الديمقراطية أنساق ومستويات وأحد مستوياتها التي تشكل ركيزة أساسية هي طبيعة الفاعلين الذين يتأهلون لمسك زمام السلطة، والأحزاب السياسية تشكل نسقا من أنساق السلطة وحيزا أساسيا في المشهد السياسي، وكلما تطورت البنى الحزبية في إتجاه الدمقرطة الكاملة كلما شكلت وقودا للتغيير الحقيقي داخل الدولة، وكلما تباطأت الخطى في هذا الاتجاه، كلما كان إدراك الديمقراطية بعيدا، سواء كفكرة نظرية أو كممارسة. لقد عانت بلادنا منذ سنوات من عجز في تحقيق التراكم الديمقراطي في التجربة الحزبية، وساهم هذا العجز في منح قوى مقاومة التغيير نفسا تلو الآخر لإعادة صخرة سيزيف إلى السفح كما في الأسطورة، فكان تاريخ الصراع السياسي ببلادنا، هو تاريخ الحراك الحزبي الداخلي، ومناسبة تشكيل الحكومة الجديدة هي فرصة لإختبار القوى السياسية وعلى رأسهم رئيس الحكومة المعين السيد بنكيران، على مستوى القدرة على التأويل الديمقراطي للدستور في الجانب المتعلق بتعيين الحكومة وهو اختصاص بصريح الدستور يبقى للملك كما هو الشأن في بريطانيا، لكن تأويل مصطلح التعيين سيكون هو مربط الفرس، فقد راكمت بريطانيا تقاليد في الحكم تجعل من مفردة التعيين مسألة برتوكولية، بينما يبدوا أن الحالة المغربية لا تسعفنا للسير في هذا الاتجاه حيث يجري الحديث عن سلطة التعيين بإقتراح من رئيس الحكومة، وبكل تأكيد أن ظهور تشكيلة حكومة بنكيران سيسعفنا لقراءة نتيجة اختبار أول إحتكاك لتأويل الدستور الجديد، وهذا الإختبار أين كانت نتيجته فإنهؤستكون له بلاشك تداعيات على مستقبل عمل الحكومة والتجربة الجديدة ككل. المغرب بحاجة إلى أحزاب قوية ومنظمة وديمقراطية ديمقراطية حقيقية وليس فقط من الناحية الشكلية، ليس فقط لمافيه مصلحة الأحزاب، لكن أساسا لما فيه مصلحة الدولة ككل، وهنا يجب توضيح دور جميع المؤسسات في الدولة، لأن الوضوح هي الصفة الغائبة في اللحظات المفصلية في تاريخ البلاد، وهو ما ينتج بالضرورة نتائج غامضة لا تمنحنا الاطمئنان الكافي على مستقبل البلاد، ففي إحدى جرائد نهاية الأسبوع الماضي كتب أن الملك تدخل لرفع التحفظ عن استوزار الأستاذ الرميد في وزارة العدل، وبقراءة المقال يفهم أن الاعتراض على الرميد كان من أطراف في الديوان الملكي، هذا الأمر لوحده يطرح إشكالا دستوريا عميقا حول الطبيعة المؤسساتية للديوان الملكي. فإذا كان مفهوما اعتراض الملك على شخص معين بحكم أنه رئيس الدولة، فكيف يمكن القبول بأن ينصرف هذا الوضع الدستوري على أعضاء معينين في الديوان الملكي ؟ صحيح أن الديوان الملكي أصبح يضم فاعلين كانت لهم انتماءات حزبية معروفة وكانت لهم خصومات سياسية وحروب للمواقع، لكن من غير المقبول أن يتم تصفية متأخرات هذه الحروب من موقع لا يقبل المغاربة أن يتحول إلى منصة لإطلاق الصواريخ على الخصوم السابقين... الانتقال الديمقراطي الحزبي، يعني بالدرجة الأولى القطع مع الشخصنة والانفراد بالقرارت، وإعطاء المؤسسات الحزبية التقريرية دورها الحقيقي، لا أن تتحول إلى مؤسسات شكلية لإضفاء الشرعية على قرارت تفتقدها...