يستمر الروائي والقاص المغربي أحمد المديني وبدون كلل، في مفاجأة القارئ المتتبع لأعماله الروائية والقصصية، بنصوص إبداعية جديدة ومتميزة، تنم عن اختمار تجربته الإبداعية، ورسوها الهادئ على شكل في الكتابة يزاوج بحذق بين أسئلة الكتابة من جهة، وقوة الحكاية وغرابتها وطرافة عوالمها من جهة ثانية.(لابأس من التذكير في هذا الصدد بأن مجموعته القصصية الأولى»العنف في الدماغ»،منشورات أطلنط، الدارالبيضاء،1971، وبإجماع الدارسين، مثلت المشروع الأول للتجريب القصصي في الأدب المغربي، صنو تجارب رائدة كانت قد انطلقت في المشرق العربي.)؛ وقد شكلت بهذا الخصوص مجموعته القصصية «خريف.. وقصص أخرى»(الفائزة بجائزة المغرب للكتاب، 2010، صنف السرديات) منعطفا بارزا في مساره القصصي المديد (إلى جانب مساريه الروائي،والبحثي الأكاديمي)، أظهر طموحه إلى استيعاب خبرته الطويلة مع تجريب الأشكال واستحداث الأساليب والاشتغال القلق على اللغة ضمن تجربة قصصية مختلفة أكثر استقرارا، وأكثر توقا إلى الانغمار في الدون الهادئ للنص» الكلاسيكي»، ذاك الذي يصل قوة الكتابة وسلاستها بمتعة الحكاية،وبعمق الأسئلة المتصلة بالحياة والوجود. وقد تأكد هذا المنعطف مع مجموعته القصصية الأخيرة «عند بوطاقية»،التي تميزت،من جهتها،بتعدد عوالمها المحكية المستوحاة من المعيش المغربي والمعيش الأجنبي، وبطرافة وقائعها، وغرابة شخوصها، وكذا بكتابتها المرحة التي تبدي «الواقع» مصدرا للطرافة والمآزق والورطات؛ فضلا عن كونها كتابة تنتبه إلى فعلها وإلى الإشكالات التي تولدها حين تنفتح على «خارجها»، خاصة حين ينتسب هذا «الخارج» إلى أفق له خصوصياته المغايرة، لغويا وثقافيا واجتماعيا، نعني به أفق «الهامش الشعبي». سنحاول في قراءتنا لمتوالية قصصية، تضمنتها مجموعة «عند بوطاقية» إثارة إشكال يهم علاقة الكتابة الأدبية، والقصصية حصرا بالصورة، صورة الشخصية القصصية (المغربية)، وكذا صورة كاتبها، وعبره صورة الكتابة. إذ سنعمل على إبراز مظهر من المظاهر المختلفة والمتعددة لهذه العلاقة،بغاية الإشارة إلى أن الكتابة الأدبية/ القصصية لا تشيد، إن هي شيدت، صورا قارة، ولا ترسم لها، إن هي رسمت، ملامح ثابتة ونهائية.