أعتقد أن شعور كثير من الناس سيتغير بفعل ما يشاهدونه صباح مساء عبر ما تبثه الفضائيات، وهي تظهر وجها آخر للشعوب العربية، لم يكن مألوفا من قبل. ولعل كثيرا من النفوس ستغير إحساسها السابق حيث كانت تقفز إلى الأعالي أو تحلق في أجواء حالمة كلما طلع محيا بعض الشخصيات من كبار المسؤولين، والتي يقال عنها بأنها مرموقة وذات شأن، عبر شاشات التلفزة وهي تنقل للمشاهد أنماطا من حياتهم في الداخل والخارج . ما يفعله الغالبية من الناس في الظروف الراهنة هو تعرية واقع فرض نفسه بإلحاح. إنه مقارنة بين حياة بعض هؤلاء المسؤولين، وهم يعيشون في أبراجهم العاجية، وبين حشود من المواطنين يعايشون هموم الساحة، يتعاركون مع المشاكل صباح مساء، ولا ينالون سوى الفتات. ما يفعله الناس هو مقارنة سنوات عمل بأخرى؛ أناس قادهم الحظ لينسوا هموم وبؤس من حولهم، سنوات تُدَلِّل صاحبها، تدغدغ أحلامه وأمانيه، وتدفع عنه قيظ الحر وقر الشتاء، وأخرى تحمل لأصحابها الرشح والسعال ولسع الحشرات. سيقول قائل إن من جد وجد ومن زرع حصد. نعم، ولكن أين عالم من تربوا على هذه الحكمة الجليلة؟ ومن اجتهدوا وأخلصوا ونصحوا؟، أين عالم من يعملون بالحكمة والموعظة الحسنة ويجادلون بالتي هي أحسن؟، أين عالم الحق والعدل والرخاء والطمأنينة والسلام؟. نعم، لو كان سكان هذه العوالم الثائرة الآن بهذه الصفات لم يرتع فقر مدقع، ولا تطاول شطط، ولا سيطر احتكار، ولا أبعد مُجد وعوض بخامل انتهازي، أو تربعت على كراسي المسؤولية أجساد محمومة تنتابها الهلوسة ولا يستقيم لها قول. ومع ذلك فكثير من الناس سيشعرون بسعادة عارمة لأنهم لم يتقلدوا وزر سياسة أتت على الأخضر واليابس، ولم تحضر مؤتمرات بليت كراسيها وجف مداد أقلامها وتبعثرت أوراقها في الكواليس، وحيث ترتفع فاتورة كل شيء ما عدا النتائج. كثير من الناس سعداء لأنهم لن يُسألوا عن ذنب ارتكبوه في حق غيرهم، أو مالٍ عام أهدروه، أو حكم جائر أدانوا به أبرياء، ولم يحملوا معاول أتت على كل جميل، أو كسرت مجاذيف سفن ليبتلعها اليم. ومع ذلك فقد كان ولا يزال بود كثير من الناس أن يساهموا في صنع التاريخ، وأن يذكوا حماس شعوبهم، ويرفعوا راية التحدي أمام كل المعوقات، ويمهدوا الطريق بدورهم للأجيال اللاحقة لأنها سنة الكون.