في إطار قراءتنا لمشروع القانون رقم 02.09 المتلعق بالأملاك الجماعية نتطرق اليوم للجزء الأول من الحلقة الرابعة لأحكام استغلال الملك العام الجماعي من خلال المواد من 17 إلى 32 منه، على أساس الرجوع لتتمة هذا الجزء في العدد المقبل: عدم التمييز بين نوعين من الاختلال: يلاحظ أن واضع المشروع من خلال المادة 17 والمادة 18 يميز بين نوعين من الإحتلال المؤقت للملك العام الجماعي هما: الإحتلال المؤقت للملك العام الجماعي إقامة بناء، والإحتلال المؤقت للملك العام الجماعي بدون إقامة بناء، دون أن يضع تعريفا قانونيا لهما رغم ما للتعريف هنا من أهمية قصوى، نظرا لما يترتب عنه من آثار قانونية جد مهمة على مستوى تكييف واقعة الإستغلال، ومن ثم إخضاعها إما لمسطرة رخصة الإحتلال المؤقت بإقامة بناء، أو لمسطرة رخصة الإحتلال المؤقت بدون إقامة بناء. تجاهل تعريف المصطلحات: وإذا كان واضعو مشروع القانون قد سكتوا عن تعريف المصطلحين على الرغم من أهمية نتائجهما القانونية فإن الإجتهاد الفقهي قد تصدى إلى تعريف المصطلحين لضبط قواعدهما وأسسهما، وبالتالي تحديد مختلف مجالاتهما. وهكذا فقد عرف رخصة الإحتلال المؤقت للملك العام الجماعي بإقامة بناء بكونه إستغلال ثابت وقار للملك العام، بمعنى أن له أساسات وعمقا في الأرض يحدث تغييرات في طبيعة الملك ويدخل تعديلات على تصميم التهيئة أو التنمية. أما رخصة الإحتلال المؤقت بدون إقامة بناء فإنها على العكس من ذلك تماما، فهي عبارة عن إستغلال سطحي للملك العام الجماعي، بمعنى ليس له أساسات ولا دعائم أرضية ثابتة ولا يحدث تغييرات في الوعاء العقاري ولايؤثر على طبيعة الملك العام الجماعي، وبالتالي فهو لايدخل تعديلات على تصميم التهيئة أو التنمية. وإستنادا إلى أحكام المادة 18 من مشروع هذا القانون فإن رئيس المجلس الجماعي هو المختص بمنح رخصة الإحتلال المؤقت للملك العام الجماعي بدون إقامة بناء بموجب قرار يصدره بناء على قرار تنظيمي يتخذه المجلس الجماعي في إحدى دوراته ولايكون قابلا للتنفيذ إلا بعد التأشير عليه من طرف وزير الداخلية أو من يفوض إليه ذلك بالنسبة للجماعات الحضريةومن طرف العامل بالنسبة للجماعات القروية. وفي ضوء التعريف الفقهي للإحتلال المؤقت للملك العام الجماعي بدون إقامة بناء السالف الذكر فإن هذا النوع من الإستغلال للملك العام الجماعي لايحدث تغييرا في الوعاء العقاري لكونه يتعلق باستغلال سطحي فهو حسب الإجتهاد الفقهي والقضائي من قبيل أعمال الشرطة الإدارية لايندرج ضمن اختصاصات تدبير الملك العام الجماعي، وبالتالي فإن رئيس المجلس الجماعي هو الذي يتولى منح هذه الرخصة دون إخضاعها لتداول المجلس الجماعي طالما أنها من اختصاصاته الخاصة تقريرا وتنفيذا، ومع ذلك يلاحظ أن المادة 18 من مشروع القانون تلزم رئيس المجلس الجماعي بمنح هذا النوع من الرخصة بناء على قرار تنظيمي يتخذه المجلس الجماعي ولايدخل حيز التنفيذ إلا بعد التأشير عليه من طرف سلطة الوصاية المختصة. والجديدر بالذكر أن القرارات التنظيمية هي القرارات التي تصدر عن السلطة الإدارية (الجماعة المحلية) وتتخذ شكل قواعد عامة ومجردة لكي تطبق على أشخاص غير معيّنين وغير محددين مستوفين للشروط الواردة في تلك القواعد ويتجدد تطبيقها كلما توفرت شروطها القانونية. ضرورة احترام القرارات: ومن المعلوم أن القرارات الإدارية التنظيمية تسمو على القرارات الإدارية الفردية، لذلك يتعين