سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان ينهي أشغاله بالمصادقة على الوثائق و انتخاب الأجهزة إجماع من كافة التنظيمات الحقوقية الوطنية على دور العصبة الريادي و التاريخي في الدفاع عن حقوق الإنسان
أنهت العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان أشغال مؤتمرها الوطني السادس المنعقد بالرباط أيام 8 و 9 و 10 يوليوز الجاري تحت شعار : مواطنة – عدالة – كرامة ، بالمصادقة على التقارير المنجزة من طرف اللجان الوظيفية المتفرعة عن اللجنة التحضيرية و المصادقة على التغييرات المحدثة في القانون الأساسي للعصبة و انتخاب الأخ محمد الزهاري رئيسا لها بالإجماع ، إلى جانب انتخاب أعضاء اللجنة المركزية من طرف أعضاء المجلس الوطني المنتخبين على صعيد الفروع و الجهات ، مع المصادقة أيضا على إحداث لجنة للحكماء تضم في عضويتها الإخوة : النقيب محمد بن عبد الهادي القباب و الأستاذ عبد القادر العلمي و الأستاذ عبد السلام العلمي و النقيب محمد الزرقتي العيادي و مولاي امحمد العراقي و محمد أبوعبد الله و محمد بنعمو ، إلى جانب انتخاب أعضاء المكتب المركزي للعصبة . فعلى مدى الأيام الثلاثة التي التأم خلالها المؤتمر و الذي عرف مشاركة مكثفة و فاعلة من طرف فروع العصبة التي تمثل كل التراب الوطني ، ناقش المؤتمرون جملة من قضايا الراهن الحقوقي ببلادنا في ضوء المستجدات السياسية العميقة التي باتت تعبر المشهد المغربي ، حيث شكل المؤتمر محطة نوعية للتداول في الوثائق المرفوعة إليه من طرف اللجنة التحضيرية للمؤتمر، و خصوصا وثيقة الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و البيئية ، و وثيقة الحريات العامة و وثيقة إصلاح القضاء و أوضاع السجون ، و وثيقة حقوق المهاجرين و اللاجئين و وثيقة حقوق المرأة و وثيقة حقوق الطفل. عرفت الجلسة الافتتاحية حضورا نوعيا لعدد من الوجوه السياسية و الحكومية و المدنية و الجمعوية البارزة ،لا سيما تلك المشتغلة في الحقل الحقوقي ببلادنا ، حيث تعاقبت كلمات الوفود المشاركة منوهة بالمسار النضالي الحافل الذي ميز تجربة العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان طيلة تاريخها الذي يمتد لأزيد من أربعة عقود ، كأول إطار حقوقي بالمغرب . و في هذا السياق ، قال ذ عبد القادر العلمي الرئيس السابق للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان أن أجهزة العصبة قررت أن يشكل هذا المؤتمر محطة تنظيمية بارزة يتم فيها الانكباب الفعلي على تشخيص الوضع التنظيمي للعصبة بهدف رسم خارطة طريق تسترشد بها قيادة العصبة الجديدة و المنتخبة حديثا في إطار مبادئها المؤسسة . و بعد أن ذكر بالتاريخ النضالي الحافل للعصبة المغربية لحقوق الإنسان كأول إطار حقوقي بالمغرب ، مشيدا بعطاء و تضحيات الرواد المؤسسين الأوائل و تضحياتهم الجسام في أحلك مراحل التاريخ المغربي المعاصر، و على رأسهم الأستاذ النقيب محمد بن عبد الهادي القباب ، الرئيس الشرفي للعصبة و رئيسها الأسبق ، نوه العلمي أن هذه الأخيرة تسجل باعتزاز كون المغرب بفضل وطنيين شرفاء و مخلصين لا بد أن يشق طريقه نحو انتقال ديمقراطي حقيقي ، كما جدد التزام العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان بالاستمرار في خطها النضالي على واجهة حقوق الإنسان و فاء للمؤسسين الأوائل و لتضحياتهم الجسام . وقال عبد القادر العلمي ، أن العصبة منذ أول نشأتها و هي تناضل على واجهتين ، الأولى تتجلى في التوعية بقيم و مبادئ حقوق الإنسان و العمل على تعميم ثقافتها ، أما الواجهة الثانية فتتمثل في التصدي للانتهاكات و فضحها و التنديد بها ، مع المطالبة بالكف عن كل التعسفات و الممارسات التي ترتكب خارج إطار القانون في خرق سافر للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان . و من جهته ، أعرب محمد الزهاري رئيس اللجنة التحضيرية و الرئيس المنتخب عن مدى الدينامية التي شهدتها مجمل المحطات التهييئية لهذا المؤتمر النوعي ، قائلا إن اللجنة التحضيرية عكفت على إعداد مشاريع وثائق للمؤتمر لعرضها على المؤتمرين تعميقا للنقاش بغية ترجمتها إلى توصيات للتنفيذ . و في معرض كلمته ، و بعد أن بلغ المؤتمرين المشاركين تحية عموم التنظيمات الحقوقية المغاربية العضو في التنسيقيات المغاربية لمنظمات حقوق الإنسان ، قال منسق التنسيقيات المغاربية عبد الحميد أمين إن المشترك الذي يجمع هذه الأخيرة مع العصبة يجعلها تقع ضمن حجر الرحى داخل الحركة الحقوقية المغاربية ، مذكرا بالسياق العام الذي ينعقد فيه هذا المؤتمر، و الذي يشهد أوضاعا استثنائية تعيشها معظم الدول المغاربية على كافة المستويات . و قالت السيدة مارو من لبنان أن التحدي الأكبر في هذه اللحظة العاصفة التي تجتازها الشعوب العربية الطامحة للديمقراطية و العدالة الاجتماعية هو بناء المواطن القادر على تحمل أعباء بناء التغيير ، مشددة على أن الأهم حاليا ليس هو شكل النظام السياسي بل هو البلوغ إلى تداول سلمي للسلطة مع نبذ العنف كخيار استراتيجي ناجح من شأنه أن يجنب هذه الشعوب كل أشكال الانحرافات . و من ناحيتها ، قالت ثريا بوعبيد ، رئيسة منظمة العفو الدولية بالمغرب إن الظروف التي ينعقد فيها هذا المؤتمر من شأنها أن تكون خير دافع للعمل الحقوقي لتطوير أدواته و إمكاناته دعما لإرادة الشعوب التواقة للحرية و الكرامة في احترام تام للمعايير الكونية لحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا . و بعد أن حيت رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان عاليا فعاليات المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان ، ثمنت خديجة الرياضي عاليا الدور الفاعل و المحوري الذي تلعبه العصبة بمعية كل مكونات الحركة الحقوقية المغربية تعزيزا لقيم حقوق الإنسان و ترسيخا للمواطنة الكاملة و العدالة الاجتماعية و المساواة في إطار دولة الحق و القانون ، مذكرة بالعمل النضالي المشترك الذي يجمع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان . و في معرض مداخلته ، شدد أبو بكر لارغو ، باسم المنظمة المغربية لحقوق الإنسان على أهمية العمل المشترك الذي بات سمة تميز العمل الحقوقي ببلادنا و الذي من شأنه الإسهام في بناء المغرب الجديد الذي يطمح إليه أبناءه على قاعدة المساواة و الكرامة و المواطنة و العدالة الاجتماعية كما نوه مصطفى المانوزي بالعمل المشترك الذي يجمع المنتدى بالعصبة إلى جانب كل الإطارات الحقوقية ، و هو العمل الذي أثمر عدة خطوات ملموسة كان لها الانعكاس الإيجابي على العمل الحقوقي ببلادنا . العصبة تنهي أشغالها بانتخاب أعضاء مكتبها المركزي و محمد الزهاري رئيسا لها بالإجماع بعد التداول في مختلف الوثائق و التقارير المعروضة على أنظار المؤتمرين ، و إثر الانتهاء من انتخاب الأجهزة الوطنية المقررة ، تم انتخاب الأخ محمد الزهاري رئيسا للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان ، كما تم انتخاب باقي أعضاء المكتب المركزي للعصبة وهم الأساتذة : توفيق