دبت الحركة بالبيت بعدما أضاءت أشعة خافتة أجزاء من أركانه. فتحركت أقدام بين صغيرة وكبيرة طولا وعرضا في اتجاه عفوي نحو وجهة لا تحتاج لتبرير،أما المطبخ فضاق درعا بإيقاعات أخرى وتسارعها في كل اتجاه ، من الثلاجة للتزود ببعض ما على رفوفها ، لمطبخ الغاز وإضرام نار بعض فوهاته لاستقبال الأباريق وما شابهها ، للدواليب تفتح على مصراعيها لتقدم ما كان يزينها من متاع هي تحرص بكل أمانة على سلامته وبقائه ، لكنه قد يعود وقد ضاعت بعض أجزائه ، دون إغفال الحنفية التي تئن في صمت من تسيب الماء وإهداره . أما المرآة فحضورها يتصدر الساحة ، بل وتصبح قبلة الجميع ، فهي تنقل لكل من استأنس بها ، تضاريس ملامحه بكل إخلاص وفي شفافية مطلقة ، من عيون نصف مغمضة ، أو جفون نعسانة ، لشعر أشعث لا يعرف له وجهة ، لهندام لم يخلع بعد بذلة نوم يعتاد عليها صاحبها رفقة السرير ، لوجوه بعضها عابس بسبب الاستيقاظ المبكر ، وقد لا يحلو للبعض الكلام أو حتى التبسم قبل وجبة الفطور. تعكس المرآة صورة صاحبها الذي يقف أمامها وهو يحاول جادا إصلاح آثار النوم بشتى الوسائل من غسل للأطراف ، إن لم يكن قد شمل البدن برمته،لغسل الفم بالفرشاة والمعجون،لمشط الشعر وتزيينه ، لإضفاء حلة على الهندام ولو حتى بثياب قد لا ترضى عنها العين ذلك الصباح ، إذ سبق أن عانقها مرات عدة ، وقد يصير أمر ارتدائها تندرا في جلسات الفضوليين وصليطي الألسن وأصحاب التعاليق ، ومن يجدون راحتهم في التندر والتهكم على أذواق آخرين . المهم أن تغييرا حصل في منظر القوم بعد برهة من الزمن ، أناقة بعضهم مكتملة متناسقة ، أو زائدة عن اللزوم ، وبعض آخر وجد في الوقت المبكر للاستيقاظ حجة التقصير في إضفاء ما يليق على الهندام ، والاكتفاء بما وجد أمامه دون تكليف الفكر كبير عناء اختيار وتمحيص . الطاولة تتألق بما جاد به الظرف في انتظار لحظة التفاف ودفء ، سرعان ما تتحول إلى شبه استنجاد لأواني الشاي أو القهوة أو الحليب وكل ما على الطاولة أمام سباق الأيدي ، وتسلط الأفواه ، واستبداد الأسنان بكل ما يقع تحت رحمتها ودون هوادة . وقد يصل الاستنجاد حد التأفف مما قد يراق من أكواب على الخوان ، أو فوق بساط الغرفة ، إن لم يصب أطراف الثياب ، لصغر عدد من الأيدي ، أو سرعة حركة غير محكمة . أما عقارب الساعة فتقف منتصبة أمام الأعين وهي تدق دقاتها منبهة في قلق ، خوفا من انفلات عقارب الساعة والزحف بالزمن نحو تأزم في حركة المرور ، والدخول في معركة مع الاكتظاظ بالطرقات ، وتعدد حالات التسيب أمام كل الإشارات ، فالكل على عجل من أمره . بعد هذه المحطة ، ماذا سيحصل لكل مساهم في معركة الصباح ؟ ومن الأكثر حظا ؟ لا أحد يدري . فأغلب القوم سيغير وجهته بعد قليل ، ثم ينتقل لمحطة أخرى في مشهده اليومي ، وينسج حكاية جديدة من حكايات الزمن بعض عناصرها موروث والبعض الآخر سيولد من جديد.