يوم الخميس 7 يوليو 2011 نشرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية على موقعها الالكتروني تحقيقا مطولا عن أسباب إقبال الإسرائيليين بإعداد كبيرة على مغادرة إسرائيل والعيش في الخارج وتأثير ذلك على مستقبل إسرائيل والإيديولوجية الصهيونية. وجاء في التحقيق الذي كتبه جوزيف تشامي وباري ميركين: «على مدى أكثر من ستة عقود على إعلان قيام إسرائيل، شددت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة دائما على مركزية الهجرة اليهودية وقانون «العودة» لجميع اليهود إلى إسرائيل بالنسبة إلى امن الدولة وبقائها وازدهارها. ومع ذلك، وبينما ينشر الشيء الكثير عن الهجرة اليهودية إلى إسرائيل، فان المعلومات المتوافرة عن الهجرة اليهودية إلى خارج إسرائيل اقل من ذلك بكثير. وتتنوع تقديرات الحكومة لأعداد الإسرائيليين الذين يعيشون في الخارج تنوعا كبيرا وذلك بسبب عدم وجود نظام تسجيل كاف. ونتيجة لذلك فان الدارسين وغيرهم يشكون في دقة الأرقام الحكومية. والى جانب النقائص الإحصائية والمنهجية، فان عدد المغتربين الإسرائيليين يخضع لنقاش وجدل واسعين بسبب أهميته الديموغرافية والاجتماعية والسياسية الهائلة داخل إسرائيل وخارجها أيضا. و في الحد الأدنى هناك التقدير الرسمي القائل بان 750 ألف إسرائيلي – أي 10 في المائة من السكان – يعيشون خارج إسرائيل وذلك وفقا لوزارة الهجرة والاستيعاب الإسرائيلية. وتقدر الحكومة الإسرائيلية الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو العدد الحالي للإسرائيليين الذين يعيشون في الخارج بما يتراوح بين 800 ألف ومليون شخص يمثلون 13 في المائة من السكان، وهي نسبة مرتفعة نسبيا بين البلدان الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. ويتفق هذا الرقم الأخير مع رقم ورد ضمن تقرير قدم في أول مؤتمر للإسرائيليين الذين يعيشون في الخارج عقد في يناير 2011 من هذا العام وهو مليون شخص. والتقديرات الحالية لعدد الإسرائيليين الذين يعيشون في الخارج أعلى بكثير من التقديرات في الماضي. فخلال العقد الأول من عمر إسرائيل هاجر نحو 100 ألف يهودي إلى خارج إسرائيل. وبحلول 1980 قدر مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي أن 270 ألف إسرائيلي يعيشون في الخارج لأكثر من سنة، أي 7 في المائة من السكان. وبعد بضعة عقود من ذلك، تضخم عدد المهاجرين الإسرائيليين فبلغ 550 ألفا – أي نحو مثلي ما كان عليه في خمسينات القرن العشرين. بين أمريكا وأوروبا ومن بين الإسرائيليين الذين يعيشون في الخارج يعتقد أن نحو 60 في المائة قد استقروا في أمريكا الشمالية فيما استقر ربعهم في أوروبا ويتوزع 15 في المائة على بقية أنحاء العالم. ويقدر أن حوالي 45 في المائة من المغتربين الإسرائيليين الذكور قد أكملوا عل الأقل درجة جامعية مقارنة ب22 في المائة فقط من السكان الإسرائيليين. ويعتبر المهاجرون الإسرائيليون علمانيين وليبراليين بنسبة أعلى من بقية السكان. يضاف إلى هذا أن المهاجرين إلى الخارج أصغر عمرا بصورة عامة من القادمين إلى إسرائيل، خصوصا أولئك الآتين من الاتحاد السوفيتي السابق الأمر الذي يعجل في شيخوخة السكان الإسرائيليين. وتتركز الأسباب التي كثيرا ما تذكر لهجرة الإسرائيليين إلى الخارج على السعي إلى مستوى معيشة وأحوال مالية أفضل والحصول على فرص توظيف ومهن وتعليم عال وكذلك التشاؤم إزاء إمكان إحلال السلام. ومن بين أكثر الأسباب التي تذكر كمبرر لمغادرة إسرائيل