القباب ، الحسن فلاح ، مصطفى بلعوني ، عبد السلام الشعباوي ، عبد الغني الحلو ، عبد الرزاق بوغنبور ، عبد الرحمان نداء ، خالد الطرابلسي ، عبد الحفيظ أدمينو ، عبد العزيز التوناسي ، محمد اسحيمد ، رشيد كنزي ، حاتم بكار ، محمد الكيحل ، أمينة حلمي ، نادية قصاوي ، ليلى الشراح ، محمد طارق حيون ، محمد الخالدي ، جمال الدين البوزيدي ، حسن الخالدي ، حسن علوط ، فؤاد مسرة . كلمة الأستاذ النقيب محمد بن عبد الهادي القباب الكرامة وحرمة الجسد والعقل الإنساني هي إحدى الأصول الكبرى لمنظومة حقوق الإنسان أحييكم تحية أخوية صادقة، وأحيي من خلالكم شعار المؤتمر السادس للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان «عدالة، كرامة، مواطنة». العدالة في مفهوم الفقه فضيلة يتصف بها الإنسان في نفسه من غير أن يعطي نفسه من المنافع أكثر وغيره أقل، أو أن يعطي نفسه أقل وغيره أكثر، وذلك لكي يستعمل المساواة التي تعني التناسب بين الأشياء. فالعدالة القانونية أن يكون القانون واحدا، فالجميع يجب أن يخضع للقانون الواحد وأن يكون تطبيقه ملاحظ فيه المساواة في الحكم، فلا تفاضل بين الناس في تطبيق القانون، لأن التفاضل لا يكون في مخالفة القانون وإنما يكون بالفضائل. وأصدق قولة تصور هذا المعنى قولة الزعيم سعد زغلول «إننا نفاضل بيننا ولكننا أمام القانون سواء». والعدالة الاجتماعية معناها تمكين كل ذي قوي أن يعمل بمقدار طاقاته، بحيث تهييء الفرص المناسبة لكي تظهر كل القوى وتوضع كل قوة في مرتبتها. وهي أيضا أن توجد الكفالة للعاجزين عن العمل، كي يعيشوا وينالوا حظهم في الحياة، ليكونوا قوة في الجماعة. وتهييء كذلك لكل من لا يجد أسباب العيش، المسكن المناسب واللباس المناسب والغذاء الذي يدفع الحاجة والجوع. وهكذا، فالعدالة تقتضي أن يكون الفرد مطمئنا على مقومات حياته في ظل القانون، وأمام قضاء مستقل ونزيه يضمن شروط المحاكمة العادلة. وتقتضي بالنسبة للمجتمع أن ينعم بالعيش الكريم في ظل المساواة وتكافؤ الفرص وكل وسائل العيش المقبولة. فلا تحضر للإنسان مهما بلغ، إلا بالاستقرار والاطمئنان القائمين على العدل والمساواة، فلا عدل بدون مساواة ولا مساواة بدون عدل، فبقاء الدول والشعوب وسيرورتهما واستمرار وجودهما، كل ذلك رهين بوجود العدالة. لقد سئل عابد زاهد، كم تبقى هذه الدولة فينا؟ فأجاب «تبقى وتقوم، ما دام بساط العدل والإنصاف مبسوط في هذا الديوان». والكرامة، تقتضي أن يصان الإنسان في ذاته وفكره وإرادته وطريقة عيشه، فهو الكائن الذي استخلفه الله عنه في هذه الأرض لعمارتها وتدبير شؤونها والسعي نحو ازدهار وسعادة ساكنتها. ومن ثم، فالإسلام وهو يقر للإنسان بكل حقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، إلا أنه اختزل هذه الحقوق جميعها في الكرامة، إذ قال تعالى «ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر و البحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا». فحبى الله الإنسان بهذا التكريم، وساوى بهذا التكريم بين جميع البشر بصفتهم الإنسانية، مهما اختلفت ألوانهم ومواطنهم وأنسابهم، كما ساوى في ذلك بين الرجال والنساء. على أن الكرامة وحرمة الجسد والعقل الإنساني هي إحدى الأصول الكبرى لمنظومة حقوق الإنسان، بل إنها تشكل أيضا مصدرا مباشرا لحقوق أخرى أقرتها المنظومة الدولية لحقوق الإنسان، إذ ينبثق عن هذا الحق مباشرة حق كل شخص في أن يتم الاعتراف به كشخص أمام القانون بصورة مستقلة عن غيره، أي أن يكون له