بين النقاش الهام حول الإصلاحات الدستورية والسياسية، والمطالب التي تعبر عنها فئات مختلفة من المواطنات والمواطنين بطرق مختلفة خيط رفيع ، إذ بقطع النظر عن بعض المواقف الشاذة التي تحاول الدفع في اتجاه تحقيق نوع من العصيان، لتحقيق أحلام ماضوية لم يكتب لها النجاح داخل هذا الوطن العزيز ، قلنا بغض النظر عن ما يمكن أن نسميهم بالسوداويين، اعتبارا لكونهم لا يرون من الواقع إلا السواد ، لأنهم مسكونون بثقافة التيئيس الحقيقية التي تجعل بيت الشاعر إيليا أبو ماضي ينطبق على هذه العينة وهو يقول : إن شر النفوس نفس يؤوس يتمنى، قبل الرحيل، الرحيلا ويرى الشوك في الورود ويعمى إن يرى فوقها الندى إكليلا هو عبء، على الحياة، ثقيل من يرى، في الحياة، عبئًا ثقيلا بغض النظر عن أولئك، فإن بقية المطالب تشكل مطالب ظلت القوى الحية بالبلاد وعلى رأسها حزب الاستقلال تجعل منها مطالب جوهرية وأساسية في كل المعارك بدءا من مواجهة التزوير وتزييف الإرادة الشعبية، إلى الامتيازات الخيالية واستغلال النفوذ، إلى نهب المال العام، إلى إطلاق العنان لفساد أخلاقي خطير يهدد قيم مجتمعنا وفئاته وفي قدمتها الشباب ، إلى محاربة اقتصاد الريع وما يشكله من آثار سلبية مؤثرة على الاقتصاد الوطني الخ.. إنها مطالب ليست جديدة في مضمونها، وقد يكون الجديد فيها هو شكل التعبير عنها في ظل ظرفية عامة يعيشها العالم العربي بكل تناقضاتها، وأدوار القوى العظمى المتحكمة في خيوطها المختفية . وإذا كنا نؤمن بشرعية المطالب المؤدية لتأهيل البلاد نحو الأفضل كمحاربة الفساد بكل ألوانه، باعتبار هذه المطالب امتدادا لنضالاتنا عبر المحطات الأساسية التي صنعت تحولات مهمة في مسار بلادنا، فإن ذلك لا يعني أننا متفقون على مضامين أخرى هي أقرب إلى زعزعة استقرار البلاد من الدفاع عن مصالحها العليا ووحدتها الوطنية أرضا وهوية وعقيدة ، كما لا يعني ذلك أننا سنقبل بتبخيس العمل السياسي للقوى المؤثرة والحية في البلاد وفي مقدمتها حزب الاستقلال، الذي يقود حكومة أفرزتها صناديق الاقتراع، وفرضتها المنهجية الديمقراطية، وتتوفر على برنامج تعاقدي واضح المعالم، وحققت نتائج مهمة وانجازات غير مسبوقة بمنطق الحقائق على الأرض، والمقارنات الموضوعية في كل المجالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، والتي أبرز الكثير منها تقرير الحصيلة الذي قدمه الأستاذ عباس الفاسي أمام البرلمان، وإذا كان من مؤاخذة على الحكومة فلن تكون متعلقة إلا بعدم تسويقها بالشكل الضروري والكافي لما أنجزته من أشياء مهمة. الأكيد أن بلدنا أمامها طريق شاقة لاستدراك نزيف دام أكثر من أربعين سنة لم تكن فيه الدولة وحدها مسؤولة عن واقع مر، وإنما كان لأطراف كثيرة مسؤولية فيما حدث في مراحل سوداء من تاريخ بلادنا وإن بدرجات متفاوتة، بلادنا اليوم تحتاج إلى قراءة ذاتها بهدوء، والاستفادة من التجارب السابقة، وتجاوز منطق العنتريات من هذا الطرف أو ذاك، فالسلوك الحضاري الحقيقي والوحيد كطريق لتأهيل البلاد هو أن نعمل فكر المنطق والموضوعية، وأن نقول الحقيقة كما هي للشعب لنجعله يدرك المناطق المظلمة ويساهم في القضاء عليها، والمناطق المشرقة فيكون سندا لتطويرها وتجويدها وتمنيعها، وليساهم عن معرفة كاملة وهو يرسخ مفهوم القرار الشعبي الذي يجعل من صناديق الاقتراع أداة للعقاب أو التزكية. الحقيقة وحدها ستجعل الشعب يستعيد الثقة في ذاته، ومؤسساته، وهيآت وطنه ومكوناتها، فالشعب يريد معرفة الحقيقة، ولا يريد من يشوه الحقيقة. [email protected]