بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وعلى آله وصحبه، سيداتي وسادتي الأساتذة إخواني وأخواتي الأعزاء والعزيزات، إنني سعيد جدا أن أكون إلى جانب الإخوان الأساتذة الذين لهم باع كبير في ميدان الفقه الدستوري، والذين لهم كذلك باع كبير في النضال داخل الساحة المغربية من أجل أن يكون المجتمع ديمقراطيا، ومن أجل سيادة القانون ومن أجل أن يتمتع شعبنا بدستور في مستوى نضالاته وطموحاته. وسعيد بأن أكون إلى جانب الأخ محمد الساسي، وإلى جانب الأخ الأستاذ إدريس لشكر وإلى جانب الأخ سهيل وإلى جانب الأستاذ سعد العثماني، وسعادتي أيضا أن أعرف الكثير من الحاضرين تمام المعرفة، وأعرف أن من بينهم من تتلمذت عليه، وإني سعيد أن يكون من الحضور من عاشرتهم. وسأتحدث ولربما معبرا عن جيلي وعن تطور هذا الجيل، وسعيد بأن يكون أساتذتي حاضرون من أجل أن يعرفوا بأن زرعهم ربما أعطى أكله. في الحقيقة، الموضوع كما طرحه الإخوان في المكتب الجهوي لحزب الاستقلال، هو ربط الإصلاح الدستوري بالأفق الديمقراطي بالمغرب، فهذا الربط شيء أساسي، ويجب أن يكون دائما في فكرنا وفي ذهننا قائما، حتى لا نخطئ الطريق وحتى لا نضل هذا الطريق، لأنه مهما كانت قيمة الدستور الذي سننجزه، ومهما كانت أهمية بنوده وفصوله، ومهما عبر عما نحس، فإننا نحتاج إليه في دستورنا، فلكل أفق ديمقراطي حقيقي لا يمكن أن يكون ذلك الدستور إلا أوراقا لا أهمية لأفق ديموقراطي داخل المجتمع. نحن هنا لسنا فقهاء دستوريين ولكننا مناضلون سياسيون، وربما تكويننا السياسي أهم من تكويننا الأكاديمي، فلهذا ننبش الأشياء في عمقها، وربما هذا ما قصده الإخوة بربط الأفق الديمقراطي أي الإصلاحات السياسية الحقيقية بموضوع إصلاح النص الدستوري، وهما مرتبطان، فلا ديمقراطية بدون أحزاب ، ولا تنمية بدون دستور ولا دستور بدون انتخابات نزيهة، ولا دستور بدون أفق ديمقراطي. وهذا مبدئيا هي مبادئ درج عليها كل لسان ويجب أن نستحضرها حتى نهاية ما نحن بصدد إنجازه في مغربنا الحديث. لقد تحدث صاحب الجلالة يوم 9 مارس الماضي ووجه للشعب المغربي خطابا تتبعناه، وهذا الخطاب وصف بأنه خطاب تاريخي، ووصف بأنه خطاب شمولي لثورة دستورية، ولم تختلف التوجهات الفكرية حتى في أقصى عنفوانها وحتى في أقصى يمينيتها عن أن هذا الخطاب في المغرب له هذه التاريخية، وهذا شيء يجب أن نعتبره أساسيا، ومن أجل أن نبرهن على أننا مجتمعا بالفعل يستحق الديمقراطية، ويستحق كذلك أنه يتمتع بدستور يحدد سلطات الحاكمين، ويحدد سلطات المؤسسات الدستورية، وتكون أهم بنوده وأبرزها وأبوابها الأولى هي حقوق الإنسان والمواطنة، فالمغرب جدير بهذا لسبب بسيط ، هو أن الخطاب الملكي الذي نصفه بالتاريخي لم يتعد 911 كلمة بالضبط، وكذلك لم يتجاوز إلقاؤه 9 دقائق ونصف، فهذا الخطاب بهذه الدقة الزمنية وبعدد