جرت مياه كثيرة تحت جسر المغرب، وأصبحت الحاجة ملحة لكي تدخل البلاد بجدية عصرا جديدا، وهناك اتجاهين، الأول يعتقد أن الجيل الحالي من السياسيين أصبح متجاوزا مع تطور الأحداث وارتفاع سقف المطالب وتغير لهجة الحوار ومفردات الصراع بشكل غير مسبوق وبما لا يتفق مع الأبجديات التي نشأ عليها، وأصحاب هذا الرأي يخلصون من ذلك إلى وجوب إحالة هؤلاء على المعاش أو التقاعد النسبي مع ما يعني ذلك من فسح المجال لجيل جديد من السياسيين على دراية بمستجدات الساحة السياسية ولهم القدرة على الانتباه والاستماع إلى نبض شارع يتسم بهيمنة الشباب على تركيبته الديمغرافيا، ولهذا فمن الضروري أن يحصل انتقال جيلي لتعزيز الانتقال الديمقراطي وتجسير الهوة بين أغلبية الشعب التي يغلب عليها الشباب، وبين نخبة سياسية تطغى عليها الكهولة في أحسن الأحوال وتعاني نقصا شديدا في تنوع تركيبتها العمرية والجيلية... إلى جانب وجهة النظر السابقة هناك رأي آخر لا يناقض الرأي السابق، لكنه يرى الأشياء من زاوية أخرى لا تعتمد مقاربة صراع الأجيال، بل تنحوا إلى بناء قراءة موضوعية للواقع الديمغرافي والاقتصادي للبلاد، بجانب قراءة منصفة إلى طبيعة التراكمات التي عرفتها البلاد على جميع المستويات وخاصة على المستوى الديمقراطي والحقوقي، وهو ما لم يكن ليتحقق لولا مساهمة أجيال مختلفة، ويخلص هذا الرأي إلى التقرير بأن دخول أجيال جديد إلى حقل تدبير الشأن العام مسألة مصيرية وضرورية وغير قابلة للتأجيل ، لكن دون إهمال جيل ساهم ولا زال بإمكانه أن يكون سندا للدولة الجديدة التي أفرزها دستور 2011 ، ومن هذا المنطلق يرى هذا الاتجاه بأن المغرب في مرحلة يحتاج فيها إلى ضخ دماء جدية في المشهد السياسي، وأن هذه المرحلة تشكل نقطة مفصلية لدعم الانتقال الديمقراطي بعملية للانتقال ألجيلي، يحمل المغرب إلى آفاق واسعة. الانتقال ألجيلي ليس مسألة ترف ديمقراطي ، بل مسألة مصيرية بالنسبة لمستقبل المغرب ولمستقبل الديمقراطية، فبطئ التحول ألجيلي، لا يساهم في فهم عميق للتحولات والإنتظارات التي يعرفها المجتمع، وأن الخلل في تركيبة النخب التي تدبر الشأن العام، من خلال عدم عكسها للواقع الديمغرافي في البلاد ينعكس على رؤيتها للأشياء وتفاجئها بعدد من الخطابات وبلغة مختلفة غير مسبوقة ولا تملك الشفرة المناسبة لحلها، ومن هذه الزاوية تصبح عملية التحولي ألجيلي مسألة حيوية، حتى لا نصل إلى مرحلة نتحدث فيها بيننا بلغة الإشارات... إن مشروع القانون التنظيمي لمجلس النواب الذي قدم ضمانات لمشاركة الشباب في المؤسسة التشريعية المقبلة، وخطاب العرش الذي حث على فتح المجال لأجيال جديدة، إضافة إلى ما سبق وأن اعتمدته عدد من الأحزاب في قوانينها ومؤسساتها وخاصة حزب الاستقلال.. كلها تصريحات وإجراءات تصب في اتجاه الانتقال السلسل بين الأجيال، وهو ما يعني أن بلادنا واعية بأهمية هذا الانتقال والذي بدونه سوف يكون مفروضا علينا نخلف الموعد مع التاريخ...