بدأ المستشفى الميداني المغربي، الذي أقيم بمخيم (شوشة) للاجئين بمنطقة رأس جدير القريبة من معبر الحدود التونسية الليبية (560 كلم جنوب شرق العاصمة) ،يوم الأحد ، يقدم خدماته الطبية لآلاف اللاجئين من مختلف الجنسيات ، الذين يعج بها هذا الفضاء الصحراوي الشاسع ،ذو الطبيعة القاسية. طاقة استيعابية تصل إلى ألف شخص فبمجرد الانتهاء من أعمال تركيب وتجهيز مختلف مرافق هذا المستشفى الميداني، متعدد الاختصاصات، والذي تم اختيار مكان إقامته بعناية، ليكون بالقرب من الطريق الرئيسية القادمة مباشرة من بوابة الحدود على مسافة نحو 6 كلم ، حتى بدأ مئات المرضى والمصابين يتقاطرون عليه، حيث يستقبلهم أفراد الطاقم الطبي المغربي بكل ما تتطلبه الظروف الإنسانية لهؤلاء النازحين، من أريحية ورحابة صدر للتخفيف عما يشعرون به من معانات نفسية وجسدية. ففي الساعات الأولى من صبيحة الأحد، كان عدد المستفيدين من خدمات المستشفى، قد بلغ السبعين مريضا، من جنسيات مختلفة بينهم بنغاليون ومصريون وتونسيون وأفارقة، وصار هذا العدد يتصاعد على مر الساعات إلى إن تجاوز المئات بعد الظهر ، من بينهم حالة مريض خضع لأول عملية جراحية يجريها المستشفى في قاعة خاصة لهذا الغرض. كما يستفيد من خدمات المستشفى، المواطنون المغاربة العائدون من ليبيا ،عبر بوابة رأس جدير، والذين يتوافدون تباعا في مجموعات صغيرة ، حيث يتراوح عددهم الإجمالي ، كل يوم ما بين 15 و25 فرد، بعضهم مرفوقا بأسرهم وأطفالهم. وتبلغ الطاقة الاستقبالية للمستشفى، زهاء ألف عملية فحص في اليوم ، كما أكد ذلك ، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء ، مدير المستشفى ، العقيد البروفيسور خالد الصايغ ، رئيس قسم جراحة الأمعاء بالمستشفى العسكري محمد الخامس بالرباط . طاقم طبي متعدد الاختصاصات وقال العقيد الصايغ إن التجهيزات الطبية وتخصصات الطاقم الطبي، الذي يتوفر عليه المستشفى، روعي في اختيارها عدة اعتبارات كي تتلاءم مع نوعية وطبيعة ساكنة المخيم ،أي اللاجؤون المتوافدون على المخيم وظروفهم الصحية والنفسية ، حيث يعاني أغلبهم من التعب وسوء التغذية والانهيار النفسي وغيرها من الحالات المرضية. وأوضح أن الظروف الصحية السائدة داخل المخيم الذي يزدحم بعشرات الآلاف من الأشخاص ، من شأنها أن تساهم في ظهور عدة أمراض، تساعد على انتشارها عدة عوامل، كضعف المناعة وبرودة الطقس وحالة الاكتظاظ وضعف التجهيزات والمرافق الصحية بالمخيم ،مشيرا إلى أن هناك عددا من الأمراض التي تتطلب المواجهة ، من قبيل التسمم الغذائي والاسهال والأمراض الجلدية والالتهاب الكبدي الحاد وغيرها، كما يمكن أن تظهر حالات من العدوى، خاصة إذا ما طالت مدة إقامة اللاجئين بالمخيم. وأضاف أن المستشفى يشمل عدة مرافق من بينها قاعة للعمليات وأخرى للأشعة والإكوكرافيا ومختبر للتحليلات وقاعتين للفحص في مختلف التخصصات ، مشيرا إلى أن المستشفى مجهز أيضا ب 30 سريرا للمرضى الذين تتطلب حالاتهم البقاء تحت المراقبة لفترة معينة، بالإضافة إلى سريرين للانعاش ، فضلا عن وحدة للصيدلة وسيارة إسعاف. وبخصوص الطاقم الطبي الذي يسهر على عمليات الكشف والعلاج ، أوضح مدير المستشفى أن هناك 25 طبيبا ، من بينهم أخصائيون في الإنعاش والتخدير والجراحة العامة وجراحة العظام وجراحة العيون وجراحة الأذن والأنف والحنجرة وطب النساء والولادة والطب النفسي وطب الأطفال والطب العام، فضلا عن طبيب إختصاصي