في مطالع القرن العشرين، وفيما كان العالم يضج بالآمال والأحلام والمشاريع الكبرى، جرت النظرة إلى الحركة النسوية بوصفها إحدى روافع المجتمع الجديد المنشود الذي يحقق الحرِّية والكرامة والتكافؤ لأفراده من الجنسين. كان الناس ينتقمون من قرون القمع والاضطهاد والكبت الطويلة، يتوقون إلى مرافئ السعادة والعدالة والإنعتاق. حينها تكاثرت الدعوات إلى إنصاف المرأة ومساواتها مع الرجل في فرص الحياة، والتأكيد على حقوقها التي أهدرت عبر التاريخ، ومع أنّ هذه الدعوات بدأت بدلالات سياسية مباشرة، لكنها سرعان ما اكتسبت مغازيها الإنسانية العميقة في الاحتفاء بالمرأة كرديف للحب والجمال والحنان والأمومة والفضاءات العذبة. تغيرت أشياء كثيرة في هذا العالم، ودخل عالمنا العربي بالذات مرحلة جديدة تشكل في جوهرها تراجعاً حتى عن قيم التحديث نفسها، وأشد ما تظهر معالم هذا الأفول في العلاقة مع قضية المرأة التي كانت حتى عقود قليلة مضت محكاً أو معياراً لجدية نهج التحديث نفسه، سواء في إطار الحكومات أو في إطار المؤسسات الأهلية أو حتى في الحياة الشخصية، فاشتدت الضغوط على المرأة، إنسانة وموقفاً ورؤية. وإذ تبدو الدول العربية إجمالاً خجولة ومترددة في العلاقة مع حقوق المرأة، وخاصة في ميدان الأحوال الشخصية، إذا ما استثنينا حالات نادرة، فإنّ بعض التيارات الفكرية والاجتماعية عوضاً عن أن تتوجه نحو معالجة القضايا الجوهرية المتصلة بالتنمية وبالحقوق السياسية توجه جهدها الأكبر نحو مصادرة الهامش المتواضع من الحرِّية والحقوق التي نالتها المرأة لتفرض إرهاباً ورعباً وتخنق منجزات اللحظة الليبرالية والتي عرفتها بلداننا العربية في بداية تشكل الدولة الحديثة. وإذ ننساق فرادى أو جماعات نحو هذا الحجر على المرأة فإننا ندفع مجتمعاتنا إلى ما يشبه الجاهلية الجديدة، حيث نفقد ما تبقى لدينا من فسح ضئيلة للنور. تعنون النسوية فاطمة المرنيسي أحد فصول كتابها: «الخوف من الحداثة» بعنوان شديد الدلالة هو: «نشيد النساء: نحو الحرِّية». وتذهب فيه إلى أنّ النساء العربيات لا يخشين الحداثة لأنّها فرصة منتظرة لبناء شيء آخر، «إنهنّ متلهفات للرسو على تلك الشطآن الجديدة، حيث الحرِّية ممكنة، فطوال قرون كن ينشدنها وهنّ سجينات، لكن لم يكن أحد يصغي».