يمثل إصلاح صندوق المقاصة رهانا رئيسيا في الظروف الراهنة، فمنهجية عمل هذه المؤسسة الإجتماعية والإقتصادية تطرح إشكاليات كبيرة جدا، إذ أن الدعم المالي الكبير الذي تخصصه الحكومة سنويا لهذا الصندوق يستفيد منه جميع المواطنين على حد سواء، الغني والفقير المحتاج وغير المحتاج، لأن الدعم يوجه إلى الأصل أو إلى المنبع، وحينما تكون المادة المدعمة معروضة للبيع في السوق فإنه يصعب التمييز بين المستهلك المحتاج والمستهلك غير المحتاج. وقضية العدالة في هذا الاتجاه تصبح مظهرا من مظاهر الظلم، فإضافة الى استفادة طبقة من الناس هم في غير حاجة الى هذا الدعم فإن المشكلة الكبرى تكمن في أن المواطنين ذوي الإمكانيات المالية الكبيرة يصبحون الأكثر استفادة واستحواذا على هذا الدعم، فالمواطن الذي له دخل محدود يركب الحافلة ويستهلك كمية قليلة من الغاز والسكر بيد أن ذوي الإمكانيات يستعملون السيارات الفارهة ويستهلكون كميات كبيرة جدا من المواد المدعمة. نعلم أن وضع صندوق المقاصة مثل انشغالا رئيسيا بالنسبة للحكومة الحالية منذ اليوم الأول من تنصيبها وأولت، هذا الموضوع اهتماما استثنائيا وكونت لهذا الغرض فرق عمل واطلعت على تجارب عالمية كثيرة، لكن رغم ذلك لم تتضح معالم الحل، حيث إن جميع الاقتراحات واجهت صعوبات كبيرة فيما يتعلق بالتفكير في التطبيق، والمشكل الكبير أن أسعار المواد المدعمة من محروقات وسكر وغيرها عرفت ارتفاعات مهولة جدا في الأسواق العالمية مما زاد في قيمة مبالغ الدعم المخصصة لتغطية الفارق الكبير، ولم يكن من السهل أبدا التعامل مع هذا الملف الشائك بالانفعالية أو العاطفة المفرطة، ورغم أن قضية صندوق المقاصة لاتزال مطروحة على طاولة البحث عن حلول ناجعة، إلا أن حديثا قويا وجديا بدأ في الحكومة حول سن ضريبة جديدة تسمى ضريبة التضامن، ويقود الوزير الأول عملا جديا ومكثفا لتسريع إخراج هذه الضريبة إلى حيز الوجود. أولا ضريبة التضامن ستكون مختلفة عن جميع الضرائب الأخرى، إذ ستقتصر على فئة من الميسورين المغاربة الذين يعترفون أن هذا الوطن هو الذي يعود له الفضل في الثروات التي حققوها، وهذا يعني أن الضريبة لن تكون عامة، بل ستقتصر على بضعة آلاف من الميسورين الذين سيدفعون ضريبة سنوية مقابل: أولا: تعويض ما استفادوا منه في الدعم المخصص للمواد الاستهلاكية، وبذلك سيتمكن صندوق المقاصة من تعويض جزء مهم مما صرفه على غير المحتاجين، وفي ذلك عدل حقيقي وترشيد فعلي لنفقات صندوق المقاصة، ونقترح أن ترتبط نسبة هذه الضريبة بحجم الثروات الشخصية المملوكة وبالأجور العليا جدا التي يتلقاها مجموعة من المسؤولين السامين. ثانيا: مساهمتهم الفعلية في بداية العمل على إعادة توزيع الثروة الوطنية أو لنقل توسيع قاعدة الاستفادة من هذه الثروة، فالذي يملك أكثر يجب أن يساعد الذي يملك أقل، وفي هذه الحالة فإن الثروة المملوكة لشخص ما أو لمجموعة ما تتحول إلى ثروة وطنية منتجة لقيم سلوكية، أخلاقية ومكرسة للمفهوم الحقيقي للمواطنة. وفي اعتقادنا أن أكبر تجليات سوء تدبير الثروة الوطنية تجلت لا محالة في تمكن فئة قليلة من مراكمة الممتلكات والمصالح بيد أن غالبية الشعب حرمت من ذلك، ومع مرور الوقت زادت الهوة اتساعا ما بين الأغنياء والفقراء. ويجب أن تسود قناعة مركزية وهامة فحواها أن هذه الضريبة ليست موجهة ضد المستثمرين والاستثمار وليست تضييقا على رجال الأعمال ولا على الأغنياء، بل إنها ستخدم مصالح جميع المواطنين بمن فيهم هؤلاء الأثرياء، لأن المواطن المعوز سيشعر أن المواطن الآخر الميسور يتضامن معه، فيتكرس بذلك الشعور بالثقة والاطمئنان والتقدير، وهذه عوامل نفسية أساسية لضمان الزيادة في الانتاج الاقتصادي الوطني. وهي على كل حال ليست ضريبة غريبة ولا فريدة، بل توجد في كثير من الدول الديمقراطية حيث تضمن بالفعل فرملة وتيرة سرعة تنامي الهوة بين الفقير والغني وتحقق جزءاً من العدالة الاجتماعية والشعور بالكرامة من طرف المغاربة المحرومين الذين سيزيد دخلهم ويتمكنون بذلك من تلبية جزء أساسي من احتياجاتهم الأساسية، وهذا هو المفهوم الحقيقي للعدل الذي لا يمكن أن يقتصر على تحقيق العدل في المحاكم، بل لابد من سيادة العدل في المجتمع ويشعر المغاربة جميعهم أنهم يستفيدون من الثروة الوطنية.