال مثولها أمام لجنة برلمانية فرعية تُعنى بحقوق الإنسان. كما شنت في مؤتمر صحفي مشترك مع وزير العدل في يناير هجوماً عنيفاً على المنظمات الحقوقية الدولية العاملة في "مصر"، أو تلك منها التي تتلقى أموالاً دون استصدار موافقة الحكومة على ذلك أولاً، مما يشكل خرقاً لقانون الجمعيات الأهلية. وأضافت "حسيبة حاج صحراوي" القول بأنه "بوسع البرلمان المصري، وبجرة قلم، وضع حد لحرب السلطات الطويلة على المجتمع المدني، فلو قام البرلمان بإلغاء هذا القانون، فسوف يتسنى لمصر حينها أن تخطو خطوة أخرى سعياً وراء النأي بنفسها عن حقبة مبارك والخروج من ظلها". وكانت المنظمات غير الحكومية قد عبرت عن رفضها للقانون، مشيرةً إلى أنه، يمنح السلطات المزيد من الصلاحيات، وستصبح هي من تقرر إن كانت أنشطة المنظمات تُعتبر مقبولة لديها أم لا. كما تضع مسودة القانون الجديد حداً لقدرة المنظمات والجمعيات الأهلية على تفادي القيود المفروضة عليها من خلال التسجيل تحت مسمى "شركة" كما في السابق، وتُبقي المسودة على القيود الشديدة المفروضة على مسألة تلقي الأموال من الخارج، وتزيد من تلك المفروضة على حرية المنظمات الأجنبية في "مصر". ويُعاقب كل من تثبت مخالفته لأحكام القانون عقوبة الحبس مدة سنة، ودفع غرامات تصل قيمتها إلى آلاف الجنيهات. من جهته أكد الدكتور "كمال الجنزوري" رئيس مجلس الوزراء في مؤتمر صحفي عقده بمقر مجلس الوزراء، عقب اجتماع الحكومة أمس الأربعاء إن "مصر" ستطبق القانون في قضية منظمات المجتمع المدني ولن تتراجع بسبب معونة أو غيرها، ولن تقبل بتدخل أحد مهما كان في أعمال القضاء المصري، مشيرا إلى أن "مصر" لا يمكن أن "تركع" وأنها استخدمت حقها في إحالة مخالفات الجمعيات الأهلية إلى القضاء المصري الشامخ بعد إحالتها للمحكمة. وقال إنه "حزين على كل ما يحاك ضد مصر من شرور"، مؤكداً على أن الدول الغربية ربطت مساعدتها الإقتصادية ل"مصر" بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وأن دولة عربية كبيرة (لم يسمها) فعلت نفس الشيء مع "مصر". ورفض "الجنزوري" دعوة البعض إلى الإمتناع عن العمل في يوم 11 فبراير، مشيرا إلى أنه لو حدث ذلك فمن سيحتفل بسقوط النظام في مثل هذا اليوم، وقال: "بالطبع سجن طره وأهل سجن طره". وأكد "الجنزوري" أن ما يحدث حاليا غرضه إسقاط السلطة العسكرية والمدنية، متسائلا ماذا سيحدث إذا تحقق ذلك، مطالباً الجميع بالالتفاف والتوحد في الفترة الحالية وعدم استمرار المظاهرات الفئوية التي تعطل العمل والإنتاج، مؤكدا أنه لا توجد ميزانية تسمح بالاستجابة لكل هذه المطالب خاصة مع توقف الجانب الإنتاجي والخدمي.