الخطاب غير المسبوق من أي رئيس أمريكي والذي ألقاه الرئيس جورج بوش في الكنيست الإسرائيلي في الذكرى الستين لقيام إسرائيل على أنقاض فلسطين أذهل الإسرائيليين، حيث إنه لم يسبق لرئيس أمريكي أن تعهد بالحماية والدعم المطلق واللانهائي لإسرائيل كما تعهد جورج بوش في خطابه، لكن خطاب بوش وتعهداته لن تغير من الواقع الذي بدأت إسرائيل تعاني منه شيئا كثيرا، فإسرائيل منذ قيامها على أنقاض فلسطين عام 1948 وهي تعيش على الدعم الأمريكي والغربي، ولو تركت ساعة واحدة لمصيرها لما استطاعت أن تواصل الحياة في هذا المحيط الذي خربته ودمرت الحياة فيه طوال العقود الماضية، فمع بلوغ إسرائيل عمر الستين دخلت مرحلة الشيخوخة التي يمكن أن تقودها للفناء وذلك حسب آراء كثير من المؤرخين الإسرائيليين أنفسهم، ففي تقرير نشر في 12 مايو الماضي قال إفرايم كام، الخبير الإسرائيلي المتخصص في الشؤون الحربية: «إن المشاكل الشائكة التي تواجهها إسرائيل الآن هي التهديد الإيراني واستمرار الاحتلال والاستيطان في الضفة الغربية والنمو السريع للسكان العرب وتصاعد قوة حماس في غزة واستمرار إطلاق الصورايخ على إسرائيل». وفي تقرير نشرته وكالة الأنباء الفرنسية في 5 مايو قالت فيه إنه في الذكرى الستين لقيام إسرائيل لا تزيد نسبة الذين يشعرون بالأمن في إسرائيل عن 4 % من عدد السكان وهذا يعني أن 96% من الإسرائيليين لا يشعرون بالأمن، أما المكتب المركزي للإحصاء في إسرائيل فقد أصدر تقريرا في 5 مايو الجاري قال فيه إن تدفق المهاجرين اليهود على إسرائيل قد تراجع بشكل كبير في ذكرى مرور ستين عاما على قيامها، حيث لم يزد عدد المهاجرين الجدد في العام 2007 عن عشرين ألفا وأن إسرائيل تكثف محاولاتها من أجل استقدام مهاجرين جدد، في المقابل فإن هناك معدلات مرتفعة للهجرة المعاكسة من إسرائيل للخارج حتى أن عدد المهاجرين الإسرائيليين خارجها يقدر حسب وزارة الهجرة الإسرائيلية ب700 ألف إسرائيلي منهم 450 ألفا في الولاياتالمتحدة وحدها من عدد السكان البالغ 5 ونصف مليون يهودي، وفي تقرير نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية يوم الاثنين 12 مايو قال 52 % من الإسرائيليين إنهم لا يستبعدون الهجرة منها وقال 24% إن شعورهم بفقدان الثقة بمستقبل إسرائيل قد يدفعهم للتفكير بمغادرتها، بينما قال 22% من الإسرائيليين ألا شيء يدفعهم إلى الهجرة، إذن 78% من سكان إسرائيل يفكرون بمغادرتها، من ثم فإن الشعور بالخوف على مستقبل إسرائيل يملأ الصحف الإسرائيلية، وقد عبر المحلل الإسرائيلي المعروف المتخصص في شؤون المجتمع الإسرائيلي عكيفا الدار في تقرير نشر في 12 مايو: «ورثت عن والدي دولة معجزة لكني أترك لأولادي علامة استفهام». أما الدولة المعجزة التي قامت على العسكرة من أول يوم فقد أصبحت تعاني من ظاهرة خطيرة هي ظاهرة الهروب من الخدمة العسكرية وهي ظاهرة تشهد تصاعدا في إسرائيل بمعدلات غير مسبوقة في مجتمع قام على العسكرة، حتى إن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال غابي أشكنازي قال في خطاب ألقاه في مقر سلاح الجو الإسرائيلي في هرتسليا في 31 يوليو الماضي: «إن ظاهرة التهرب من الخدمة العسكرية تنهش المجتمع والجيش في إسرائيل». أما الظاهرة الاجتماعية الأكثر قلقا فهي تنامي الفقر داخل دولة كان ينظر إليها على أنها من الدول المتقدمة، فقد نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية تقريرا في منتصف ديسمبر الماضي 2007 عن تنامي الفقر داخل إسرائيل، وقالت إن 60% من اليهود الأرثوذكس يعيشون في فقر مدقع وتقارير أخرى تتحدث عن نهاية دولة الرفاهية في إسرائيل وهناك تقرير نشر في «يديعوت أحرونوت» في 16 مارس الماضي 2008 يتحدث عن أن 25% من الإسرائيليين يعيشون تحت خط الفقر ومن الطبيعي أن يؤدي هذا إلى الفساد الذي أصبح يطال الجميع حتى رئيس الحكومة أولمرت. ما يحدث في إسرائيل أدى إلى ظهور دراسات كثيرة تتحدث الآن عن ما بعد الصهيونية، مثل الدراسة التي نشرتها كاثلين كريستسون على موقع «زد نت» في 2 أكتوبر 2006 وهي محللة سابقة في «السي آي إيه» عن قرب نهاية الصهيونية، كذلك الكاتب الإسرائيلي يوسي أميناي في مقال نشره في صحيفة الحياة في 9 سبتمبر الماضي 2007، حتىإ بعض المؤرخين اليهود يقولون إن إسرائيل سوف تتقلص لتصبح أكثر قليلا من حكم ذاتي وأقل قليلا من دولة، أما مركز الدراسات الإستراتيجية والتقنية الروسي فقد نشر تقريرا في منتصف أبريل الماضي قال فيه إن المشروع الصهيوني سوف ينهار خلال عشرين عاما، هذه هي إسرائيل التي أعلن بوش وهو على حافة النهاية لسنوات حكمه أنه يقدم لها الدعم المطلق، إنها سنوات النهاية لدولة قامت على معاداة الفطرة الإنسانية، وإن غدا لناظره قريب.