مهما تحدثنا عن وجوه الاتفاق بين الرجل والمرأة، وعن وحدة الثقافة وما يؤمِّنه الاعتقاد والتدين من رؤية مشتركة، فالحقيقة الناصعة هي أن هناك اختلافا في التركيب الجسمي والنفسي والعقلي بين المرأة والرجل، وهذا أدى إلى تباين الوظائف والأدوار في الحياة، وتباين الطموحات والتطلعات، وتباين المعارف والخبرات... وحين يكوِّن الرجل والمرأة كياناً واحداً هو الأسرة؛ فإنّ هذا يعني تعارض الكثير من الأذواق والرغبات والرؤى والمصالح والمعايير، ويعني كذلك: أنّ على الزوجين أن ينظرا إلى هذا الاختلاف على أنّه محور ومَعْقِد للابتلاء حتى يظهر بوضوح كيف يتصرف كل واحد منهما التصرف السويّ والملائم، رغم عدم اقتناعه به على نحو كامل، وحتى يظهر كذلك ما لدى كل منهما من تقوى وورع وتهذيب وخُلُق وفهم... إنّ الإختلاف بين الزوجين يمكن أن يدمّر الحياة الأسرية كما يحصل في حالات كثيرة، ويمكن له أن يُثري الحياة الأسرية، ويكون مدخلاً للشعور بالتعاون والتكامل، على قاعدة: "نختلف لنأتلف". ولعلي أشير إلى شيء من وجوه الإختلاف بين الزوجين عبر الحروف الصغيرة الآتية: 1- من الواضح أنّ شعور الرجل بالحاجة مع زوجته غالباً ما يكون أضعف من شعور المرأة، ولهذا فإنّ الرجل حين تدعوه زوجته للتحدّث في أمر من الأمور لا يخطر في باله أن من أهداف هذه الدعوة تحقيق شيء من الإشباع العاطفي لديها، وإيجاد فرصة مناسبة حتى تتحدّث، وتجد مَنْ يستمع إليها، ولهذا فإنّه يريد أن يعرف بدقة: لماذا الحوار؟ وعن أي شيء سيكون؟ وما الزمن الذي يتطلبه؟ وإلى أي شيء يمكن أن يفضى في نهاية المطاف؟ أي أنّه يبحث عن ملابسات الحوار كما يبحث متفاوضان عن شركتين حين يريدان عقد صفقة من الصفقات. المرأة في (اللاوعي) لديها لا تريد حلولاً جذرية، ولا تريد أن تمضي الأمور وفق منطق صارم، كما أنّها لا تريد أن تعرف بدقة الهدف من الحوار ولا مآلاته؛ وهذا يشكل نقطة جوهرية في فشل الحوار بين الزوجين، وبما أنّ الفهم هو بداية كل الحلول؛ فإنّ على الرجل وعلى المرأة أن يحاولا مراعاة بعضهما، وسلوك المسلك الذي يلائم الجميع، على المرأة أن تقول لزوجها: أود أن نجلس نصف ساعة لمناقشة موضوع كثرة خروج ابننا فلان من المنزل، وإنّ لديَّ بعض الأفكار المفيدة في هذا، وعلى الرجل من جهته أن يتوقع للحوار أن يأخذ وقتاً أطول، وأن لا يقتصر على موضوع واحد، وقد لا يكون لدى زوجته سوى فكرة واحدة وليس مجموعة أفكار، وعليه أن يتقبَّل كل هذا برحابة صدر، فهذا ما يلاقيه كل رجل في كل مكان من العالم. 2- حين يواجه الرجل مشكلة خارج المنزل، في عمله أو مع بعض الناس، فإن من طبيعته الميل إلى التكتم عليها، وعدم مفاتحة أهله بها، وذلك لأنّه لا يريد أن يثير قلقهم، وهو يعرف أنّهم في الغالب لا يستطيعون مساعدته، ولا يعرفون ما يحدث هناك، ولهذا فإنّه يحب حينئذ أن يعتزل أهل بيته، وأن ينصرف إلى التفكير على نحو منفرد. المرأة بما لديها من حب لزوجها وبما لديها من نبل وشفقة تود أن تعرف تفاصيل ما حدث معه، وتعرض ما لديها من مقترحات، لكنها تفاجأ برفض زوجها لذلك التعاطف، وبرودة استقباله لكلامها، فيؤدي ذلك إلى انزعاجها... والموقف الصحيح الذي كان عليها أن تقفه هو ترك الرجل وشأنه، وتقديم الدعم النفسي له: أنا أعتقد أنّ المشكلة عابرة وصغيرة، وأنت قد تجاوزت ما هو أكبر منها، وعلى العموم حين تجد لديك رغبة لنتناول مع بعضنا فنجان قهوة فأخبرني، وإذا كنت تود أن أرسل لك بشيء الآن أرسلته... أما المرأة؛ فإنّها حين