القول بأن: «المسألة ليست لماذا غادرنا، وإنما لماذا بقينا كل هذه المدة قبل أن نغادر». وبينت استطلاعات حديثة للرأي أن حوالي نصف سكان إسرائيل الشباب يفضلون العيش في مكان ما في الخارج لو أتيحت لهم الفرصة. وأكثر الأسباب التي يذكرونها كمبرر للرغبة في الهجرة إن الوضع في إسرائيل «ليس جيداً». وثمة عامل آخر مهم يساهم في تدفق الإسرائيليين اليهود إلى الخارج وهو الخبرة في الهجرة. فبالنظر إلى أن 40 في المائة من الإسرائيليين اليهود مولودون في الخارج فإن الهجرة ليست بالشيء الجديد بالنسبة إلى كثيرين في البلاد. يضاف إلى هذا إن المهاجرين الاسرائليين لا يستطيعون التصويت من الخارج فإن من المرجح أن يشعروا بأنهم مهشمين داخل المجتمع الإسرائيلي في الداخل الأمر الذي يسهم في قرارهم البقاء في الخارج وفي اجتذاب آخرين لعمل الشيء نفسه. وليست من المؤكد إذا ما كانت جهود حكومة نتنياهو في الكنيست للمصادقة على مشروع قانون يمنح الاسرائليين المتواجدين في الخارج حق التصويت سيساهم في إبطاء هذا التوجه. 60 في المائة يريدون المغادرة ومن الأمور التي تزيد من ضغوط الهجرة أن إسرائيليين كثيرين قد اتخذوا إجراءات تمهيدية للمغادرة في نهاية الأمر. وأظهرت إحدى عمليات المسح أن ما بقرب من 60 في المائة من الإسرائيليين قد اتصلوا أو عازمين على الاتصال بسفارة أجنبية ليطلبوا الجنسية أو جواز سفر ولدى ما يقرب من 100 ألف إسرائيلي جوازات سفر ألمانية بينما يقدم المزيد طلبات لجوازات على أساس أنهم من نسل ألمان. ولدى عدد كبير من الإسرائيليين جنسية مزدوجة بما في ذلك نصف مليون إسرائيلي يحملون جواز سفر الولاياتالمتحدة، مع ما يقرب من ربع مليون طلب قيد النظر. وتبين تنبؤات النمو السكاني أن الإسرائيليين اليهود سيظلون الغالبية في إسرائيل في المستقبل المنظور غير أن الإسرائيليين اليهود سيواجهون تحدياً للاحتفاظ بغالبيتهم المسيطرة بنسبة 75 في المائة تقريبا، ويعود هذا بصورة رئيسية إلى نسبة الخصوبة الأعلى في أوساط غير اليهود في إسرائيل – بما يقرب من طفل أكثر لكل امرأة – ونضوب البركة الكبيرة للمهاجرين اليهود المحتملين، وهجرة الإسرائيليين اليهود على نطاق واسع. ونتيجة لذلك فان التنبؤات الديموغرافية تتوقع استمرار هبوط نسبة اليهود في البلاد في العقود المقبلة إلى ما يقرب من ثلثي السكان بحلول منتصف القرن بعد أن بلغت تلك النسبة أوجهها ب89 في المائة في 1957. وتشكل هجرة نسبة عالية من أي بلد، خصوصا المتعلمين جيدا وذوي المهارات العالية تحديا كبيرا لأي دولة غير أن الهجرة على نطاق واسع تعد إشكالية خاصة بالنسبة إلى إسرائيل بالنظر إلى عدد سكانها الصغير نسبيا وتشكيلتها العرقية الفريدة والسياق السياسي الإقليمي. ثم أن الهجرة الإسرائيلية لا تزيد فقط أعداد اليهود الأرثوذكس وإنما تزيد أيضا إعداد العمال الأجانب غير اليهود العاملين في مجالات الزراعة والبناء وتوفير الرعاية. كما أن وجود أكثر من 20 ألف عامل أجنبي نصفهم تقريباً من آسيا، خصوصا من تايلاند والفيليبين ومن إفريقيا أيضا بشكل متزايد، يساهم كذلك في التشكيلية العرقية المتغيرة في البلاد. وتساهم مغادرة الإسرائيليين اليهود أيضا في تقويض الإيديولوجية الصهيونية. فإذا كانت أعداد كبيرة من الإسرائيليين اليهود تختار الهجرة إلى الخارج، فلماذا يهاجر يهود مندمجون اندماجا جيدا ومقبولون في بلدان أخرى إلى إسرائيل؟. يضاف إلى هذا أن ربع الإسرائيليين الشبان في أوروبا يتزوجون بأشخاص غير يهود. ولا