المفردات، تلقاه الشعب المغربي ثورة عارمة، فإذن هذا الشعب الذي يفهم مضامين ومرتكزات الخطاب، لا يمكن أن تطيل له لا في الشرح ولا في التفصيل ولا بآلاف الكلمات، والتجاوب نابع من دقة الخطاب والتصويب نحو الآمال التي كافح من أجلها الديمقراطيون في هذه البلاد ومن أجل إنجاز دستور جدير بمسار شعبنا. إذن خطاب تاريخي حتى لا نغمط أحدا حقه، فقد سئلت هل 20 فبراير هي التي أتت بكل هذا الخطاب؟، كان جوابي: مخطئ من يظن أن 20 فبراير هي التي أتت بهذا الخطاب، ومخطئ أكثر من يظن أن 20 فبراير لا أثر لها فيه، إذن هذا هو المعنى الذي نقول عنه في هذه اللحظة إنه خطاب تاريخي والخطاب التاريخي هو مسلسل، فلا يمكن أبدا أنه في أول كل صيحة يمكن أن نقول إنه من هنا يبدأ التاريخ، فيجب أن نتذكر أنه في هذه اللحظة الآن وبأنه مثل هذا اليوم في السنة القادمة سيكون 2012، ومعناه أن المغاربة سيتذكرون بأنه قبل 100 سنة سقط المغرب سقطته المريعة، حين وقع السلطان مولاي عبد الحفيظ على وثيقة الحماية يوم 30 مارس 1912، وقبله لم نركب قطار الديمقراطية، ولا أدل على ذلك، فعلى الأقل أربعة مشاريع دساتير، وجدت قبل هذا الوقت، دستور الإخوان الشاميين، ودستور حجي وغير ذلك، ناهيك عن الوثائق، والأهم من هذا هو وثيقة البيعة، التي كتبها ابن المواز عندما قدمت فاس بيعتها للسلطان مولاي عبد الحفيظ. إذن هذا الهاجس الدستوري حاضر، فلو كان عندنا دستور عام 1912 لما سقطنا في تلك السقطة المريعة، لأن من جملة شروط البيعة ألا يوقع الملك أية، وثيقة تفقده سيادته وأن يتراجع عن إتفاقية الجزيرة الخضراء، إذن نحن عندما نتكلم عن خطاب تاريخي لا ننطلق من العدم، وإنما يجب أن نستحضر هذه المسألة. لنقطع ونقول إنه بعد 90 سنة، وبعد سقوط جدار برلين، الحركة الوطنية الديمقراطية: الإخوان في حزب الاستقلال، حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية. منظمة العمل الديمقراطي الشعبي، حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وحزب التقدم والاشتراكية أسسوا كتلة للديمقراطية، وبطبيعة الحال في تاريخ المغرب هناك الكتلة الوطنية، ولكن هذه المرة الكتلة الديمقراطية معناها أن القوة الوطنية القائدة لمشروع الإصلاح، كانت تعرف بأن الظرف موات، وقبله بسنة كانت مذكرات الأستاذ عبد الرحيم بوعبيد رحمة الله عليه، ومذكرات الأخ الأستاذ امحمد بوستة أمد الله في عمره، التي كانت أول وثيقة في بداية التسعينات من أجل أن نقول إن المغرب لا يمكن أن يحكم بحكومة تعيش خارج عصرها وخارج زمنها. كان هذا هو مؤدى تلك الوثيقة التي وقعها الأخوان، المرحوم بوعبيد والأستاذ بوستة، إذن عمليا جاءت 1992 فتقدمنا بمطالب الإصلاح، الكتلة الديمقراطية بأحزابها الأربعة الباقية، ومع ذلك تعرفون جميعا أنه استجيب لكثير من المطالب، ولكن لم يفتح فيها أي