تواجه مشكلة، فإنّها تجد في التحدث إلى زوجها أو أولادها أو صديقاتها ما يخفف من كربها وتأزمها، وهي تشعر أنها حين تحكي ما جرى لها وما عليها أن تفعله، بأنّها تروّض الإنفعالات المزعجة التي تعاني منها، إنّ المرأة في هذه الحالة لا تنتظر في المقام الأوّل حلولاً لمشكلتها، لكنها تبحث عمن يُصغي إليها، والرجل لا يعرف ? في الغالب ? هذا المعنى، ويقيس زوجته على نفسه، ويتركها تواجه مشكلاتها وحدها، مما يؤدِّي إلى عتبها عليه، وشعورها بأنّه غير مهتم، ولا يُعتَمد عليه في الشدائد، إنّ هذه المعرفة بتفاوت الطباع والتطلعات تفتح لنا سبلاً للفهم والتفاهم. 3- من الواضح أنّ المرأة تُظهر قدرة على الكلام والنقاش أكبر مما يُظهره الرجل، وتُظهر قدرة على الخروج عن الموضوع الأصلي في الحوار، ثمّ العودة إليه بسلاسة أكبر مما يُظهره الرجل، ولهذا؛ فإنّه حين يتحاور الزوجان فإنّ المرأة تكثر من مقاطعة الرجل، وتظن أنّه ليس في ذلك أي مشكلة؛ لأنّها لا تجد صعوبة في مواصلة حديثها والتفاهم مع مَنْ أمامها، ولو كثرت المقاطعات والاستطرادات، وحين توجه إلى الرجل سؤالاً أثناء الحوار، وببطء عليها في الجواب؛ فإنّها تستغرب من ذلك، وتسارع إلى القول: إنّها أفحمته، ولم يعد لديه ما يقوله، وفي بعض الأحيان تظن أنّه من خلال تأخره في الجواب يبحث عن مخرج أو حيلة أو شيء من هذا القبيل! إنّ على الرجل أن يعوّد زوجته التكلم ببطء، والتفكير في الكلمة قبل النطق بها، وعليهما أن يتعوَّدا عدم المقاطعة لبعضهما أثناء التحدث والحوار، ولاسيما عند بحث القضايا المهمة والمشكلات الملحة؛ لأن بحثها يحتاج إلى هدوء وتركيز. إنّ المرأة وهي تحاور تستجيب أكثر لعواطفها، وهذا يجعل إطلاقها للأحكام أسرع، وربّما حسمت بعض القضايا الكبرى ? طلب الطلاق مثلاً ? بسرعة البرق، وليس الرجل كذلك. المطلوب من الأزواج تعاطف وتواصل أفضل من نسائهم في أوقات الأزمات، ومطلوب من المرأة أن تدرك أن بطء زوجها أثناء الحوار وأثناء إصدار القرارات هو لمصلحة الجميع. إنّ الحرص على المزيد من الفهم المتبادل سوف يساعد الزوجين على تجاوز الصعاب والأزمات، وسوف يجعل حياتهما الأسرية أهنأ وأجمل وأهدأ. - نقاط للتذكر: * دراسات كثيرة تؤكد أن غياب الحوار بين الزوجين من العوامل الأساسية في الشعور بالتعاسة وحدوث الطلاق. * الحوار بين الزوجين مقصود لذاته وصمت الزوج مزعج لزوجته، ولهذا فإن على الزوج أن يتحدث إلى زوجته، ولو لم يكن لديه شيء يقوله. * الحوار يقي الحياة الزوجية من كثير من المشكلات، ويطرد عنها الركود والملل. * يحتاج نجاح الحوار بين الزوجين إلى تحديد الهدف الجوهري من التواصل، وشيء من الهندسة والإخراج لذلك التواصل. * لا يصح إرغام أحد الشريكين على الدخول في حوار لا يريده، وإذا كانت هناك مشكلة؛ فلابدّ من أن يمنحها أنفسهما الوقت الكافي لحلها. * العلاقة بين الزوجين عميقة جدّاً وهشة جدّاً، وهي تحتاج إلى رعاية دائمة. * لا للتهديد، ولا للابتزاز العاطفي، ولا لجعل الحوار مناسبة لتقديم الطلبات. * على الزوجين الصبر على الحوار، وإلغاء فكرة الانسحاب منه نهائياً. * الرجل والمرأة كائنان مختلفان، ونجاحهما في الحوار يتوقف على فهم كل منهما لطبيعة صاحبه. هذا ما أحببت أن أقوله في هذه الرسالة، وقد كان المقام يتطلب أكثر مما كتبت، لكن الحرص على الاختصار وتقديم وجبة ثقافية وتربوية خفيفة هو الذي دعاني إلى التوقف عن كتابة المزيد. المصدر: كتاب التواصل الأسري (كيف نحمي أسرنا من التفكُّك)