ينتمي غالبية هؤلاء إلى وسط يهودي كما إنهم لا يشاركون في أي نشاطات يهودية. وكما هو الحال بالنسبة إلى مجموعات المغتربين الآخرين في الدول الغربية، فان الإسرائيليين في الخارج كثيرا ما يعلنون نيتهم العودة. إلا أن من المرجح أن يبقى المهاجرون الإسرائيليون في البلدان التي تبنوها بالنظر إلى أنهم أصبحوا هم وعائلاتهم مستقرين ومندمجين في مجتمعات تلك البلدان بنجاح. وقد اعتبرت الحكومات الإسرائيلية أن مستويات المهاجرين إلى إسرائيل منخفضة أكثر من اللازم بينما نسبة المهاجرين إلى الخارج أعلى مما ينبغي. ولدى إسرائيل، بالإضافة إلى سياسات تشجع على الهجرة للاستقرار الدائم، برامج وحملات إعلامية تروج بنشاط لعودة الإسرائيليين الذين يعيشون في الخارج. وتحافظ الحكومة على صلات مع المهاجرين من خلال تسجيل إلزامي لدى القنصليات في الخارج وحوافز ضريبية للمواطنين الذين يعودون. وبالرغم من هذه الجهود فإن من المشكوك فيه بناء على الاتجاهات في الماضي وفي الوقت الحاضر أن تكون هذه الحوافز كافية لعودة المليون إسرائيلي المفقودين. ولم تؤد الهجرة على نطاق واسع إلى حالات اختلال ديموغرافية واجتماعية– اقتصادية في البلاد وحسب ولكنها تمثل – وهذا هو الأهم – تحديات سياسية خطيرة وتعرض للخطر الطابع اليهودي لإسرائيل». النمو السكاني تقرير مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية تجاهل عن قصد ما يسميه الصهاينة التهديد الديموغرافي الفلسطيني والذي يمكن أن يجعل من المستوطنين الصهاينة أقلية في فلسطين في حدودها التاريخية خلال أقل من عقدين من الزمن. بعد أسبوع من صدور هذا التقرير كتب فرانكلين لامب في نفس المجلة مقالا قال فيه: عدد الإسرائيليين الذين يفكرون بمغادرة فلسطين يتنامى باطراد، كما يقول الباحثون، فهل هكذا سينتهي المشروع الصهيوني... بالانقراض؟ ربما! أحد الأمور العديدة المثيرة للسخرية الكامنة في المشروع الصهيوني لاحتلال فلسطين، هو أن هذا المشروع المتنامي في اهترائه وسم خلال الجزء الأكبر من القرن العشرين على انه الملاذ شرق الأوسطي «لعودة» الأوروبيين اليهود المضطهدين. الآن، في القرن الحادي والعشرين، باتت أوروبا، أكثر فأكثر، قبلة هؤلاء الذين يحتلون فلسطين بطريقة غير شرعية. بالحرف، قال الصحافي اليهودي جدعون ليفي «إذا كان آباؤنا المؤسسون قد حلموا بجواز سفر إسرائيلي للهرب من أوروبا، هناك العديد منا ممن يحلمون حاليا بجواز سفر للهرب من إسرائيل». وأشارت دراسات عديدة، بينها واحدة أجرتها منظمة «ايباك» وأخرى أجراها الصندوق اليهودي في ألمانيا، إلى أن نصف اليهود تقريبا الذين يعيشون في إسرائيل سيفكرون بمغادرة فلسطين خلال السنوات القليلة المقبلة إذا بقيت الأحوال السياسية والاجتماعية على الحال ذاته. وأظهر استطلاع أجراه مركز «مناحيم بيغن» ومقره القدسالمحتلة في 2008 أن 59 في المائة من الإسرائيليين تقدموا بطلب، أو اعتزموا التقدم بطلب إلى سفارة أجنبية، للحصول على جنسية أو جواز سفر. وهو رقم يقترب حاليا من 70 في المائة. وبدورها أظهرت دراسة أجرتها جامعة «بار إيلان»، ونشرتها «ايريتز اشيريت»، وهي منظمة إسرائيلية غير حكومية تعنى بالترويج للحوار الثقافي، أن أكثر من 100 ألف إسرائيلي يحملون بالفعل جواز سفر ألماني. هو رقم يزيد كل عام بنحو 7 آلاف شخص. وبحسب الأرقام الرسمية الألمانية فإن أكثر من 70 ألفا من هذه الجوازات منحت للإسرائيليين ابتداء من العام 2000. وهناك أكثر من مليون إسرائيلي يحملون