مركز قانوني ثابت وغير متعلق بغيره. وهذا ما يفيد كونه قابلا للتمتع مباشرة بالحقوق وملزما بتأدية ما عليه من مسؤوليات والتزامات. إن الإقرار بوجود حرمة أو قداسة الجسد أو العقل الإنساني، يترتب مباشرة عن الحق في الكرامة وفي الحياة، وبالتالي يعد مصدرا لطائفة أخرى من الحقوق التي ينص عليها القانون الدولي الإنساني، ومن أهم هذه الحقوق حظر التعذيب والعقوبات غير الإنسانية والحاطة بالكرامة وتجريم العقوبات البدنية. أما المواطنة، فهي شعار من الوطن. ومفهوم الوطن لدى الزعيم علال الفاسي رحمه الله «ليس الأرض وحدها، ولكنه الأرض وما فوقها وما يعيش فيها من شعب وعقيدة ومن شرائع ومناهج للحياة، إنها المجموع الذي يكون النموذج الذاتي للوطن والذي يخلق المواطن على صورته». والمواطنة هي وعي المواطن للمفهوم الحقيقي للوطن، وإيمانه بعقيدته وهويته، والدفاع عن حوزته وحدوده، وهي المساهمة الفاعلة للمواطن بما يملكه من قدرات ويتمتع به من حريات على الإسهام في تقدم وطنه وازدهاره وضمان الحياة الكريمة لمواطنيه، والقدرة على إحداث التحولات المطلوبة فيه. ومجتمع المواطنة هو مجتمع الديمقراطية ومجتمع دولة الحق والقانون، وهذه الأخيرة هي دولة الديمقراطية باعتبارها الطريق الوحيدة للتحولات الاجتماعية العميقة، في اتجاه رفاهة المواطن وحصانته في ذاته وفكره وإرادته وكرامته، وإتاحة الفرصة له ليعيش المواطنة الحقيقية، والتي تسهم في تجاوز المجتمع العضوي إلى المجتمع المدني، وتجاوز الحق المطلق إلى حقوق الإنسان. إن الرهان من أجل مستقبل أفضل بالنسبة لكل شعوب العالم المتحضر هو الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، باعتبار ذلك كله هو الخطوة الأساس في الاتجاه الصحيح لأي إصلاح. إنه بدون تغيير الإنسان حاكما ومحكوما، وتطوير مجتمعه عبر قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، تظل كل هذه القيم مجرد شعارات دون واقع على الأرض، ومشروعات بدون إنجاز. وإن تصالح الإنسان مع الديمقراطية، يعني أن تصبح جزءا من حياته اليومية، وجزءا من قناعته الفكرية وتصوراته الثقافية ، مما يؤسس لمبدأ المشاركة والمراقبة والتداول واحترام الآخر والإنصات لجميع الأفكار والقناعات. إن ما نحن في حاجة ماسة إليه، وخاصة بعد نجاح الدستور الجديد، هو إعمال الديمقراطية لفرز مؤسسات تمثيلية حقيقية تجسد الخريطة السياسية والواقعية للبلاد، باعتبار ذلك هو التغيير الشامل المطلوب سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، والذي من أثره أن يجعل المجتمع المغربي قادرا على خلق الدولة الحديثة والمجتمع الحداثي. إخواني أخواتي، أعضاء المكتب المركزي للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، لا يسعني إلا أن أهنئكم من الأعماق على جهودكم المثمرة ونضالاتكم الحية وأنشطتكم المفيدة ومبادراتكم القيمة، وليس ذلك بغريب، فستظل العصبة بجهود مناضلييها منذ تأسيسها إلى الآن، قوية صامدة مجاهدة، من أجل الإنسان ومن أجل حقوقه وحرياته الأساسية. إن العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان لتحظى بتقدير واحترام المجتمع المغربي لها، وليس من سبب لهذا التقدير والاحترام، سوى تمسكنا بمبادئنا ومواقفنا وطروحاتنا، لعلاج مشاكل بلادنا الداخلية والخارجية. وإن هذا ليقوي عزمنا على المضي في نفس المسار، محافظين على مرجعية عصبتنا وعلى جماهيريتها، وعلى استمرار نضالنا من أجل حقوق الإنسان في شموليتها وعموميتها. والله المستعان والسلام عليكم.