استكثر الناس أن تكون ثورة تونس الحاضرة قد نشأت عن حادث فردي له بعد اجتماعي محدود هو احتجاج البوعزيزي. وهذا الحادث هو في الواقع تعبير عن احتقان تراكمت عوامله، السياسية والإجتماعية والإقتصادية، مثل كثير من الحوادث الكبرى التي طبعت حياة الشعوب، وبالذات تونس. فمنذ قرن مضى كان سبب انتفاضة الزلاج في نوفمبر 1911 هو الاحتجاج على صدور قرار بلدي لتسجيل مقبرة الزلاج بمدينة تونس في السجل العقاري للمدينة قصد التصرف فيها لأغراض التعمير. و كان المواطنون متعلقين بالمقبرة المذكورة التي يوجد فيها مدفن أبي الحسن الشاذلي الذي له مكانة في نفوس الناس. وقد نزل المحتجون إلى الشارع واصطدموا بقوات الأمن وأسفر الاصطدام عن مقتل ثمانية فرنسيين والإيطاليين والعديد من التونسيين. ولما انعقدت محكمة للنظر في المسؤوليات قضت بإعدام سبعة من التونسيين كانوا من بسطاء الناس. هم بائع متجول وسائق عربة وصبي مقهى وحمال وبستاني وعامل وعاطل. وفي 1912 حينما اندلعت ثورة التراوماي بتونس العاصمة كان السبب فيها أيضا غير سياسي، وهو دهس الترامواي لصبي تونسي. وعلى إثر ذلك احتج التونسيون في الشارع وصدر نداء إلى مقاطعة الترامواي، مما أثار حنق السلطات الفرنسية والشركة التي أصبحت مهددة بالإفلاس في حالة مقاطعة سكان العاصمة لها. وحدث بعد ذلك أن التونسيين قاموا بتصعيد المطالب، وانتقلوا من المقاطعة إلى تقديم مطالب اجتماعية وسياسية. وتكونت لجنة ناطقة باسم الدعوة إلى المقاطعة، أخذت ترعى مطالب لها طابع سياسي كالتساوي في الأجور بين العمال التونسيين وغيرهم من الفرنسيين والإيطاليين. ثم تطورت المطالب وتجمعت حولها فئات متنوعة من المحتجين، مما أدى إلى تسييس الانتفاضة من طرف السلطة التي اعتبرت أن العملية كلها تعبير عن عداء لفرنسا. وانتهى الأمر بنفي وسجن المكونين للجنة تأطير المطالب وتدبير المفاوضات. كان من الممكن أن يكون الحادثان حالتين اجتماعيتين معزولتين. ولكن الخيط الرابط فيما بين هذين الحادثين هو الإحساس بالكرامة. وقد وقع التعبير عن ذلك الإحساس بموقف فردي ليس له علاقة مباشرة بالسياسة في الظاهر. ولكن ما جعل الحادث الفردي موصولا بالحالة العامة هو الإحساس العام بأن ما هو قائم لا يقبل أن يستمر. ولهذا اعتبرت حادثة سيدي بوزيد شرارة وجدت الخواطر مهيأة. حملت في حقيبتي من تونس، كتابا عن بن علي يتصدر المكتبات حاليا. ينقل كاتبه البشير التركي عن شاعر تونسي شاب هو الصغيير ولد أحمد، وهو من مواليد سيدي بوزيد أيضا، أنه قال إن بورقيبة حكم البلاد من 57 إلى 87، وبن علي حكم منذ ذلك الوقت، وهو يحضر نفسه لولاية سادسة كانت ستستمر حتى سنة 2019 . وهكذا فإن العمر الافتراضي للمواطن التونسي هو رئيسان ونصف. الكتاب في 264 صفحة ومليء بحكايات ضابط بسيط فرض نفسه في موقع كبير. 20 مارس 2011