جوازات سفر أجنبية أخرى، جاهزة للاستعمال في حال تدهورت الحياة في الدولة العبرية. أكثر الدول التي تستقطب الإسرائيليين وأكثرها ترحيبا بهم هي الولاياتالمتحدة. حاليا يحمل أكثر من 500 ألف إسرائيلي جوازات سفر أمريكية، وما يقارب ربع مليون تقدموا بطلبات للحصول على جواز. وخلال الاجتماعات الأخيرة التي عقدت في واشنطن العاصمة، بين وفد منتدَب من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو و»عملاء إسرائيل الأمريكيين»، أكد المسئولون في ايباك على أن الحكومة الأمريكية ستصدر جوازات سفر أمريكية لكل الإسرائيليين اليهود المتقدمين للحصول عليها، عند اقتضاء الضرورة. كما أكدت ايباك للوفد الإسرائيلي بأنه «يمكن الوثوق» بالكونغرس الأمريكي بأنه سيصادق على «منح الإسرائيليين اليهود سيولة نقدية لتسهيل انتقالهم إلى دولتهم الجديدة». ليست الولاياتالمتحدة ارض الشتات المقبلة الوحيدة لليهود. فوفقا لجوناثان راينهولد وهو أستاذ في جامعة «بار ايلان» المتخصص في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، فإن اليهود قد يكونون أكثر أمنا في طهران منها في عسقلان هذه الأيام. دولة فاشية وليس الأمن هو الدافع الوحيد وراء رحيل اليهود عن فلسطين، وإنما الثقافة القومية المتطرفة التي تزداد انتشارا في فلسطينالمحتلة، بحسب ما قال معدو الدراسات المذكورة سابقا. وقال باحث في ايريتز اشيريت أن القاسم المشترك بين الراغبين في الرحيل عن فلسطينالمحتلة هو الاضطراب والقلق، سواء على المستوى الشخصي أو المحلي، معتبرا أن جواز السفر الثاني هو «بوليصة التأمين للهروب من الأيام الماطرة التي تلوح في الأفق». في الواقع، فان جيلين أو ثلاثة في إسرائيل لم يستطيعوا أن يثبتوا أنهم كافون لمد جذورهم في مكان كان لهم فيه أجداد قلائل إن صح ذلك. ولهذا، فإن إسرائيل أنتجت حركة نشطة لما يسمى «الهجرة الجديدة»، أو عودة المهاجرين أو المنحدرين عنهم إلى الدول الأصل التي استقطبهم منها المشروع الصهيوني. من بين العناصر التي تدفع الإسرائيليين إلى الهجرة الخوف من أن يتسبب المتعصبون دينياً بحرب أهلية، وان يحولوا إسرائيل إلى دولة أكثر تعصبا. ثمة ضغوط داخل المجتمع الإسرائيلي، وخصوصا في أوساط المهاجرين الروس الذين يرفضون بغالبيتهم الصهيونية. فمنذ انهيار جدار برلين في 1989، قدم إلى إسرائيل ما يربو إلى مليون يهودي من الاتحاد السوفيتي السابق، ليرتفع بذلك عدد الإسرائيليين بنسبة 25 في المائة، وشكلوا اكبر تركيز في العالم لليهود الروس. لكن اليوم، يشكل هؤلاء اكبر مجموعة تغادر إسرائيل، لأسباب مختلفة سواء معارضة الصهيونية أو التمييز أو الوعود التي لم تنفذ في ما يخص التوظيف و»الحياة الرغيدة» في إسرائيل. وما يقارب 200 ألف روسي أو ما نسبته 22 في المائة ممن قدموا إلى إسرائيل منذ 1990، هجروها وعادوا إلى روسيا. ووفقا للحاخام بيريل لازار، الذي كان كبير حاخامات روسيا منذ 2000، فإن «عدد من يعودون إلى روسيا غير طبيعي البتة. عندما غادر اليهود لم يكن لديهم مجتمع، لم يكن هناك حياة يهودية. كانوا يشعرون أن حقيقة أن تكون يهوديا هي في الواقع خطأ تاريخي أصاب عائلتك. الآن يعرفون أن بإمكانهم العيش في روسيا كجزء من مجتمع وهم لا يحتاجون إلى إسرائيل». الإحساس بالذنب من بين الأسباب الأخرى التي تدفع اليهود إلى مغادرة إسرائيل هناك انعدام الاحترام او الإيمان بالقادة الإسرائيليين، باعتبار أن غالبيتهم فاسدون. ناهيك عن الإحساس بالذنب بأن الصهيونية اختطفت