في الجراحة البيولوجية وآخر مختص في الأوبئة والطب الشمولي، يساعد كل هؤلاء الأطباء، 21 ممرضا و 20 تقنيا للمساعدة الفنية. وقد خلف تواجد البعثة الإنسانية المغربية بمنطقة رأس جدير صدى طيبا لدى المسؤولين العسكريين والمدنيين في عين المكان، تجلى في الترحيب بها وتقديم كل التسهيلات اللوجيستية من أجل تمكينها من الاضطلاع بمهمتها في أحسن الظروف، فيما يتوافد على مقر البعثة يوميا العديد من سكان المنطقة، إما للترحيب والتعبير عن مشاعر الامتنان أو للتطوع في تقديم الدعم والمساعدة، بل منهم من يحمل أطباقا من الأكل والمواد الغذائية المختلفة تكريما للبعثة الإنسانية المغربية ظروف صعبة تواجه المغاربة العائدين من جهة أخرى، التقى مبعوث الوكالة، في ذات المخيم بمجموعة من المغاربة تضم 21 فردا منهم من وصل قبل يوم ، ومنهم عبر الحدود في نفس اليوم. وقد خصص لهم مسؤولو المخيم خيمة تأويهم في انتظار وصول الحافلة التي بعثتها لهم مصالح القنصلية والسفارة المغربية من العاصمة التونسية لتقلهم إلى مطار قرطاج الدولي ، للالتحاق بأول رحلة طيران تابعة للخطوط المغربية في اتجاه الدارالبيضاء. وقد تحدث هؤلاء العائدون الذين كانوا يعملون في عدد من الحرف والمهن اليدوية في بعض المدن الليبية كصبراطة وزوارة ومصراطة والزاوية، عن «الظروف الصعبة والمخاطر« التي واجهوها في طريقهم إلى الحدود التونسية ، خاصة خلال توقيفهم في العديد من نقط التفتيش من قبل الكتائب الأمنية التابعة للعقيد القدافي، حيث كانت تجردهم من هواتفهم المحمولة ، ومنهم من سلب منه حاسوبه المحمول وكل ما «خف وزنه وغلا ثمنه» ، كما قال سفيان من مراكش وزميله مصطفى من أزيلال، فيما اعتبرت السيدة مليكة من الخميسات ،التي عاشت في ليبيا نحو 16 سنة، قبل أن يضطرها كسر في رجلها اليمنى البقاء في البيت، أن عودتها إلى المغرب تعد بمثابة «ولادة جديدة» لها. وقال أغلب الذين تم التحدث إليهم، إنهم تركوا كل أمتعتهم وما يملكون وفضلوا العودة «أحياء» إلى أهلهم وذويهم في أرض الوطن ، مستبعدين الرجوع مجددا إلى ليبيا ، حتى لو هدأت الأوضاع هناك. غير أن جميع المغاربة الذين عادوا إلى أرض الوطن عبر الأراضي التونسية، أجمعوا على القول إن السلطات التونسية، قدمت لهم كل التسهيلات والمساعدات الممكنة، منذ وصولهم إلى نقطة الحدود مع ليبيا وإلى حين مغادرتهم العاصمة التونسية، عائدين إلى المغرب. مبادرات مغربية تضامنا مع تونس وفي إطار المد التضامني المغربي مع تونس، أفادت مصادر السفارة المغربية بالعاصمة التونسية، أنها قدمت كميات من الأدوية (المضادات الحيوية) وبعض المستلزمات الطبية إلى الجهات التونسية المعنية باستقبال ومساعدة اللاجئين النازحين إلى ليبيا ك`»مبادرة تضامنية «من هذه السفارة ومساهمة منها في دعم الجهود التي تقوم بها السلطات التونسية في هذا المجال. وصرحت المصادر ذاتها أن قيمة هذه المساعدة تقدر بنحو 60 ألف دولار. وفي سياق متصل، علم من مصادر دبلوماسية مغربية أن 3ر5 طن من مادة الحليب ساهم في جمعها أفراد الجالية التونسية المقيمين بالمغرب بتعاون مع العديد من المواطنين المغاربة لفائدة اللاجئين برأس جدير وخاصة الأطفال منهم. وأفادت المصادر ذاتها أن هذه الكمية من الحليب تم نقلها مؤخرا إلى تونس بواسطة الخطوط التونسية بعد أن قدمت الجهات المغربية المعنية، خاصة إدارة الجمارك، كل التسهيلات لضمان سرعة إيصال هذه المساعدات إلى المستفيدين منها.