على رئيس المجلس الجماعي عند إصداره لرخصة الإحتلال المؤقت أن يحترم أحكام القرارات التنظيمية ولا يخالها. ويضاف إلى ما سبق أن القرارات التنظيمية الجماعية لايمكن بحال من الأحوال تطبيقها على المعنيين بالأمر إلا بعد نشرها بالجريدة الرسمية للجماعات المحلية إعمالا لمتقضيات المادة 144 من الميثاق الجماعي، ويمكن أيضا نشرها بالوسائل المتوفرة محليا كالتعليق بمقار الجماعات المحلية والمصالح الإدارية الأخرى. وتجب الإشارة هنا إلى ان القرار التنظيمي الجماعي يعتبر غير موجود قانونيا إلا بعد نشره بالجريدة الرسمية للجماعات المحلية، وبالتالي فهو لايسري على الأشخاص المعنيين بالأمر إلا بعد نشره، كما أن عدم نشر القرار التنظيمي يحول دون تطبيقه ولايستوجب إلغاءه. ومن جهة ثانية فإن المادة 19 من مشروع القانون الآنف الذكر تفرض على رئيس المجلس الجماعي إجراء مزايدة عمومية عند الترخيص بالإحتلال المؤقت للملك العام الجماعي بإقامة بناء لممارسة نشاط تجاري أو صناعي أو مهني مما يعني أنه إذا كان استغلال الملك العام الجماعي لأغراض أخرى غير الواردة في النص مثلا: لأغراض إدارية أو لوقوف السيارات.. إلخ، فإن هذا الاستغلال لايخضع لمسطرة المزايدة. خلط بين المهنة والحرفة: ومن جهة ثالثة يلاحظ أن هذه المادة (19) تتحدث عن الإحتلال المؤقت لأغراض مهنية دون أغراض حرفية، في حين أن الواقع العملي يثبت أن أغلب الإستغلالات المتعلقة بالملك العام الجماعي تتم بواسطة الحرفيين وهذا الأمر حسب اعتقادي يرجع بالأساس إلى قصور التشريع المغربي، حيث إنه لم يتمكن من التمييز بين المهنة والحرفة على مستوى الإصطلاح القانوني. وكما يرى الفقه فإن المهنة تتعلق عادة بأنشطة ذات طابع فكري مثل الطب والمحاماة والهندسة بكل فروعها و المحاسبة... الخ، وهو نشاط يمارس بكيفية مستقلة من طرف أشخاص مؤهلين لها غالبا فنيا أو علميا. أما الحرفة فتهم عادة أنشطة يدوية مثل الحلاقة والتجارة والحدادة والخياطة وإصلاح السيارات... الخ ، ويكون صاحبها في الغالب قد تلقوا تكوينا خاصا لمبادئ حرفية لدى صاحب معمل المسمى بالدارج (لمعلم) في متجر أو في مصنع عن طريق الملاحظة والتجربة والممارسة الطويلة. وبناء على ذلك يلاحط أن المشرع المغربي قد مزج بين المدلول القانوني للمهنة والحرفة بصفة صارخة، وهذا مايتجلى بوضوح من خلال حصر قائمة الأنشطة الخاضعة للرسم المهني الملحقة بقانون رقم 47.06 المتلعق بجبايات الجماعات المحلية الصادر بتاريخ 30 نوفمبر 2007 إذ اعتبر أن الخياطة والحلاقة والحدادة والغزالة أنشطة مهنية بدلا من أنشطة حرفية. كما اعتبر المشرع أن المهنة نوع من أنواع الحرفة من خلال الماد 30 من المدونة العامة للضرائب الصادرة بتايخ 30 ديسمبر 2008 التي تنص على مايلي: تعد دخولا مهنية لتطبيق الضريبة على الدخل: 1 الأرباح التي يحصل عليها الأشخاص الطبيعيون من مزاولة: أ مهنة تجارية أو صناعية أو حرفية. ومما لاشك فيه فإن التمييز بين المهنة والحرفة يكتسي أهمية بالغة ويترتب عنه نتائج قانونية هامة لكون أن النشاط الحرفي يعتبر من الأعمال التجارية بمقتضى البند 5 من المادة 6 من قانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة في حين النشاط المهني يعتبر من الأعمال المدنية. وعليه، يتعين على لجنة المزايدة العمومية أن تأخذ كل نوع من هذه الأعمال بعين الإعتبار عند تقديرها الثمن الإفتتاحي بشأن استغلال الملك العام الجماعي.