اليهودية والقيم اليهودية التقليدية. هناك أيضا صعوبة إيجاد أجوبة مقنعة لأسئلة الأطفال، وهؤلاء قد أصبحوا أكثر تعلما واطلاعا على تاريخ عائلاتهم. أسئلة من قبيل: لماذا تعيش عائلات من أوروبا وغيرها في ارض ومنازل مسروقة من الآخرين. هؤلاء الآخرون الذين من الواضح أنهم هنا منذ الأزل ولم يأتوا من مكان آخر. المقاومة الفلسطينية المستمرة تمكنت من تقويض مزاعم الصهيونية التي سادت طوال القرن الماضي بأن «هذه الأرض بلا شعب لشعب بلا أرض». ثمة عامل آخر دفع بالعديد من اليهود إلى ترك إسرائيل بينها الخوف الذي يروج له القادة السياسيون بهدف حشد دعم الإسرائيليين للسياسات الحكومية، سواء في ما يتعلق بالقنبلة النووية الإسلامية، و»الإرهابيين» الذين لا يحصى عددهم الذين يخططون لمحرقة جديدة، وغيرها من المخاطر الوجودية التي تدفع العائلات الإسرائيلية نحو إقرار أنهم لا يريدون تربية أبنائهم تحت هذه الظروف. وهكذا، فإن على اليهود الذين يأتون إلى إسرائيل أن «يتأكدوا بأن لديهم البديل والقدرة على العودة الى الدول التي اتوا منها»، والتعبير للكاتب الإسرائيلي هلال شينكر وهو في الأصل من نيويورك، موضحا انه كان يتحدث باسم نفسه، لا كعضو في مؤسسة إسرائيلية، مضيفا أن «انعدام الأمن الذي يحيط بالحياة العصرية في إسرائيل لم تبلغ السلام مع أي من جيرانها حتى الآن، احدث ظاهرة يسعى فيها العديد من الإسرائيليين إلى الحصول على جواز سفر أوروبي، استنادا إلى جذور عائلاتهم في حال اقتضت الحاجة». أما جين شولمان، وهو باحث أمريكي يهودي في «اوفرسيز اميركان اكاديمي» ومقرها سويسرا، فذهب حد القول أن اليهود «يخشون الموت مما ستؤول إليه إسرائيل حتى وإن استمر دعم الولاياتالمتحدة». مؤشر على الانهيار عملية تحول الكيان الصهيوني إلى دولة فاشية حتى بالنسبة إلى المستوطنين تعرف منذ سنة 2005 تسارعا غير مسبوق. يوم 11 يوليو 2011 أضيفت لبنة أخرى إلى ذلك الصرح الجديد الذي يعتبره عدد كبير من المحللين مؤشرا على الانهيار. ففي ذلك اليوم أصبحت الدعوة إلى مقاطعة المستوطنات ممنوعة في إسرائيل بعد إقرار الكنيست لقانون غير مسبوق بهذا المنحى، بمبادرة من اليمين المتطرف واللوبي الاستيطاني. وأصبح الفنانون الذين لا يرغبون في عرض أعمالهم أو الأساتذة اللذين يرفضون علانية إلقاء محاضرات في المستوطنات بالإضافة إلى المنظمات التي تدعو إلى عدم استهلاك منتجات المستوطنات كما حدث العام الماضي، معرضين لغرامات ثقيلة ولقضايا تطالبهم بدفع تعويضات. ومرر الكنيست القانون في حالة جدا نادرة على الرغم من معارضة المستشار القانوني للبرلمان ايال يانون الذي حذر من انه «يصطدم مع حق التعبير في اسرائيل» ويجازف في المقابل باحتمال إلغائه من قبل المحكمة العليا. وامتنع سبعة وزراء من داخل الائتلاف الحاكم بينهم رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن التصويت وذلك بحسب وسائل الإعلام قلقا من الآثار السلبية للقانون على صورة إسرائيل المشوهة نوعا ما في الخارج. إلا أن الوزراء لم يحضروا للتصويت ضد النص المقدم من قبل حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو والذي يوافقون على أسبابه وهي محاربة كافة محاولات مقاطعة إسرائيل وحتى مقارنة مقاطعة المستوطنات بنزع الشرعية عن دولة إسرائيل. في المعسكر المعارض، انتقد حزب المعارضة الرئيسي كاديما (يمين الوسط) القانون إلا انه تخلى عن الانضباط في التصويت حيث دعم الكثير من نوابه القانون علنا. ولم يكن بإمكان