«كلنا للوطن» النشيد الوطني اللبناني .. أو كيف تفوق أمير الزجل رشيد نخلة في إيجاد نشيد جامع لمختلف النزعات في الوطن الواحد يعد النشيد الوطني أحد أهم الرموز الوطنية للدولة، ويقوم بدور كبير في شحن الروح المعنوية لأفراد الشعب وجمعهم على هدف واحد. وغالبا ما يرتبط النشيد الوطني بنشوء الدول والقوميات والأغلب أيضا أن تكون جذور هذا النشيد نابعة من عمق تاريخ قديم جدا حيث القصائد والأغاني الحماسية التي كان ينشدها الناس أثناء حروبهم، وهذا ربما يفسر ارتباط كتابة كثير من الأناشيد الوطنية بمناسبات حربية.. قومية أو تحررية..وهو أيضا ما يجعل بعض الدول تغير أناشيدها مع تغير رؤيتها واختياراتها.. ويحصل هذا خصوصا في الدول العربية والنامية. وأيضا لأن النشيد الوطني يعبر عن ايديولوجية الدولة وتوجهها، وإن لغته تتميز غالبا بالوضوح والمباشرة والبعد عن المجاز والتصوير. وعلى كل فمهما تعددت الخلفيات التي أسست لنشوء أي نشيد وطني فإن أغلبها يلتقي دائما عند التعبير عن رؤية للذات والآخر والدعوة إلى التمسك بالهوية وحماية الحوزة الوطنية. ومن خلال قراءة متأنية ومتابعة لبعض الأناشيد الوطنية للدول العربية والإسلامية: نجدها تكاد تجمع على تحفيز الجماهير للذود عن الأوطان، وتوجيه الجماهير للتعاطي بحماسة مع أدوارهم ومواقفهم الوطنية بقلوب وأحيانا روحانية مليئة بتمجيد الحرمات واحترام المقدسات وفق تراث وتقاليد كل بلد وطبيعة نمط الحكم فيه. عن رمزية هذه الأناشيد وظروفها وقصتها وتاريخها..من صاغ كلماتها .. من لحنها .. ومن وضع موسيقاها.. سنتابع كل هذا في قراءة يومية خلا ل شهر رمضان إذا ما ذكر النشيد الوطني اللبناني «كلنا للوطن» ذكر رشيد نخله ناظم هذا النشيد سنة 1926، وكلما ورد ذكر اسم رشيد نخله كلما تبادر الى الذهن نشيد «كلنا للوطن» الذي يدعو فيه إلى الإلتفاف حول الوطن والدفاع عنه والذود عن كرامته. فكان لزاما أيضا أن تسرد قصة نظم هذا النشيد كما جاءت نقلا عن جريدة «بيروت» في عددها المؤرخ في 22 نونبر سنة 1944، مفصلة بعنوان «كيف نظم رشيد نخله النشيد الوطني» جاء فيه: ألَّفت الحكومة عام 1925 لجنة تحكيم بين الشعراء المتبارين في نظم النشيد الوطني، على رأسها الأستاذ الكبير الشيخ عبدالله البستاني ومن جملة أعضائها الشيخ ابراهيم المنذر والأستاذ عبدالرحيم قليلات والأستاذ وديع عقل والأستاذ الياس فياض وغيرهم. وجعلت الحكومة للشاعر الفائز في المباراة جائزة مالية قدرها 1000 ليرة سورية. وقد تبارى في ذلك معظم الشعراء في لبنان وفي المهجر. وكان رشيد نخلة يومئذ في بيروت، وصادف ذات مرة أنه كان في بيت أحد أصدقائه من كبار رجال السياسة في البلاد، ودار الحديث حول النشيد الوطني ومباراته، فقيل في الجلسة أنه أصعب شيء، إيجاد نشيد وطني عام في وطن مقسم الميول والنزعات والطوائف، أشبه ما يكون بالفسيفساء وبرج بابل، فقال رشيد نخلة، «ولكن الشعراء المتبارين لا يعدمون ايجاد النشيد الجامع لمختلف النزعات في الوطن، كأن يقال مثلا (كلنا للوطن)» فقيل له: هذا والله أبرع استهلال، فليتك يارشيد تمضي في النظم عليه، وهكذا كان. الى أن قالت: «وكتب على نسخة النشيد ما يلي: اذا فاز هذا النشيد فالجائزة متروكة لفقراء البلاد». الى أن قالت: وكان