البعض سيعتقد أن الأمر مزحة والبعض الآخر سيعتقد أن عدو «الريباخا» أو التخفيضات الكبيرة وصلت إلى الميدان السياسي، والبعض الآخر سيفرك يديه حسرة على الأسعار الرخيصة، بينما بلغت أسعار الأصوات في بلادنا مستويات قياسية تصل عند الناخبين الصغار في بعض الدوائر إلى 1000 درهم وفي الغرفة المهنية بالنسبة للناخبين الكبار إلى ملايين السنتيمات...لكن ليطمئن الجميع فالحالة معكوسة في فرنسا، إذ أن الحزب الاشتراكي وفي إطار الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشح الحزب للرئاسيات الفرنسية المزمع تنظيمها سنة 2012، قرر الانفتاح على كل الناخبين من أسرة اليسار بدل الاقتصار على أعضاء الحزب، وكان الشرط الأساسي هو دفع ماقيمته أورو واحد والتوقيع على ميثاق لقيم اليسار، وبدل أن يصوت حوالي مليةن ناخب، كما كانت اللجنة المنظمة تتوقع، بلغ الرقم 2,5 مليون ناخب، وبعملية حسابية بسيطة، يكون الحزب الإشتراكي ربح حوالي ثلاثة ملايير سنتيم في يوم واحد. الرئيس ساركوزي كان أول من خرج بالانتخابات الفرنسية من بنيتها المحافظة إلى نمط جديد في التسويق السياسي يحاكي ماهو موجود في الولاياتالمتحدةالأمريكية ، لكن طريقة الانتخابات التمهيدية التي أجراها الحزب الإشتراكي في دورتين، تعتبر الأولى من نوعها في التاريخ الفرنسي، حيث حملت فرنسوا هولاند إلى منصب المرشح الرئاسي لليسار بعد أن حسم الجولة الثانية من الإنتخابات التمهيدية بفوز كبير وبفارق 14 نقطة عن مارتين أوبري، بعد خروج أربعة مرشحين من الدور الأول من بينهم زوجته بلا عقد زواج وأم أطفاله الأربعة و المرشحة الإشتراكية السابقة سيغولين رويال...فرنسوا هولاند سيكون أكثر رجل ممنون للسيدة أمينتو صاحبة فضيحة أحد صقور الحزب الإشتراكي ومدير البنك الدولي السابق دومنيك ستراوس كان, فلولا فضيحة أمينتوا لما كان هولاند مرشحا لليسار في الإنتخابات الرئاسية المقبلة. خصوم هولاند يعتبرونه رجلا بلاخبرة، فهو الوحيد من بين جميع المرشحين الذي ليس له ماضي حكومي، وهو يعرف برجل التنظيم الصلب والعراف بتفاصيل الحزب الاشتراكي قبل أن يترك قيادته لمارتين أوبري، لكنه ثعلب استطاع أن يجعل كل الطروف تتواطئ من أجل نجاحه، تماما كما كان ينتظر الراعي في الرواية الرائعة «الكيميائي» لأمبيرتو إيكو...لكن هل يستطيع هولاند أن يستثمر هذا الزخم الذي ولدته الإنتخابات التمهيدية وتراجع شعبية ساركوزي وتداعيات الأزمة الإقتصادية والمالية العالمية على منطقة الأورو ومنها فرنسا ? أم أن ساركوزي واليمين الفرنسي سيستفيد من أجواء الحملة الإنتخابية المبكرة، لكي لا يكون ساركوزي رئيسا بولاية واحدة... الاشتراكيون ومنذ الانتخابات الجماعية ووصولا إلى تجديد مجلس الشيوخ، يحصلون على نتائج مهمة تعتبر إختراقا تاريخيا لقلاع اليمين الفرنسي، وهو ما يجعل العديد من المحللين يتوقعون فوز الإشتراكيين بالرئاسيات المقبلة، لكن وجهات نظر أخرى تدعوا إلى التريث من الحكم على ما يجري الآن، إذ أن كل هذه النتائج التي حققها الإشتراكيون كانت في ظل أضعف مشاركة شعبية في تاريخ الإنتخابات الفرنسية، ويبدو أن ناخبي اليمين لو تحركوا لكانت النتائج مختلفة، فهل سيتحمل اليسار عودة ناخبي اليمين إلى صناديق الإقتراع بعد الإنذارات المتتالية التي وجهت لليمين؟ وهل بإستطاعت ساركوزي أن يكون المرشح اليميني الأقدر على إعادة ناخبي اليمين إلى صناديق الاقتراع ؟ إلى حين تحقق ذلك من عدمه، هناك بلاشك من اليساريين الفرنسيين من يعيشون على أحلام أن تتصدر الجملة التالية صدر الصفحات الأولى للجرائد بعد إجراء الإنتخابات الرئاسية المقبلة «فرنسا..من فرنسوا ميتران إلى فرنسوا هولاند»...