المعارضة التي حشدت فقط من اليسار والأحزاب العربية الذين لم يصل مجموعهم إلى أكثر من عشرين نائبا، عرقلة القانون الذي صوت عليه 47 نائبا مقابل 38 صوتوا ضده من أصل 120 نائبا في الكنيست. وحذر المفاوض الفلسطيني صائب عريقات من القانون قبل التصويت عليه الاثنين. وقال «بموجب القانون الجديد ستكون إسرائيل بررت معاقبتها لأعضاء المجتمع الدولي الذين يرفضون الاعتراف بالوضع غير القانوني المرتبط بالأعمال في المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة». وأطلقت حركة السلام الآن الإسرائيلية المناهضة للاستيطان حملة للاحتجاج على القانون. وأكدت هاغيت اوفران المسؤولة في الحركة لوكالة فرانس برس «ليس في نيتنا تنفيذ هذا القانون وسنقوم بحملة ضده لان كل شخص يشتري منتجات المستوطنات يساعد في إدامة الاحتلال» للأراضي الفلسطينيةالمحتلة منذ 1967. وحملت الصحيفتان الرئيسيتان في إسرائيل الثلاثاء 12 يوليو على القانون. فقد كتبت معاريف في افتتاحيتها انه «لا يوجد أي سبب لمنع اليساريين من مقاطعة المستوطنات بينما يسمح للجريديم (اليهود المتشددون) بمقاطعة المتاجر التي تبيع لحم الخنزير وللمستهلكين بالاحتجاج على ارتفاع الأسعار». من جهتها، قالت صحيفة يديعوت احرونوت ان «القانون يحد من حرية التعبير والاحتجاج». وفي معرض رفضه للانتقادات، قال النائب الليكودي ياريف ليفين ساخرا «كيف يمكن أن نحكم على القانون بأنه غير دستوري عندما لا تمتلك إسرائيل دستورا». وأشار إلى حدوث»انقلاب قانوني» معتبرا أن «الكنيست حر في اتخاذ قراراته دون الحاجة إلى اللجوء إلى المحكمة العليا». واعتبر النائب الليكودي داني دانون إن التصويت سمح أخيرا «بجعل هؤلاء الذين يدعمون أعداءنا في الخارج يدفعون أغلى ثمن ممكن حسب القانون». وانتقدت منظمة العفو الدولية في بيان القانون الذي اعتبرته «هجوما على حرية التعبير». وأضافت أن «القانون محاولة سافرة لخنق أي اختلاف عبر المس بالحق في حرية التعبير». المثال الأمريكي ومن المهم معرفة أن المنطق الذي استند إليه دعاة هذا القانون هو أن الولاياتالمتحدة تحارب من يفرض المقاطعة على إسرائيل، فلماذا لا تطبق إسرائيل القانون هذا على مواطنيها؟ ومعروف أن الكونغرس الأمريكي أقر في السبعينيات قانونا يحظر مقاطعة إسرائيل أو تقديم معلومات قد تساعد في فرض المقاطعة عليها. في تعليقها على القانون الإسرائيلي كتبت صحيفة السفير اللبنانية: «لا يمكن النظر إلى هذا القانون من دون وضعه في السياق العام للتشريعات الأخيرة في الكنيست والتي دللت على سباق محموم بين القوى اليمينية لسن قوانين متشددة ضد العرب حينا مثل قانون النكبة وقانون قبول سكن العرب في التجمعات السكنية وضد اليهود ممن يخالفونهم الرأي حينا آخر. ويستكمل هذا القانون الجهد المبذول مؤخرا لإخضاع منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية للمساءلة القانونية والمالية، بعد أن أسهمت في فضح السلوكيات الإسرائيلية ضد العرب سواء في إسرائيل ذاتها أم ضدهم في الأراضي المحتلة العام 1967. على أن قانون المقاطعة يفضح في الوقت نفسه كلا من المعارضة والائتلاف الحكومي. فالمقاصة التي جرت بين أعضاء الكنيست من الطرفين دللت على حجم التواطؤ بين اليمين المعلن في الائتلاف واليمين المستتر في المعارضة خصوصا كديما. وهو ما يشير إلى الأرضية المشتركة التي يقف عليها أساسا اليمين، خصوصا الليكود، وكديما الذي يشكل أساس المعارضة. ففي كل ما يتعلق بالعداء للعرب والعداء