ما جرى في المغرب في الشهور الأخيرة دعا الجريدة الأمريكية الأوسع إنتشارا « الواشنطن بوست « إلى القول بأن المغرب يشكل نموذجا للتغيير السلمي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ودعا نظيرتها ال « وولستريت جورنال « للقول معلقة على نسبة التصويت بنعم المرتفعة..» عادة ما تكون النتائج التي تميل إلى اتجاه واحد، تسير في اتجاه تكريس الحكم الاستبدادي، لكن بالأخذ بعين الاعتبار نسبة المشاركة التي بلغت 70 بالمائة، ومع الأصوات المعارضة الداعية إلى المقاطعة، فإن النتيجة يمكن اعتبارها جيدة... وكما هو الأمر في جميع الحالات، فإن الأسئلة الكبرى المطروحة الآن أمام المغرب تتعلق بالكيفية التي سيتم بها تفعيل الدستور الجديد على أرض الواقع. فعلى الورق، تجعل هذه الوثيقة المغرب أكثر ديمقراطية « . ما خلصت إليه الصحافة الأمريكية في تشخيص وضعنا الداخلي هو ما جاء بوضوح أكبر في تقرير « هيومن رايتس ووتش « الصادر بداية هذا الأسبوع ، حيث إعتبرت المنظمة الأمريكية، بأن التعديلات الدستورية التي تم إقرارها في استفتاء 1 يوليو 2011، يمكن أن تطور بشكل كبير حقوق المغاربة، ولكن فقط إذا استخدمت السلطات هذه المبادئ الدستورية الجديدة لإصلاح القوانين ( المقصود بصفة خاصة قانون الصحافة والقانون الجنائي ) والممارسات القمعية، و يضيف التقرير بأن من بين الممارسات التي تحتاج إلى أن تتماشى مع الدستور هي طريقة تعامل الشرطة مع الاحتجاج السلمي. منذ يوم 20 فبراير حين بدأ المغاربة في التظاهر في الشوارع للمطالبة بإصلاحات سياسية كبيرة، مُتأثرين بحركات الاحتجاج التي اجتاحت العالم العربي، تعاملت الشرطة في عدة مناسبات بوحشية متطرفة مع هذه المظاهرات، فقد ضربوا المتظاهرين السلميين إلى درجة أن عشرات الحالات استدعت إسعافات طبية، مثل الغرز وعلاج الكسور وتوفي واحد على الأقل في المستشفى بعد تعرضه للضرب، على الرغم من أن سبب الوفاة لا يزال غير واضحاً، وعبرت سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش صراحة عن الزاوية التي تنظر منها إلى الوضعية في المغرب بقولها: «إن الاختبار الحقيقي لالتزام الحكومة المغربية بحقوق الإنسان هو في مدى احترامها لحقوق مواطنيها على مستوى الممارسة. «ليس كافيا اعتماد دستور يؤكد أنه لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص في أي ظرف، ثم السماح بعد ذلك للشرطة بضرب المتظاهرين السلميين بالهراوات»، للإشارة فتقرير « هيومن رايتس ووتش « جاء متزامنا مع تقرير آخر لها جاء فيه « إن هناك أدلة قوية على تورط إدارة بوش في التعذيب، بما يُلزم الرئيس باراك أوباما بالأمر بتحقيق جنائي في مزاعم الإساءة للمحتجزين، التي صرّح بها الرئيس السابق جورج دبليو بوش وغيره من كبار مسؤولي إدارته «. وقالت هيومن رايتس ووتش إن إدارة أوباما أخفقت في الوفاء بالتزامات الولاياتالمتحدة المترتبة على اتفاقية مناهضة التعذيب، بأن تحقق في أعمال التعذيب وغيرها من أشكال المعاملة السيئة للمحتجزين، وسبق لنفس المنظمة في أبريل الماضي أن أدانت منع سلسلة المتاجر الكبرى « ولمارت « الأمريكية العملاقة ..