قلّل نشطاء سوريون من شأن قرارات مجلس الوزراء برفع حالة الطوارئ ، وإلغاء محكمة أمن الدولة ، وتنظيم التظاهر، واعتبروا أن هذا الإعلان مجرد كلام، وتوقعوا استمرار الاحتجاجات التي لم تتوقف في بعض المدن. كما طالبوا بحقن الدماء والتنفيذ الفوري للقرارات. وقال أحد النشطاء إن الحكومة ليست بحاجة إلى إصدار قرار برفع حالة الطوارئ، لأن الرئيس بشار الأسد نفسه كان يمكنه أن يرفع حالة الطوارئ على الفور. ومن جهته ، قال هيثم المالح، وهو قاض سابق عمره 80 عاما، «هذا الإعلان مجرد كلام، الاحتجاجات لن تتوقف حتى تلبى كل المطالب أو يرحل النظام». أما المجلس السوري الأميركي -الذي يضم المغتربين السوريين في الولاياتالمتحدة بمختلف أطيافهم- فقد دعا القيادة السورية إلى حقن الدماء والتطبيق الفوري والكامل لقرار رفع حالة الطوارئ الذي أقرته الحكومة. وندد المجلس ، في بيان له، بلجوء الأجهزة الأمنية في سوريا إلى «العنف المفرط ضد الشعب السوري الأعزل في مسيراته». وأعرب عن وقوفه مع الشعب السوري في «مطالبه العادلة», ودعا إلى ضمان حق التظاهر السلمي للمواطنين. كما دعا إلى إطلاق كل السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي وعدم اعتقالهم مستقبلا. وطالب المجلس بإعادة هيكلة الأجهزة الأمنية بما يضمن الحفاظ على حقوق المواطنين الدستورية. وتعديل الدستور بما يحدد فترة زمنية للرئاسة لا يحق للرئيس أن يرشح نفسه بعدها، وإلغاء المادة الثامنة من الدستور وإطلاق حرية تنظيم الأحزاب وحرية التعبير. وبعد ساعات من قرار رفع حالة الطوارئ، قال مدافعون عن حقوق الإنسان إن الشرطة السورية اعتقلت الناشط اليساري محمود عيسى قرب منتصف الليل في منزله بمدينة حمص. وكان المرصد السوري لحقوق الإنسان قد رحب بالإعلان عن رفع حالة الطوارئ ، وإلغاء محكمة أمن الدولة العليا في سوريا، واعتبر أن الخطوة كانت منتظرة منذ فترة طويلة. وطالب مدير المرصد -ومقره بريطانيا- رامي عبد الرحمن بإلغاء كل القوانين الاستثنائية، مثل القانون الذي يمنح الحصانة لرجال الأمن ويمنع محاكمتهم، والتوقف عن محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية. لكنه شدد في تصريح نقلته وكالة يونايتد برس إنترناشونال على أن المرصد سيراقب في الأيام المقبلة سلوك الأجهزة الأمنية التي يمنعها القانون الآن من تنفيذ حملات الاعتقالات العشوائية بعد رفع حالة الطوارئ. وأشار عبد الرحمن إلى أن الاتهامات التي وجهت إلى متظاهرين بمدينتي بانياس وحمص تجعل المرصد يتوخى الحذر من أن قانون مكافحة الإرهاب المرتقب الذي سيحل محل قانون الطوارئ ربما يمنح الأجهزة الأمنية صلاحية الاعتقال بدواعي حماية الأمن القومي ومكافحة الإرهاب. وكان المرصد يشير بذلك إلى بيان لوزارة الداخلية اتهم من أسماهم مجموعات سلفية بتنظيم تمرد مسلح، خاصة في حمص وبانياس. وتداولت صفحات نشطاء على الإنترنت بيانا سمي البيان رقم واحد من الشعب السوري الحر الأبي ردا على بيان الداخلية، جدد التأكيد على أن «ثورته سلمية تطلب حقا مشروعا في الحرية والكرامة وبدولة مدنية ديمقراطية يسود فيها العدل والقانون المساواة لجميع أفراد الشعب السوري ولجميع طوائفه». وقال البيان «إن الشعب السوري يرفض كل المحاولات التي تسعى لنشر الطائفية، كما ينفي أن تكون لثورته أي ارتباطات خارجية، ويؤكد أنه سيبقى جسدا واحدا ينتمي إلى الوطن ويسعى إلى رفعته وحفظه». وكانت وزارة الداخلية قد دعت ، في وقت سابق ، المواطنين إلى عدم الاشتراك في مسيرات أو اعتصامات أو مظاهرات تحت أي