رئيسا للوزارة يومئذ فخامة الشيخ بشارة الخوري، فلما أرسلت اليه القصيدة الفائزة وعليها اسم ناظمها قال في مجلس الوزراء هذه الكلمة المشهورة: (الحمد لله فان صاحب نشيدنا الوطني من أشهر رجال الوطنية). وكان في الأصل هذا المقطع: ما عرانا انفصال في الملمّ العصيب الصليب الهلال الهلال الصليب فاجتمع الرئيس الشيخ بشارة الى رشيد نخلة، واقترح الشيخ بشارة حذف هذا المقطع، وكان ذلك في جلسة لمجلس الوزراء، كي لا يكون في النشيد ما يذكر اللبنانيين بالطائفية والانقسام، فقبل رشيد نخلة بذلك وحذف المقطع. «وكان بعد فوز النشيد أن أرسل وزير المعارف إلى رشيد نخلة كتابا جاء فيه (لقد ذكرتم أنكم ترصدون قيمة الجائزة لمساعد الفقراء في الجمهورية، فأرجو اعلامنا الجهة التي تريدون أن ينحصر المبلغ فيها) فأجابه رشيد بك بكتاب، هذا بعضه: (الفقراء، كما لايخفى على الوزير الصديق، متكافئون في الحرمان، متماثلون في الخيبة، وفي تأخر رحمة الله، التي وسعت السماوات والأرض وضاقت عليهم. فهو يرى معي، ولاريب، أنه لايجوز أن يفضل بعض الفقراء على بعض، في هذه العطية التي هي جهد المقل، والتي لاتغني من فقر، لكن معناها يدخل على أؤلئك المحزونين في ظل الحياة شيئا من البهجة، ويمثل لهم، في صورة صادقة، صناعة المشتغلين بعواطف القلوب). فوُزِّع المبلغ على الفقراء في جميع الجهات. «ومن أطرف ما نقل على لسان رشيد نخلة أنه لقي في نظم النشيد سهولة وانشراح بال، لم يعهدهما في منظوماته الأخرى، وأن أكثر ما جاءه يومئذ من الهام قد استدعته لفائف الدخان، فإنه كان يومئذ قد ترك التدخين، فلما أقبل على نظم النشيد لم يتمالك نفسه من طلب اللفائف. وأنه نظم أكثر المقاطع في يوم من ربيع سنة 1926، في حديقة داره التي تقع اليوم في محلة (الظريف) في (شارع رشيد نخله). «وقد نقلت الجرائد يومئذ أن المرحوم عبد الرحيم قليلات لما وصل الأعضاء في لجنة التحكيم الى هذا البيت؛ أزره عزه رمزه للخلود وكان المرحوم عبد الرحيم بك على لسانه شيء من اللهجة المصرية قال (دامش عاوز تنغيم... دانغمتو منوو - فيه!) مُلَمِحاً الى طرب الفرائد والتركيب في هذا البيت». فكانت مكافأة رشيد نخله لنظمه النشيد الوطني أن أقر مجلس النواب اللبناني في جلسة عقدت في 15 مارس سنة 1948 تشييد ضريح له في مسقط رأسه الباروك. أمير الزجل. بويع رشيد نخله بإمارة الزجل سنة 1933 فكان أول أمير للزجل في لبنان لفضله في النهوض بالزجل الى مقام الشعر. وقد أقيم احتفال كبير لمبايعته بالإمارة، ترأسه الأمير فائق شهاب باسم الحكومة، في نادي الكريستال 13 أبريل سنة 1933 لم يحضره رشيد نخله لأن ساقه كانت قد بترت بسبب مرض السكري الذي أصابه. وفي إشارة إلى قطع ساقه وريادته تتويجه بالإمارة، قال في حقه عيسى اسكندر المعلوف: كنت بالساقين سباق الورى وبساق فزت في خصل السباق يارشيد القوم للتاريخ قل ليس تحيا نخلة الا بساق. وديع صبرا صاحب لحن النشيد الوطني ولد وديع بن جرجس بن جبور صبرا (1876 1952 م) في بلدة عين الجديدة في جبل لبنان وتلقى علومه في مدرسة البنين الانكليزية، ثم تخرج من المدرسة الإنجيلية (الجامعة الأمريكية) وكان محبا للفنون ودرس الموسيقى في بيروت منذ حداثته . دراسته وأعماله سافر الى باريس سنة 1892 بغية