عمالها من حق التنظيم النقابي، كما طالبت بمراجعة القوانين الفيدرالية الأمريكية التي تسمح بتشغيل الأطفال أقل من 18 سنة في المزارع ... ما جاء في تقرير المنظمة الأمريكية حول المغرب يمكن اعتباره أمرا عاديا ومهما أن يصدر عن منظمة دولية ذائعة الصيت، خاصة عندما تقر هذه المنظمة بجودة النص الدستوري في ضمانات حقوق الإنسان، وما تطرحه المنظمة عن الممارسة يمكن إعتباره قاسما مشتركا مع عدد من الفاعلين داخل المغرب، فقد قلنا أكثر من مرة أن الإختبار الحقيقي هو في التنفيذ، ورغم أن حجم التهم الموجه للقوة العمومية المغربية لم يصل إلى حجم التهم الخطيرة التي وجهت للرئيس الأمريكي السابق جورج بوش والتي تستوجب من المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بحث الأمر ورفع مذكرة لإعتقال الرئيس الأمريكي السابق، فإننا نختلف مع المنظمة في مقاربتها للتعاطي الأمني المغربي مع الظاهرة الإحتجاجية التي تشهدها شوارع المملكة منذ سنوات وليس كما قالت المنظمة منذ 20 فبراير، فالإحتجاج السلمي له قواعد وضوابط قانونية ترتبط بالمشروعية أولا وبالشرعية ثانيا، وعندما تتدخل القوة العمومية فإن الأمر يكون ضروريا، أما طبيعة التدخل فهو ما أدناه أكثر من مرة بحيث ليس مقبولا أن يتم التجاوز في إستعمال شرعية العنف تحت أي مبرر، علما أن بعض الإحتجاجات وآخره ما يجري في المدن الفوسفاطية بنواحي خريبكة، أخذت منحى خطير جدا يمس بشرعية الدولة وينازعها في مشروعيتها، كما أنه بدأ يأخذ طابع العصيان المدني المفروض بالقوة من قبل مجموعات قد تكون مطالبها مشروعة لكن وسيلة التعبير عنها غير مشروع، فتعطيل قطاع إقتصادي حيوي وتوقيف خطوط السكة الحديدية وعزل مناطق بكاملها، لا يمكن أن يحسب في إطار التظاهر السلمي، لذا عندما تتدخل القوة العمومية فليس لنزع الشرعية عن المطالب، بل عن الوسائل التي يتم التعبير بها عنها، وهنا لا يختلف المغرب عن باقي الدول الديمقراطية وقد تابع الجميع كيف تدخلت قوات الأمن في كل من باريس، ولشبونة، ومدريد، وبرشلونة، وأثينا، ولندن..لفض إعتصامات ومسيرات تعرقل السير العام ومرافق حيوية في الدولة . المهم هو أن يحافظ المغرب على هدوئه، والتوقع بأن المسيرات ستستمر بنفس الأعداد المحدودة التي تقودها العدل والإحسان للتنفيس عن وضعيتها الداخلية، التي ستسير نحو مأزق تنظيمي قريب، وذلك بالنظر إلى تورط الجماعة في لعبة « التعري» التنظيمي التي جرتها إليها الدولة، وأوضحت الحجم الحقيقي للجماعة التي كانت توهم الجميع وخاصة الأجهزة الأمنية أنها تتوفر على إمتداد كبير، في حين تبين أن المقاربة العدمية للأوضاع في المغرب والبنية التنظيمية المحافظة، ودخول أجيال جديدة للجماعة، ساهما في ضعف الحماس وفي تقدير الذات مقارنة مع الماضي، خاصة في بلورة موقف واضح من النظام السياسي ومن هوية الجماعة وتدبيرها للقضايا السياسية، نستنتج من ذلك أن مسيرات العدل والإحسان ليست مسيرات مطلبية لفاعلين يحظون بالشرعية وفي إطار القانون..بل يتعلق الأمر بجماعة لا تتوفر على إعتراف قانوني وخارجة عن كل الضوابط القانونية وإجماع المغاربة حول طبيعة النظام السياسي المتمثل في الملكية، وبكل تأكيد فإن مسيرات تحريضية غير مرخص لها وتقوده جماعة محظورة، لا أعتقد أن هذا الأمر يمكن ان يسمح به في دولة ديمقراطية، عدا عن الطريقة التي ستواجهها بها القوات العمومية، وإذا أسقطنا الأمر على الحالة المغربية فإنه يتضح أن السلطات المغربية لا زالت تتعامل بالكثير من التسامح مع هذه الجماعة، ونتمنى أن تستمر في ذلك لكن ليس على حساب مشروعيتها وشرعيتها واحتكارها للعنف في الدولة.