لليساريين ثمة توافق شبه تام تجلى بوضوح في نتائج التصويت. ولا يقلل من ذلك شيء إعلان زعيمة المعارضة، تسيبي ليفني، بعد التصويت أن «هذه دولة تلاحق مواطنيها... وقد توصلت إلى قناعة بأن رئيس الحكومة لم يعد يميز بين الصواب والخطأ، بين الخير والشر، لقد فقد ببساطة القدرة على التمييز». واشنطن تبارك واشنطن التي تتشدق بأنها المدافع عن الحريات في العالم، دافعت عن التوجه الصهيوني، حيث اعتبرت يوم الأربعاء 13 يوليو أن القانون الإسرائيلي هو «قضية داخلية». وأعلن المتحدث باسم الخارجية الأمريكية مارك تونر للصحافيين أن «إسرائيل ديموقراطية دينامية جدا مع مؤسسات ديموقراطية قوية تسمح لمواطنيها بالتعبير عن الهواجس التي يمكن أن تكون لديهم حيال قوانينها». وتتناقض هذه التصريحات مع تلك التي أطلقها الاتحاد الأوروبي في وقت سابق. فقد أعرب الاتحاد الأوروبي الأربعاء عن «قلقه» إزاء تأثيرات ممكنة على حرية التعبير جراء القانون الإسرائيلي. وأعلنت مايا كوسيانيتش المتحدثة باسم وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي كاثرين اشتون أن «الاتحاد الأوروبي يعترف بسيادة إسرائيل في مجال التشريع» و»من جهة أخرى فانه لا يشجع المقاطعة». وأضافت «لكن, باسم القيم الأساسية لحرية التعبير التي يتمسك بها ويشاطرها مع إسرائيل», فان الاتحاد الأوروبي «قلق من التأثير الذي يمكن أن يكون لهذا القانون على حرية المواطنين والمنظمات الإسرائيلية في التعبير عن آرائها السياسية بطريقة غير عنيفة». تفعيل «قوات التدخل السريع» الشعور بانعدام الأمن في الكيان الصهيوني في تضخم رغم حجم المعونات والسند العسكري الأمريكي الذي جعل من إسرائيل جزء من الولاياتالمتحدة. ففي الوقت الذي كان فيه وزراء الرباعية الدولية منهمكين في البحث عن صيغة تتيح استئناف المفاوضات حول التسوية الدائمة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، كانت قيادة الجيش الإسرائيلي تقرر خطة عسكرية لمواجهة «خطر تدهور أمني شامل في الضفة الغربية». وقررت، في إطار هذه الخطة، إعادة إحياء ما يسمى «قوات التدخل السريع»، المتخصصة في مواجهة عمليات فلسطينية مسلحة وقمع «عمليات احتجاج». وكانت إسرائيل قد فعلت هذه القوات في فترة الانتفاضة الثانية (2000 - 2004)؛ حيث كانت ترسلها إلى مواقع الأحداث بسرعة «لمعالجتها». وتتألف هذه القوات من مقاتلين محترفين تم تجنيدهم من الوحدات القتالية المختارة، وهم متخصصون في المجالات الحيوية كلها، بما في ذلك الانتقال إلى صفوف العدو بشكل خفي، وتخليص الجرحى، وتقديم الإسعاف الأولي لهم، وإدارة القتل وغيرها. وهم قادرون أيضا على التحرك السريع، ولديهم آليات وأجهزة تتيح لهم الوصول بالسرعة القصوى إلى الأماكن الصعبة. وهم يؤدون مهماتهم إلى حين تصل القوات النظامية للجيش، ومن ثم يصبحون عاملا مساعدا ثانويا عندما تصل تلك القوات. ويبلغ عدد أفراد كل وحدة صف نحو العشرين، وهناك 100 وحدة صف كهذه ستنشر في مختلف أنحاء الضفة الغربية، بعد أسبوعين لتبدأ تدريبات خاصة. وبدا واضحا أن هذه القوات مخصصة لمواجهة ما تتوقعه إسرائيل من أحداث في شهر سبتمبر 2011. فهي تقدر أن منظمة التحرير الفلسطينية ستطرح مشروعها لقبول فلسطين عضوا كاملا في الأممالمتحدة، خلال الدورة المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة. وتتوقع أن تنزل الجماهير الفلسطينية إلى الشوارع، في حال فشلت هذه الخطوة أو نجحت، وأن تتوجه هذه الجماهير غاضبة أو محتفلة