نقاش، وبالتالي تعرفون موقفنا من دستور 1992 كذلك، في نفس هذه السنة كانت مذكرة أخرى من أجل المطالبة بإصلاحات دستورية، حدث ما كان واختار الله إلى جواره المغفور له الحسن الثاني وفي عهد الملك محمد السادس بدأنا نرى إشارات قوية وإصلاحات عظيمة في الميادين الاقتصادية والاجتماعية وانتهت الحركة الديمقراطية إلى أنه يجب أن نتقدم بمذكرة أخرى، ولا أخفيكم سرا، وقد نشرت «العلم» الآن هذه المذكرة، أننا كدنا أن نقدم مذكرة سنة 2007 . عندما نقول تاريخي، نقول بهذا المفهوم التراكمي من أجل أن يعرف المغاربة بأن كل حركة جاءت اليوم أو كانت في الأمس هي حركات متكاملة، فسيرورة نضالات الشعوب هي لا تحسب بدقيقة أو بإعلان مبدأ، فهي تحسب بسيرورتها التاريخية، ومن يستطيع أن يقدم الأفضل ومن يأتي في اللحظة الأساسية من أجل أن يكون له موعد مع التاريخ، لابد أن نؤكد على هذا، وإلا فإننا سنصبح مثل الدول الافريقية التي استعمرت وهي غير دول وعندما خرج منها الاستعمار بدأوا يفكرون في من يريد الجمعية التأسيسية، ومن يريد كذا ومن هو الأسبق. نحن في المغرب ليس لدينا من هو الأسبق، لدينا قراءة تاريخية مهمة، فنحن في حزب الاستقلال عندما نقول إن الخطاب تاريخي، فإنه لابد أن نعترف ابتداء من الذين وضعوا تلك المسودات في بدايات القرن الماضي، ولم يسمع لهم، وسقط المغرب، ووصولا إلى 20 فبراير وما بعدها، وهذا كله تاريخ متكامل، يجب أن تكون لنا فضيلة الاعتراف بكل من له شرف أن يناضل في سبيل أمته، ويجب أن أؤكد كذلك أنه لن يكون هناك فصيل من الصف الوطني الديمقراطي ولا حزب من الأحزاب الوطنية الديمقراطية، إلا وأن يكون سعيدا بالشباب، الذي قاومنا من أجله لأن يكون له حق التصويت في 18 سنة في العديد من الدورات البرلمانية. وعندما تقرر هذا الأمر كان الشباب قد ابتعد وعزف عن السياسة، والجدير بنا أن نكون فرحين اليوم لأن الشباب عاد إلى ما كنا نناضل من أجله، ولأنه كان يقال لنا عما تراهنون، فالشباب لا يعتني بشيء، لكن الشباب هو مصدر فخرنا في كل الحركة الديمقراطية، ونحن كديمقراطيين لا ندعي احتكار فضيلة النضال، فمن يريد أن يناضل فأرض الله واسعة . خطاب تاريخي إذن، لأنه خطاب إصلاح شمولي وثوري، ليس فقط بمرتكزاته، ولكن بنقطتين أساسيتين، كأحزاب سياسية علينا أن نعطيه الأهمية الاستثنائية. فجلالة الملك طالب منا في غضون الخطاب، أن نتحدث بثبات وجرأة وإقدام وشجاعة، وأيضا أن نجعل المصلحة الوطنية العليا فوق كل اعتبار، إذن المسؤولية الآن ملقاة على عاتقنا، ويجب أن نتحلى بهذه الصفات من أجل أن تكون الوثيقة الدستورية وثيقة حقيقية، تعبر عن كل نضالاتنا، وعما وصلت إليه الديمقراطية في عالم اليوم، هذا هو الأساس. ولن يوجد لأحدنا عذر، سواء ذهب إلى هذا الطريق أو إلى تلك، وسواء قدم مذكرة أو لم يقدم، لأنه لم يغتنم فرصة ولأنه