لقد شكل فصل السلط متن الكثير من الكتابات التأسيسية على المستوى النظري في مجال القانون العام , ومنذ مونتيسكيو فإن الفكر السياسي والفاعلين السياسيين حافظوا على هذا النقاش , بإعتبار أن تحقيق التوازن بين السلط هو تجسيد للديمقراطية في صورها المثلى إنطلاقا من مبدأ أن السلطة تحد السلطة ,لكن في واقع الممارسة يمكن القول أن طريق الشعوب الطويل في إتجاه الحيازة الفعلية للسلطة , إصطدم دائما بالتداخل الفعلي بين السلط وبغلبة سلطة على باقي السلط في الدولة ، وغالبا ما كانت هناك الغلبة للسلطة التنفيذية حتى دخلت الشعوب وخاصة في أوربا وأمريكا الشمالية في ثوراة خالدة ، إستطاعت أن تمنح الإنسانية نماذج لبناء توازن فعلي ومنتج بين السلط. هذه المقدمة كانت ضرورية للدخول في مناقشة واقع السلطة التشريعية بالمغرب وحجمها في البناء المؤسساتي للدولة، خاصة في ظل الدستور الجديد الذي عزز من مكانة السلطة التشريعية لكنه لم يمنحها بصفة واقعية كل المكانة التي تمكنها من أن تكون في موقع الندية إتجاه السلطة التنفيذية , ليس فقط بصريح النص الدستوري ولكن بواقع الممارسة والتقاليد التي إستمرت سنوات طويلة , لكن أساسا بحجم تناقض الإمكانيات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية , مما يجعل واقعيا أن السلطة التنفيذية هي التي تحتكر التشريع من خلال تأمل حجم مشاريع القوانين التي تأتي بها الحكومة وفي مقابلها حجم مقترحات القوانين التي تصدر عن البرلمان , حيث أنه منذ سنة 1985 إلى آخر ولاية , نجد أن حجم مشاريع القوانين التي صودق عليها تفوق 90% بينما لا يتجاوز هذا الرقم 5 % بالنسبة لمقترحات القوانين, وهو ما يعني إنقلابا في الأدوار بحيث أصبحت الحكومات تمثل السلطة التشريعية الأصلية ، بينما البرلمان أصبح غرفة للتسجيل ولإعمال المساطر الدستورية من حيث الشكل. هذا الواقع يتأسس على تباين الإمكانيات التي تتوفر لكل سلطة للإضطلاع بمهامها وإختصاصاتها الدستورية , حيث تصبح نصوص الدستور إمكانية قانونية لا يسعفها الواقع والممارسة , وبالتالي يتكرس الإختلال بين السلط وتمنح الهيمنة للسلطة التشريعية بشكل يمس في العمق مسألة الديمقراطية ومبدأ السلطة تحد السلطة... واقع الإمكانيات المادية والبشرية بين السلطتين يوضح لماذا هناك خلل في وزنهما معا على مستوى الدولة , وفي حجم قدرة كل سلطة على تنزيل نصوص الدستور والإنتقال بها من الوجود بالفعل إلى الوجود بالقوة , والإنتقال بها من مجرد إمكانيات قانونية دستورية في جانب الإختصاصات إلى ممارسات مادية قابلة للقياس ومنتجة لآثار قانونية وسياسية , فالإمكانيات المتوفرة للحكومة سواء على مستوى الموارد المادية أو البشرية تتجاوز بشكل لا يقبل المقارنة بتلك التي تتوفر للبرلمان , ليس فقط حجم السلطة التنظيمية التي منحها إياها الدستور دون أن يحدد حدودها , ولكن بحجم البيروقراطية الموضوعة رهن إشارتها وجيش الخبراء في مختلف الميادين وحجم الإنتشار الترابي والمعلومات والإحصائيات التي تمكنها من معرفة دقيقة بالواقع , على العكس من ذلك فإن البرلمان بغرفتيه لا يتجاوز عدد موظفيه 700 فرد , بينهم جيش من الموظفين الصغار و فقر مذقع بالنسبة للخبراء وبالتالي العجز الموضوعي عن إمتلاك الوسائل التي تجعل من المؤسسة التشريعية قادرة على النهوض بإختصاصاتها الدستورية , هنا لا بد أن نشير إلى تجارب مقارنة حيث يتوفر النائب البرلماني الفرنسي على ديوان خاص يضم أربعة خبراء يشتغلون إلى جانبه ويساعدونه على النهوض بمهامه التشريعية والرقابية , فماذا يتوفر للنائب المغربي ليعكس صورة سلطة أساسية في الدولة هي السلطة التشريعية ? هل سيستمر البرلمان في تبعيته المالية للسلطة التنفيذية? حيث يتفاوض مع مصالح الميزانية في وزارة المالية , كأي قطاع حكومي , بينما روح فصل السلط وتوازنها يفرض أن تكون المفاوضات بين رئيسي غرفتي البرلمان كل على حدى مع رئيس الحكومة رأسا , ويتولى خبراء كلى السلطتين مواصلة المفاوضات بعد إتفاق رئيسي السلطتين التشريعية والتنفيذية. مجلس النواب الجديد ورئيسه يجب أن يخرجا بهذه المؤسسة من نمطية كانت ربما تتجاوب مع السقف الديمقراطي الذي كان في البلاد , لكن بعد الربيع الديمقراطي وإنتخابات 25 نونبر , سيكون من المغامرة الحفاظ على مؤسسة البرلمان كحائط مبكى لتوزيع الشتائم والإنتقادات لكل مؤسسات الدولة , الشعب ينتظر مؤسسة قوية تعبر عن طموحاته.