باتجاه الحواجز الإسرائيلية العسكرية الاحتلالية. كان مسئولون أمنيون في إسرائيل قد حذروا من تدهور أمني واسع في الضفة الغربية، وكذلك على الحدود مع سوريا ولبنان وقطاع غزة، بسبب البحث في الأممالمتحدة. لذلك فإن إعادة تفعيل قوات الرد السريع يأتي في إطار التهديدات الإسرائيلية للفلسطينيين بأن أي انفجارات شعبية متوقعة ستواجه بالقمع. الخوف الدائم يوم الاثنين 11 يوليو قال وزير الدفاع الإسرائيلي أيهود باراك في الذكرى الخامسة للحرب التي شنتها الدولة العبرية على جنوب لبنان في 2006، أن إسرائيل يمكن أن تستهدف بقصف كثيف في حال نشوب حرب مع جيرانها. وأضاف باراك في جلسة مغلقة أمام لجنة العلاقات الخارجية والدفاع في الكنيست أن ما لا يقل عن خمسين طنا من المواد المتفجرة يمكن أن يسقط يوميا على إسرائيل في حال نشوب نزاع مسلح مع جيرانها العرب. وأضاف باراك أن الجيش الإسرائيلي من ناحيته يمتلك قدرة على إطلاق 1500 طن من المواد المتفجرة يوميا وإصابة الأهداف بدقة. من جهته, قال الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الجنرال غيورا ايلاند للإذاعة العامة الإسرائيلية الثلاثاء انه في حال وقوع نزاع مع حزب الله في المستقبل فانه «يتوجب على الجيش الإسرائيلي ضرب المنشآت الإستراتيجية للدولة وليس تلك التابعة للحركة الشيعية تحديدا». وشن الجيش الإسرائيلي حربا مدمرة على لبنان بعدما خطف حزب الله اللبناني جنديين إسرائيليين في 12 من يوليو 2006. وقد واجه إخفاقات عديدة في هذه الحرب. وقتل في الحرب التي انتهت في 14 من أغسطس 2006 أكثر من 1200 شخص على الجانب اللبناني معظمهم من المدنيين و160 إسرائيليا معظمهم من الجنود. وتمكن حزب الله خلال الحرب من إطلاق أربعة آلاف صاروخ على شمال إسرائيل مما دفع مليون إسرائيلي من الجليل للاحتماء في الملاجئ. وعرضت القناة العاشرة الإسرائيلية مساء الاثنين لقطات قصيرة لوزير الدفاع المدني متان فلنائي وهو يشرف على إنشاء «مدينة من الخيام» قرب ايلات قادرة على استيعاب عشرات الآلاف من الإسرائيليين الذين يهربون من القصف. مناقشة موضوع النهاية لا يحب أحد في إسرائيل مناقشة موضوع النهاية، ولكنه مع هذا يطل الهاجس برأسه في الأزمات، فأثناء انتفاضة 1987، حذر إسرائيل هاريل المتحدث باسم المستوطنين من أنه إذا حدث أي شكل من أشكال الانسحاب والتنازل. فإن هذا لن يتوقف عند الخط الأخضر أي حدود 1948، إذ سيكون هناك انسحاب روحي يمكن أن يهدد وجود الدولة ذاتها. ومع انتفاضة الأقصى تحدثت الصحف الإسرائيلية عدة مرات عن موضوع نهاية إسرائيل، فقد نشرت جريدة يديعوت أحرونوت يوم 27 يناير 2002 مقالا بعنوان «يشترون شققا في الخارج تحسبا لليوم الأسود»، اليوم الذي لا يحب الإسرائيليون أن يفكروا فيه، أي نهاية إسرائيل!. أن موضوع نهاية إسرائيل متجذر في الوجدان الصهيوني. فحتى قبل إنشاء الدولة أدرك كثير من الصهاينة أن المشروع الصهيوني مشروع مستحيل إلا إذا تم تدمير كيان أسمه الأمة العربية. تدمير الأمة الممتدة من الخليج العربي حتى المحيط الأطلسي هو جوهر مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي وضعه المحافظون الجدد والهادف إلى تقسيم المنطقة إلى ما بين 54 و 56 دويلة وهو الأمر الوحيد الضامن لاستمرار الوجود الصهيوني على أرض فلسطين لعقود أخرى. احتلال العراق سنة 2003 كان بداية التنفيذ العملي لمخطط التمزيق، ومع بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين جاءت مرحلة جديدة.