عودة الشهداء إلى الوطن عودة للحياة في أجلى صورها ومعانيها، إنهم، على حد تعبير أحد الشعراء الفرنسيين، أشبه بالمطر الذي يعود إلى الأرض والشهداء مطر الأرض التي تعود إليها الحياة مع القطرات الأولى من كل موسم، موسم الأمطار أو موسم الشهداء. لكن الشهداء مطر كل المواسم. فالشهيد، عادة، يظل حاضرا في كل الفصول والأعوام والأيام والساعات.. فالشوارع قد تحمل اسمه، والساحات كذلك.. كما أن مواليد كل عام لا يتوقفون عن الإبتسام، أو رقصة الأيدي والأرجل اللدِنة عند مناغاة الأمهات بأسماء الشهداء التي لا تأتمر بأوامر الزمن. فالشهيد ليس اسم علَم لأن هذا الأخير ينتهي بانتهاء صاحبه، فيُنزع من السجلات المدنية، ويُنقَل إلى سجلات الأموات، أي يُصبح عدَماً. أما اسم الشهيد، فاستشهاده ينقله من سجل «الأموات» إلى سجل الأحياء، وإلا ما معنى هذه العودة الدائمة للشهيد، كل وقت وحين! الحياة في الموت بعيدا عن الموت في الحياة الذي قد يلتقي فيه الجميع، بل كل الكائنات والجمادات أيضا... والشهيد ليس ملكا لأسرة أو مكان أو زمان. هو ملك لكل ذلك، ملك للإنسان الذي سما فوق العِرْق واللون وكل أشكال التمايز والاجتماعي. وهو ملك للزمن الذي لا زمن له، وهو ملك لمكان يرفض ثُنائية السماء والأرض، فالشهيد يستقر في بطن الأرض لا تُدير وجهها للسماء آناء الليل وأطراف النهار. ولذلك لا يحتاج الشهيد إلى مكان ما، بل يُصبح هذا الأخير حاملا لروح الشهيد، ولو كان عمره ملايين السنين... لا يحتاج هذا المكان إلى اسم محدد، بل يكتفي باسم (الشهيد)، وأصبح المكان بذلك نصبا للشهيد، الشهيد في الماضي والحاضر والمستقبل... وأصبح النصب يسري ب[المقدس] في أرجاء المكان، وتحوَّل إلى مزارٍ يستمد منه الأحياء الإصرار على مواصلة الطريق، وتحوَّل إلى منار يُضيء ظلمة الأرواح قبل ظلمة الأبدان..!! يعود الشهداء إلى الأرض لتشتعل بكل اللغات. فالأرض لا تعرف الصمت بالرغم من الحراس والمتاريس ووسائل التعتيم، وأساليب التلغيم،،، الأرض لا تعرف العُقوق، فهي رَحِمُنا الأول والأخير.. يعود إليها الشهيد ليتخلق من جديد، رمزا متجددا كل وقت وحين، بالرغم من توابيت الصمت التي غَلَّفت أرواحهم الطاهرة،،، لكن الأرض لن تتكلم إلا لغة واحدة، ووحيدة، هي لغة الشهادة التي تنتشر في كل مكان وزمان.