في بداية الثلاثينات أقامت الحكومة المصريّة مسابقة لاختيار نشيد وطني، وكان من ضمن المشاركين «مصطفى صادق الرافعي» بنشيد «حماة الحمى». ولم يحالفه النجاح وتوفي الرّافعي في سنة 1936 يحمل خيبة طمس نشيده. ولم يدرك أنّ هذا النشيد سيلقى نجاحا كبيرا في موقع آخر. تونس أيضا لاتختلف عن مصر فكان لها سلامها الوطني منذ أواخر القرن التاسع عشر ونصّه: بدوام هذا النصر وعز هذا العصر. يعيش (اسم الملك القائم) باي طول السنين والدّهر أعطه ياربّ كمال مع جلال وإقبال وأدم هذا المشير كظهر لكل فخر ولم يقع التخلّي عنه إلا مع إعلان الجمهورية سنة 1957. وفي أواخر الأربعينات اختار جماعة من المناضلين التونسيين الذين كانوا على اتصال دائم بمكتب المغرب العربي بمصر نشيد «حماة الحمى» للكاتب (مصطفى صادق الرافعي) ليجعلوا منه نشيدا للثورة التونسية، فعهدوا للشاعر (أحمد خير الدين) والموسيقار (صالح المهدي) بتوضيبه ومراجعته ليصبح ملائما للبلاد التونسية، فبدلوا كلمة مصر بتونس فكان ينشد بحماس في كل التظاهرات الوطنية، وعاش هذا النشيد إلى غاية استقلال البلاد سنة 1956 وقيام الجمهورية سنة 1958. وبتولي الحبيب بورقيبة السلطة في البلاد سنة 1957 كرئيس للجمهورية كلف وزارة التربية والتعليم سنة 1958 بإقامة مسابقة لاختيار النشيد الوطني التونسي، فدعت الوزارة إلى مسابقة وطنية شارك فيها 53 شاعرا و23 موسيقيا ووقع الاختيار على نشيد «ألا خلدي» كلمات الشاعر جلال الدين النقاش وألحان «صالح المهدي». وعاش هذا النشيد طوال مدة حكم بورقيبة من 1958 إلى 1987. وبإزاحة بورقيبة رأى القائم على الحكم منذ نوفمبر 1987، إلغاء «ألاخلدي» لما جاء فيها بصريح العبارة: «نخوض اللهيب بروح الحبيب زعيم الوطن»، والرجوع إلى نشيد الثورة «حماة الحمى» مع إضافة بيتين من قصيدة إرادة الحياة لأبي القاسم الشابي: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر ولابدّ لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر بيتان غالبا ما كانا ينشدان تطعيما لنشيد الثورة «حماة الحمى». وهذان البيتان طعما القصيدة دون وجود لنشاز كبير بين القصيدة وتطعيمها بل يمكن القول أن اختيار هذا التطعيم كان صائبا جدا. حماة الحمى هو النشيد الوطني التونسي. كتب أغلب كلماته مصطفى صادق الرافعي وتمّت إضافة بيتين للشاعر أبو القاسم الشابي لحنه أحمد خير الدين. بعد أن اتخذ نشيدا رسميا فكرت الحكومة التونسية في تكليف محمد عبد الوهاب بإعادة توزيعه لكن الفكرة لم تتحقق. كان الوطنيون التونسيون يرددون النشيد خلال مرحلة النضال الوطني، واستمر إنشاده حتى بعد اعتماد نشيد ألا خلدي، في بعض الأوسط الطلابية واجتماعات الحزب الدستوري. اعتمد رسميا كنشيد وطني يوم 12 نوفمبر 1987 عوضا عن ألا خلدي. حماة الحمى يا حماة الحمى هلموا هلموا لمجد الزمن لقد صرخت في عروقنا الدماء نموت نموت و يحيا الوطن لتدوي السماوات برعدها لترمي الصواعق نيرانها إلى عز تونس إلى مجدها رجال البلاد و شبانها فلا عاش في تونس من خانها ولا عاش من ليس من جندها نموت و نحيا على عهدها حياة الكرام و موت العظام حماة الحمى يا حماة الحمى هلموا هلموا لمجد الزمن لقد صرخت في عروقنا الدما نموت نموت و يحيا الوطن ورثنا السواعد بين الأمم صخورا صخورا كهذا البناء سواعد يهتز فوقها العلم نباهي به و يباهي بنا و فيها كفا للعلى والهمم و فيها ضمان لنيل المنى و فيها لأعداء تونس نقم و فيها لمن سالمونا السلام حماة الحمى يا حماة الحمى هلموا هلموا لمجد الزمن لقد صرخت في عروقنا الدماء نموت نموت و يحيا الوطن إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بدّ أن يستجيب القدر ولا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد أن ينكسر حماة الحمى يا حماة الحمى هلموا هلموا لمجد الزمن لقد صرخت في عروقنا الدماء نموت نموت و يحيا الوطن