أصدرت ثماني جمعيات لمغاربة الخارج بيانا نوهت فيه بما تحقق في كل من مصر وتونس من مبادرات في تكريس الديمقراطية والقطع مع مرحلة عرفت فيها الدولتان أنواعا من الاستبداد السياسي والاجتماعي، وفعلا الوقوف إلى جانب الشعبين التونسي والمصري مسألة مبدئية وضرورة تحتمها ما يعرفه الوضع الحقوقي عامة، سواء محليا أو دوليا من دينامية، لكن ما يلاحظ على البيان الصادر عن هذه الجمعيات هو أنه رغم تقسيمه إلى ديباجة ومطالب، قال البيان إنها أهداف أساسية لفرض إصلاحات ضرورية تتماشى والديمقراطية، إلا أنه من خلال هذه الأهداف المعلن عنها يتضح أن البيان لم يشر إلى وضع مغاربة الخارج من الحراك والدينامية التي تعرفها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وكان بالود قبل أو من خلال تحديد تلك الأهداف المرتبطة بالديمقراطية، يجب على الأقل الإشارة إلى الدور الذي يمكن أن يساهم به المغاربة المقيمين في الخارج أو بالأحرى المهاجرين بشكل عام في هذه الحركية، ولا نعني بذلك الجانب المادي بتاتا، ولكن الجانب المعنوي، خاصة التأطير والمساهمة في النقاش. وعلى ذكر النقاش، فالمغرب حاليا يعرف حركة غير مسبوقة فيما يخص الاستعداد والتهييء للورش الإصلاحي دستوريا وسياسيا، والذي تلا الخطاب الملكي للتاسع من مارس الجاري، والسؤال مطروح على مدى مساهمة مغاربة الخارج في هذا الورش. وفي هذا السياق لا بد من التذكير بالعديد من التدابير والإجراءات التي صاحبت هذا النقاش، لبناء صرح دولة الحق والقانون وتكريس الديمقراطية منها إنشاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي في الأسابيع الماضية، وتقديم التقرير النهائي للجنة الجهوية بالإضافة إلى تأسيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان ومؤسسة الوسيط ، وجميع هذه المبادرات تصب في اتجاه واحد هو دولة المؤسسات، إذن السؤال الذي نعتبره جديرا بالطرح في هذه الآونة هو أين مغاربة الخارج من كل هذا؟ وفي هذا السياق يمكن الرجوع شيئا ما إلى الوراء حين شكل الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى الثلاثين للمسيرة الخضراء، بتاريخ 6 نونبر 2005، خطوة متقدمة في اتجاه عودة حق المشاركة السياسية للمغاربة المقيمين بالخارج وبالتالي التخفيف من أزمة التمثيلية السياسية التي تشكو منها التجربة الديمقراطية ببلادنا. ودخل آنذاك القرار الملكي ضمن مسلسل المصالحة الشاملة للمغرب مع تاريخه وثقافته وأبنائه داخل الوطن وخارجه، وهي خطوة تضمنت نوعا من رد الاعتبار لشريحة أساسية من المواطنين المغاربة. وقد فتح الخطاب الملكي باب الأمل لدى أبناء المغرب في الخارج وخاصة الأجيال الجديدة، حيث سيصبح من حقهم المشاركة في الانتخابات وكذا التمثيل داخل إطار سيمكنهم من إبداء آرائهم في القضايا التي تهمهم. وهكذا فالانتماء إلى الوطن يجب أن يعادله الحق في التصويت وكذا التمثيل داخل المؤسسات الوطنية والمشاركة في رسم السياسات العمومية، أكثر من ذلك أن أبناء الوطن في الخارج يتقاسمون مع إخوانهم في الداخل مجموعة من القيم كالديمقراطية، حقوق الإنسان، المواطنة، الاختلاف وغير ذلك. لكن مبادرة مجموعة من الأطر والفعاليات المغربية المقيمة بعدد من بلدان المهجر، التي أعلنت فيها أخيرا عن تأسيس «هيئة مغاربة الخارج لتعديل الدستور» تأتي في حينها. وذكر بلاغ للهيئة أن هذا الإطار يأتي حرصا منها على إشراك أكبر عدد ممكن من أفراد الجالية المغربية بكل ربوع المعمور بمختلف مشاربهم الفكرية والثقافية والسياسية والإيديولوجية، ويقينها التام بأن هذه الجالية تضم طاقات وكفاءات على مستوى عال من التكوين والخبرة والحنكة في كل مناحي الحياة السياسية والفكرية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. وأكدت أن قرار تأسيس الهيئة جاء بناء على المطالب المشروعة التي عبر عنها الشعب المغربي في أكثر من مناسبة، وكذلك بعد القرار الشجاع الذي اتخذه جلالة الملك محمد السادس لإدخال تعديلات جذرية على الدستور الحالي. وأضاف بلاغ أن هذا القرار ينبع من إيمان هذه الهيئة بضرورة ?رفع الحيف عن أفراد الجالية المغربية المقيمة بالخارج والتهميش الذي طالهم من حيث المشاركة في الحياة السياسية المغربية وصنع القرار، وبغية إشراك هذه الشريحة المهمة التي تشكل أكثر من عشر أبناء الشعب المغربي. كما يأتي حرصا منها على عدم تفويت هذه الفرصة التاريخية المتاحة للشعب المغربي لبناء صرح ديمقراطية حقيقية وتحقيق المواطنة الكاملة بكل ما يحمل هذا المفهوم من معاني العيش الكريم والمساواة وتكافؤ الفرص بين كل المواطنين المغاربة.