حين فاضت بحور الخليل على أرصفة المدينةِ انهارت خيمٌ وغادرت القوافي مواضعها نحو لا مكانْ.. هي ذي الحروفُ تتعثر بالبياضِ ولا أحد سواك يشد وثاق الزحافِ.. يا واهبا نفسه للبراري كيف تصغي للرمادِ وعيون الأمس باتت حزينة؟.. صمت يتناسل عبر الضفافِ وحلم أعمى يجوب الدروبَ بلا عكاز أو رفيقْ.. وحده الليلُ يبثُّ الشكوى والطريقْ إلى هناك أبعد من المدى.. لا وقت للحمامِ كي يطير أو يحطّ والسفينة لا محالة غارقةٌ لم يسعفها نوحٌ أو ربانْ.. يا سارق النارِ سلّم على وطني تُرى أخطأنا الزمانْ؟... تشابكت خيوطُ المعنى والمدينةُ صارت بلا طعمٍ مثل تُحفة مهرّبةٍ من عمريَ الذي يسبقني إلى منتهايْ.. فيا أيتها المشتهاةُ لا توغلي في الهروبِ لماء الرقراق رائحةٌ تعبرُ الحدودَ كي تطهّرني من بداياتي.. غير أن دميَ المستباحَ أضاع ظلّي وخطّ على الكفّ نهاياتي.. هو البحرُ وحدَه صالحٌ للشربِ يا من ثقُلت موازينهُ بالفراغِ كيف الخروجُ من دوائر الأوهامِ؟.. لم تبْرَح كلماتي صداها سأمضي حتْما إلى حتفي إلى صقيعٍ محتملٍ لا مكان فيهِ للعابرين.. شكرا للموتى هم أكثرُ صدقا إذا وعدوا.. تنطفئُ المصابيحُ تخذلني خطواتي للمدينة أولياؤها للمدينة أدعياؤها وما تبقى تأكلُه النيرانْ.. لاشيء سوى اليباسِ يجتر السؤالَ متى يعود "غودو" للديارْ؟.. للأفق امتدادٌ وللسحب أسرارٌ تتّسعُ للطير والمطرِ من قال إن الحكمةَ إذا اكتملتْ خرجت من بطن حوتْ؟ ها امرأةٌ تسقطُ من شرفةِ القلبِ تجوب شوارع المدينةِ من "باب الخميس" إلى قلبي لم تستنرْ إلا بجُرحٍ غائرٍ في الزمانِ صارت صوتا وصدى في وجبة واحدة.. فيا أيتها المشتهاةُ اشربي من دمي ما شئتِ لعل الربيع القادمَ يُزهر في الأحداق..