قبل البدء: في بلد ديموقراطي مثل ما نريد أن نكون، لا يتصور أن يقع التحقيق مع صحافي في حالة اعتقال، مثل ما وقع مع نيني. ولكن قضي الأمر، و ها هي حالة تلبس تؤكد أن الطبع يغلب التطبع. التدابير الإستثنائية التي يتخذها أصحاب القرار هذه الأيام ما كنا في حاجة إليها لو كانت أوضاعنا طبيعية. من تلك التدابير قرارات 27/4 الاجتماعية التي جاءت لجبر حالة توتر مع النقابات المهنية تراكمت عواملها بسبب التماطل استمر عدة سنوات في تطبيق اتفاقات ووعود، والانخراط في حوار جدي مثل ما حدث الآن. وقبل ذلك بأيام صدرت قرارات عفو بتاريخ 14/4 ما كانت الحاجة تدعو إليها لو كانت هناك محاكمة عادلة وتطبيق سليم للمساطر القانونية. ففي حالة عادية يكون الحوار هو القاعدة، ويكون هناك تطبيق سليم للمساطر المنظمة لسير المؤسسات، و تكون هناك هيئات نابعة من صناديق اقتراع شفافة (ليس فقط من حيث أنها صنعت في إسبانيا من زجاج). الحالة العادية هي أن يخرج الناس للتظاهر بكيفية سلمية، وألا تتصدى لهم قوات الأمن إلا في حالة الضرورة، كما يحدث فعلا في العديد من المدن والقرى، منذ ثلاثة شهور، مما يجعل المتظاهرين المغاربة وحدهم في العالم العربي وإفريقيا ينفردون بأنهم، مثل الأوربيين والأميركيين، والبلاد المتحضرة مثل اليابان وماليزيا، يخرجون إلى الشارع يحملون لافتات ويعودون هم و أطفالهم إلى بيوتهم آمنين. وحينما يرفعون صوتهم بالشعارات يقتصرون على تذكير الحكومة بأنها يجب أن تسمع لهم وتتصرف بكيفية متحضرة، كما أخذت تفعل منذ فبراير. والدرس الذي ينبغي استخلاصه هو أن الحالة العادية تقتضي أن تكون الحكومة حكومة، والبرلمان برلمانا، وحق المساءلة مكفولا، وأن يكف أصحاب القرار عن تكليف بعض الحواة ليقدموا خزعبلات لإلهاء الجمهور، وتفويت الفرص لبناء مغرب ديموقراطي حقا وحداثي حقا بلا حاجة إلى مساحيق وديكورات من كرتون مزخرف. في الحالة العادية يتم اتخاذ القرارات بلا تسرع، لأن المسائل المطروحة تشبع بحثا طيلة الوقت الضروري، ومهما طال أمد الدرس يخلص إلى التنفيذ فورا، دون تلكؤ. إن المسائل التي تهم الناس تدرس عادة في المؤسسات المؤهلة لذلك، حيث تدرس بهدوء، ولا تكون هناك حاجة إلى طرحها بواسطة الميغافون في الساحات العمومية بالصراخ. وبالتالي فلا تكون هناك حاجة إلى تدابير استثنائية. وما يتم في هذه الأيام، ومنذ ثلاثة شهور، من تصفية للمعلقات في جدول الأعمال، في أفق المراجعة الأعظم التي ستتم حينما يتم التوافق حول الصيغة التي سنصوت عليها في الاستفتاء الدستوري، هو شيء مشرف. وأيضا مبشر بأننا سنستقبل نحن والمصريون والتونسيون العام المقبل بدساتير سوية تجعلنا في مصاف شركائنا الأوربيين، الذين نخوض معهم في حوار سياسي يستهدف التثبت من أن المعايير والمفاهيم النافذة المفعول هي تلك المعمول بها كونيا. 1 مايو 2011