لقد أحدثت هبة الشباب الثائر، التي أعقبت أحداث تونس وما تلاها، تغييرا عميقا في وعي الشعوب، على اختلاف درجات سلمها الثقافي والاجتماعي، أفرز رغبة ملحة في الانتقال انتقالا جريئا وسريعا نحو توطيد أساليب الحكم الديمقراطي الحق، وتحقيق التكافؤ والمساواة بين الجميع، وأصبح رأي الشباب بكل أطيافه في الطليعة من خلال الوقفات والتعابير التي أصبح يرددها صباح مساء، ودون خوف أو وجل، ولو أن تموجاته وشطحاته التي أظهرت رغباته، ترقى في بعضها حصافة وعمقا وقدرة على امتلاك مفاتيح إصلاح الخلل الناجم عن تراكمات من الارتجال والتهور والشطط في استعمال السلطة، وآراء أخرى تهبط هبوطا ذريعا في التصور والمطالب وقد تكون صادمة ، مما يعبر عن قصور يستمد خيلاءه من حماس زائد غير مبرر نتيجة انعدام التجربة وقلة المعرفة وعدم بلوغ النضج. هذه الثورة تزعمها عن جدارة واستحقاق العالم الافتراضي عبر الشبكة العنكبوتية، فأحدث رجة مزلزلة في التصور والتخاطب والتحكم والتحكيم ، ولم يعد أي عائق يقف أمام الخاطرة الواحدة، وباتت الفكرة والمعلومة، أيا كان مصدرها أو غايتها، ملكا مشاعا مهما كانت قيمتها أو مركز صاحبها، وغدت، بمجرد تدوينها، تجوب العالم تنشر مرادها ومبتغاها، وقد تتحكم في العواطف بتليين أو استمالة، أو بتشنج وانتقاد، أو بلامبالاة، وفتحت متاهات في الجدل والرأي والرأي الآخر. إن هذا العالم الافتراضي يعتبر ثورة على الإنسان في حد ذاته، حيث أصاب منه المفصل، فهل سيتحكم في مصيره ويأخذ بزمامه مستغلا انجذابه له وإعجابه به، حيث خوله سلطة فوق كل السلط، وجعله ينصب نفسه حاكما وحكما في نفس الوقت ؟ أم أن الإنسان سيعرف كيف يتعامل معه كي يحدث التغيير المنشود دون طمس معالم الصور الجميلة التي تحدثها الكلمة والحركة كلما تعانقتا من أجل المصالحة في أزمنة وأمكنة متعاقبة. إنه واقع مخيف من حيث سرعة حدوثه خاصة على شعوب مازالت تئن من الأمية والجهل والتشبث بالتقاليد الواهية، وما زالت تمتثل للتعليمات وتخضع لوصاية أسرية أو تعليمية أو تنظيمية، وبينها وبين العالم الافتراضي كم من السنوات الضوئية.