يبدو أن التاريخ يعيد نفسه ويتجدد باستمرار، فمن كان يصدق أن يأتي يوم يصل الجيل الجديد من الشعب الإسباني الرحم مع أجداده الذين كانوا يجتازون خلال الثلاثينيات من القرن الماضي، عبر قوارب الموت مخاطر أمواج بوغاز جبل طارق للوصول إلى شواطئ شمال المغرب. في وقت تراجع فيه عدد المهاجرين السريين المغاربة الذين يحلمون بالوصول إلى الفردوس المفقود الذي أصبح على ما يبدو جحيما لايطاق العيش فيه، وهو ما يشكل تحولا نوعيا في المفاهيم العامة التي تحكمت لعقود في حركة الهجرة بين ضفتي المتوسط وخاصة في اتجاه الشمال. و أفادت وسائل إعلام إسبانية ،ونقلا عن آخر تقرير إحصائي رسمي صادر عن المعهد الوطني للإحصاء بإسبانيا، أن عدد المهاجرين الاسبان الذين اختاروا الاستقرار في المغرب خلال السنة الماضية 2011 بلغ أزيد من 1113 مهاجر إسباني . كما أن موجة هجرة المواطنين الإسبان للاستقرار خارج إسبانيا لا تخص المغرب فقط، فالإحصائيات المنشورة تفيد بارتفاع أعداد المهاجرين الإسبان الذين اختاروا الاستقرار في بعض بلدان الاتحاد الأوروبي التي لم تتأثر بعد بالأزمة الاقتصادية التي تجتاح بلدان الاتحاد الأوروبي. وفي نفس السياق، أشار مقال صادر بجريدة الباييس» الاسبانية الأسبوع الماضي، أن أزيد من خمسين ألف إسباني هاجروا (أي ما بين يناير وشتنبر) من السنة الماضية، مسجلة ارتفاع بنسبة 36 في المائة عن الفترة نفسها من السنة الماضية، أغلبهم اختاروا الاستقرار بالدول الأوروبية خصوصا بريطانيا وفرنسا وألمانيا. وبحسب المعطيات المتوفرة، فإن هؤلاء الإسبان استقروا بالمدن المغربية الكبرى ( خاصة مدن طنجة وتطوان والدار البيضاء ومراكش وأكادير...)، ومرد ذلك إلى تواجد جالية إسبانية مهمة بهاته المدن، وكذلك لتواجد مقاولات ومشاريع اقتصادية وتجارية، تقوم بتشغيلهم ، الأمر الذي يضمن لهم مورد رزق بديل عن ذلك الذي فقدوه في بلدهم الأصلي. وفي علاقة بنفس الموضوع، كشفت تقارير صحفية صادرة مؤخرا بإسبانيا، أن عملية الهجرة العكسية كانت قد انطلقت قبل سنة من إسبانيا نحو الثغرين السليبين سبتة ومليلية، لأجل الاستقرار به بعد أن اشتدت حدة الأزمة الاقتصادية في الجارة الشمالية، حيث تحدثت العديد من النشرات الإخبارية عن ارتفاع عدد العائلات التي انتقلت للاستقرار بالثغرين المحتلين، نتيجة الأوضاع الاقتصادية الخانقة التي تعيشها إسبانيا حاليا، وكذلك للاستفادة من القوانين المالية والامتيازات الضريبية والجبائية والتشجيعات الاقتصادية التي تمنحها الحكومة المركزية بمدريد وسلطات الاحتلال للمستوطنين، وخاصة قانون خفض أسعار مواد الاستهلاك، حيث الاستفادة من نسبة 25 في المائة من الفوائد الأساسية.