عنوان كان، وفق ما ورد في بيان رسمي، وحذر من أن السلطات ستطبق القوانين المرعية في البلاد لحفظ أمن واستقرار الوطن. وبعد إعلان الحكومة عن إقرار قانون لإنهاء الطوارئ، اعتصم مئات السوريين في أكثر من مدينة بينها جبلة وهتفوا بشعارات مناوئة للنظام. في غضون ذلك ، وصف حقوقيون وشهود من حمص المدينة بأنها مغلقة بالكامل، وتحولت ل»مدينة أشباح»، حيث بقي السكان داخل منازلهم وخلت الشوارع بعد إطلاق قوات الأمن الرصاص على معتصمين في ساحة الساعة الجديدة وسط المدينة، مما أسفر عن سقوط أربعة قتلى على الأقل إضافة للجرحى. وتحدث شهود عيان عن حالة من الخوف تعيشها مدينة حمص، مشيرين إلى أن جماعات ممن أسموهم «الشبيحة» (بلطجية) تطلق الرصاص عشوائيا في بعض الأحياء مثيرة الرعب بين السكان. ورغم ذلك، شهدت أحياء في حمص تشييع قتلى سقطوا في اقتحام قوات الأمن ساحة الاعتصام. وقال شاهد من حمص طلب عدم ذكر اسمه إنه تم تشييع جنازتين من مسجد النور بعد صلاة الظهر في حي البياضة، كما شيع قتيل في حي باب سباع. وفي بلدة تلبيسة ، القريبة من حمص، التي شهدت سقوط أربعة قتلى قبل يومين وعشرات الجرحى برصاص الأمن، تحدث شهود عن قطع الاتصالات الهاتفية وسط مخاوف السكان من عملية أمنية خاصة، وقالوا إن قوات للأمن والجيش تتمركز على تخوم البلدة. وتشهد سوريا منذ 15 مارس الماضي، موجة احتجاجات ومظاهرات تطالب بالحرية انطلقت من مدينة درعا الجنوبية وامتدت إلى مختلف المحافظات سقط خلالها نحو 200 قتيل ومئات الجرحى، واعتقلت السلطات المئات وفق مصادر حقوقية، في حين تقول السلطات إن من سمتها عصابات مسلحة تهاجم المواطنين والجيش وقوات الأمن على حد سواء. من ناحية أخرى ، عبرت كل من بريطانيا والولاياتالمتحدة الأميركية للحكومة السورية عن قلقها من العنف الذي تستخدمه القوات السورية ضد الاحتجاجات التي اندلعت في البلاد منذ أسابيع، وبدأت بالمطالبة بإصلاحات سياسية قبل أن يصل سقف مطالب بعضها إلى المطالبة بإسقاط النظام. وشككت واشنطن في أن يكون رفع حالة الطوارئ والتشريعات التي أقرتها حكومة دمشق بهذا الشأن «أقل تقييدا للحرية»، بينما رأت فيه لندن «خطوة في الاتجاه الصحيح، وإن كانت غير كافية». وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، مارك تورنر ، إن الولاياتالمتحدة ليست واثقة من أن «مشروع القانون السوري الخاص برفع حالة الطوارئ سيكون أقل تقييدا للحريات». وقال تونر إنه في ضوء بعض تعليقات وزير الداخلية السوري «قد يكون هذا القانون الجديد مقيدا للحريات مثله مثل قانون الطوارئ الذي يحل محله». ونبه تونر إلى أن أعمال العنف، التي قام بها الجنود حين أطلقوا النار على المحتجين ، لا تزال «تثير بواعث قلق جدية كما يبقى واضحا أنه ينبغي للحكومة السورية أن تنفذ على الفور إصلاحات أوسع وتضع حدا لاستخدام العنف ضد من يحتجون سلميا». أما وزير الخارجية البريطاني، وليام هيغ ، فقد وصف قرار مجلس الوزراء بأنه «خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنه ليس سوى جزء من حزمة أوسع من الإصلاحات الضرورية». وقال هيغ في بيان «يجب على السلطات السورية أن تفعل المزيد لضمان أن يشهد الشعب السوري تقدما سياسيا حقا دونما تأخير». وأضاف «إني أدعو قوات الأمن السورية إلى أن تتحلى بأقصى قدر من ضبط النفس، والسلطات السورية إلى أن تحترم حق الشعب في التظاهر السلمي». تأتي هذه التصريحات بعد أن أقرت الحكومة السورية مشاريع قوانين تلغي حالة الطوارئ ومحكمة أمن الدولة العليا وتنظم حق التظاهر السلمي.