لم يغادر د.س. ك (دومينيك ستراوس كاهن) خالي الوفاض من صندوق النقد الدولي بعد استقالته من إدارته العامة على خلفية القضية المعلقة به بتهمة الإعتداء الجنسي. فرغم الإستقالة استحق تعويضا مجزيا لنهاية الخدمة بمبلغ يفوق 300 ألف دولار وربما وصل إلى 350 ألف دولار. وفي ما عدا الضرر المعنوي الذي أصابه ، وحرمانه النهائي من منصب رئيس الجمهورية الفرنسية الذي كان الأوفر حظا في الحصول عليه بعد سنة من الآن، فإن د. س. ك سيضطر لدفع مبالغ ضخمة ، وعدا المليون دولار التي تم دفعها كوديعة وضمان لإطلاق سراحه وهي قابلة للإسترجاع بعد صدور حكم نهائي مهما كان بشأنه، إلا إذا حكم عليه بدفع غرامات لضحية ما يعتبر اعتداء جنسيا من طرفه على الغينية نفساتو، فإنه اضطر لتأجير شقة في نيويورك بمبلغ 14 ألف دولار شهريا، إضافة إلى السوار الحارس بمبلغ 17 دولارا في اليوم والحارس المكلف به والذي لا يقل أجره على ما قيل عن ألف دولار يوميا. وبذلك وإذا استمرت القضية عامين لجلاء مختلف أطوارها و مراحلها، فإن كلفة إقامته الجبرية في شقته الفاخرة سترتفع إلى 380 ألف دولار أي أكثر من قيمة مبلغ التعويض لإنهاء الخدمة في صندوق النقد الدولي. غير أن كل ذلك لا يعد شيئا باعتبار ثروته الشخصية وثروة زوجته ( المولودة في أمريكا وبالتالي المتمتعة بالجنسية الأمريكية)،و المذيعة الأشهر في فرنسا التي اعتزلت العمل الصحفي لتتفرغ لزوجها منذ حوالي 12 سنة في محاولة لدفع د.س.ك لمنصب رئاسة الجمهورية وكان واعدا بذلك، باعتبار شخصيته الآسرة. أما الخسارة الكبرى فتتمثل في أن الرجل قد انهارت كل أحلامه دفعة واحدة، تحت وطأة مغامرة جنسية قد تكون حدثت أو لم تحدث، فلم يعد ممكنا أن يحلم حتى مجرد حلم بالرئاسة الفرنسية حتى ولو تمت تبرئته في هذه القضية وأطلق سراحه. فقد كان انطلاق قضية المغامرة مع نفساتو مناسبة لنشر كل الغسيل الوسخ للرجل المبهر في عالم السياسة الفرنسية، الذي استطاع وهو اليساري أن يكون في نفس الوقت ،على يمين الإشتراكيين مؤمنا ومدافعا عن اقتصاد السوق فانحازت إليه قوى اليسار المعتدل، بالإضافة إلى كل أنصار الحزب الإشتراكي وكذلك عدد كبير من الليبراليين المتنورين ،لكن الأكيد أن د.س. ك كان زير نساء وتعرض خلال حياته لعدد من الفضائح الجنسية التي كان في غنى عنها لو تشبث بما قاله أحد الكتاب ؛أي أن رجل السياسة عليه أن يحذر من أمرين أولهما إغراء المال وثانيهما إغراء الجنس. ومما زاد الطين بلة تلك المعاملة المخلة بالكرامة التي عومل بها أثناء إيقافه وكأنه أمام عملية هدم مقصودة لشخص في مثل مكانته كان لحد أسبوعين يعتبر أقوى رجل في العالم بعد الرئيس الأمريكي أوباما. وإذا كانت العدالة الأمريكية تسير على هذا المثال دوما، ورغم الديمقراطية الأمريكية المشهود لها عالميا، فتبا هي عدالة، لا تحترم الإنسان عموما، ولا تحترم حتى مبدأ أن الإنسان بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة عادلة تتوفر له فيها كل ضمانات التقاضي الشفاف والمنصف. وقد يكون د .س. ك مذنبا ولكنه أدين قبل الأوان وقضي عليه قضاء مبرما مهما كانت نتيجة المحاكمة التي سيخضع لها. *كاتب صحفي رئيس التحرير السابق لصحيفة الصباح التونسية