مطلوب منه، أن يعبر عن رأيه بدقة وأن يعبر بشجاعة وبثقة. وهذه مسؤولية نتحملها نحن كأحزاب، وهذا شيء أساسي ومهم وهو أن صاحب الجلالة ثانيا لم يتكلم في ذلك الخطاب، عن المرتكزات السبع أو الجهوية فقط، لكنه تكلم عن أن هذا الإصلاح الدستوري يجب أن يكون معززا بالإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. إذن عمليا، هذه الوثيقة الدستورية مهما كانت أهميتها لا يمكن لها أن تعطي أدنى أكل في التراب المغربي، إلا إذا كانت مقرونة بالإصلاحات السياسية والدستورية والاجتماعية. الإصلاح الأول والأساس هو أنه يجب أن يصل المغرب في هذه اللحظة بالذات إلى ضبط آلياته من أجل أن تكون في المغرب انتخابات نزيهة وحرة وشفافة لسبب بسيط، هو أن الملك أولا قالها وثانيا لأن هذه المرة دستوريا ستنبثق منها الحكومة، فيجب أن نشحذ أفكارنا من أجل أن نضمن هذه الآلية في تاريخ المغرب الحديث، وفي هذا الوقت بالذات ، فبدون انتخابات نزيهة، فالدستور كيفما كانت قيمته لن يأتي إلا ببرلمان كالموجود عندنا اليوم، فإننا بذلك سنكون أمام المهازل، وسنكون أمام إحاطات سخيفة، ولربما تسيء إلى وعي وعظمة الشعب المغربي، الذي كافح من أجل أن تكون له مؤسسات ووصل إلى ما نحن أمامه الآن، فلهذا أعتقد أن هذا جزءا من الأفكار التي كنت أريد أن أبلغها ولكن في الحقيقة، بما أننا نتكلم عن الأفق الديمقراطي، ليس فقط الانتخابات النزيهة، فشخصيا قبل أن تكون 20 فبراير، قلت في استجواب، إن ثورة المغرب سيقودها ملك المغرب، وقلت هذا لأنني كنت سعيدا بالخطاب الملكي، وكثير من الصحف الوطنية قالت إن الملك قاد ثورة الشعب، ولكن الأهم من هذا اليوم أنه يجب الحديث عن شيء أساسي ومهم وهو الأفق الديمقراطي، وفتح بوابة الأمل المشاعة أمام الشعب المغربي، وفتح بوابة الأمل أمام هذا الشباب الذي يتظاهر كل يوم تحت اسم 20 فبراير، وأمام الجميع الذي يطالب بالإصلاحات التي تقتضي زمنا من أجل إعدادها ومناقشتها وجعلها صيرورة داخل المجتمع، ولكننا بهذه المناسبة أطلب بأن يقود جلالة الملك إعلان تدابير استعجالية في البلاد، يكون أساسها كل ملفات الفساد الموجودة في جميع الأركان، وإحالتها على العدالة، وهذا تدبير إذا اتخذ به، سنغير واقع المغرب، وكذلك نخلص الأجهزة كلها من المفسدين، الذين أشير إليهم وثبت أنهم كذلك، وإعلان ثورة بالنسبة للإدارة المغربية. وإذا اقتضى الحال تعيين شباب في مراكز المسؤولية وبهذا التدبير سنخلق في البلاد ثورة وسوف لا نحتاح للخروج إلى الشارع، بالإضافة إلى التخليق، لأننا نعيش في المغرب أزمة قيم وأزمة أخلاق وهذا هو الشيء الذي يجب أن يطلق فيه الكثير من المبادرات، إنني أتوجه وأنا مطمئن أن إطلاق مثل هذه المبادرات ومثل هذه الأفكار في الشارع المغربي وتطبيقها، سيجعلنا نمارس حقنا مع هذه اللجنة، ونحن في راحة وفي هدوء.