إكمال دراسات الفنية. فدرس وتمرن في الكونسرفاتوار الفرنسي سبعة أعوام. وكان خلال إقامته في باريس يسافر الى الضواحي البعيدة لإحياء حفلات فنية، يوفر من ريعها نفقات دراسته وإعاشته. ثم عينته كنيسة سانت امسيري الإنجيلية، في باريس، عازفا على الأرغن واستمر في الخدمة مدة عشر سنين، فكانت مدة دراسته في عاصمة فرنسا ستة عشر عاما، وضع وديع النشيد الوطني العثماني في سنة 1908، وسافر إلى استانبول، فقدم للمجلس النيابي النشيد المذكور وأقام فيها خمسة عشر شهرا ثم عاد الى بيروت سنة 1910، فأسس دار الموسيقى، وهو أول معهد موسيقي في لبنان . عاد سنة 1918 الى استانبول فعينته الحكومة التركية رئيس أساتذة المدرسة الموسيقية البحرية مدة سنة، ومنها سافر الى مدينة باريس، نفي وديع الى مدينة سيواس في الأناضول وأقام فيها خلال الحرب العالمية الأولى، ثم اكتشفت الحكومة أن نفيه كان خطأ فأطلق سراحه معززا مكرما، ورجع إلى بيروت فكان أستاذ الموسيقى في دار المعلمات ومديرا لموسيقى الجيش في لبنان. لما كان البيانو الغربي لايخرج الأرباع الصوتية على الأنغام الشرقية، سافر وديع الى باريس سنة 1922 وقام بدراسات طويلة وبجهود مضنية حتى توصل الى غايته المنشودة باختراعه البيانو الشرقي وبحث مع مدير مصنع «بلابل» قضية تركيب السلم الموسيقي بالنسبة للأصوات الشرقية ليتمكن على ضوء هذه الأبحاث الفنية العويصة من إدخال الأرباع الصوتية على الأنغام الشرقية في مخترعه الذي ذاع صيته ونال إعجابا وتقديرا عظيما في الأوساط الفنية. ثم عاد الى مصر ومكث فيها مدة سنتين يعطي دروسا موسيقية. خاصة أهم أعماله لوديع صبرا أعمالا موسيقية عديدة من أهمها: وضع المارش الملي العثماني قبل الدستور والنشيد الوطني العثماني بعده والنشيد الوطني اللبناني والأوبرا التركية ونشيد موسى أوراتوريو وأوبرا رعاة كنعان، وهي أول أبرا في اللغة التركية، وأوبرا الملكين، وهي أول أوبرا في اللغة العربية، وتراتيل كنائسية من الصولو مطبوعة في باريس، وفالس لكونس وجانوت من مقام منير، ولحن أوبريت فرنسية ومنها المهاجر، و 30 لحنا شرقيا. وآخر ما لحنه الأناشيد الثلاثة: «ذكرى الأم» من نظم الشاعر شبلي الملاط، «أمنا الأرض» من نظم رشدي المعلوف، «انتهى كل شيء» من نظم الشاعر سعيد عقل. لحن النشيد الوطني اللبناني الذي ألفه رشيد نخله، ونال الجائزة الأولى عنه، فتم اعتماده نشيدا وطنيا سنة 1927. نشرت بعض أبحاثه ومؤلفاته الموسيقية في كتب ومجلات في لبنان وفرنسا. وله 4 أبحاث منشورة، و 4 أعمال أوبرا، و 30 تنويعا لألحان شرقية لآلة البيانو وأخرى للأوركسترا، كما له أنشودتان لموسى وللميلاد، وكتاب ترانيم بروتستانتية، بالإضافة إلى أعمال كلاسيكية متنوعة وقصائد ملحنة وأناشيد. تذكره موسوعة لاروس الموسيقية، (Encyclopédie de la Musidue de larousse) كأحد رواد الموسيقى في لبنان. النشيد الوطني اللبناني الحالي كلنا للوطن للعلى للعلم ملء عين الزمن سيفنا والقلم سهلنا والجبل منبت للرجال قولنا والعمل في سبيل الكمال شيخنا والفتى عند صوت الوطن أسد غاب متى ساورتنا الفتن شرقنا قلبه أبداً لبنان صانه ربه لمدى الأزمان بحره بره درة الشرقين رفده بره مالئ القطبين أسمه عزه منذ كان الجدود مجده أرزه رمزه للخلود