شارك في إطار المهرجان الوطني للفيلم في دورته الثانية عشرة بطنجة، المخرج المغربي داود ولاد السيد بفيلمه الأخير «الجامع»، وقد لقي استحسانا كبيرا من النقاد والجمهور بين ردهات القاعة، لقوة فكرته، لذلك التقيناه ليحدثنا عن فيلمه وعن السينما المغربية بشكل عام، فكان هذا الحوار.. لماذا فيلم الجامع في هذه المرحلة بالذات ؟ فكرة فيلم «الجامع» جاءت عن طريق حدث وقع لي، عندما كنت أصور فيلمي الأخير «في انتظار بازوليني»، حيث بنينا مجموعة من الديكورات ومن بينها ديكور الجامع، ولاحظنا أن الناس يأتون للصلاة داخل ديكور المسجد، وكأنه مسجد حقيقي، ومن هنا استقيت فكرة فيلم «الجامع»، وقلت مع نفسي، ماذا سيقع للشخص الذي اكترينا منه الأرض، وهل سيكتفي بتعويض عن الأرض أم سيتم إزالة المسجد، بمعنى آخر، ما هو الحل لهذا المشكل، لهذا سافرت إلى الرباط وسألت بعض الفقهاء وأساتذة في الفقه الإسلامي حول هذه الإشكالية، والجميل في الموضوع، أن كل واحد يقول رأياً مختلفاً عن الآخر، ولم يتفقوا على فكرة واحدة، كما شاهدتموه في الفيلم، فواحد يقول إن الشخص الذي بنى المسجد في أرضه سيدخل الجنة وله كل الحسنات، وآخرون قالوا إن الحسنة لا تؤخذ بالقوة، أما بعضهم فقد قال إن ديكور المسجد هو بناء عشوائي، ولا توجد فيه شروط القيام بفريضة الصلاة، بل أضافوا أن صومعة المسجد غير متجهة للقبلة، هذا الاختلاف في الرأي هو عمق الفيلم، وتناولت فيه كيف يستغل الدين لمصلحة بعض الناس. هل يمكن القول إن فيلم «الجامع» بمثابة قراءة أخرى في تيمة الإرهاب؟ في أفلامي لا أشتغل أبدا على الطابوهات، وهي ثلاثة: الدين، الجنس والسياسة، وصعب على الانسان أن يتكلم فيها، كما لم أقل إنني سأتطرق لمشكلة الدين، بل مثلما أسلفت، وجدت نفسي في مشكل، وهو حدث بسيط للغاية، ولم أقم في فيلمي بتصوير أشخاص ينفجرون أو مثل هذا القبيل، فقط حاولت النبش في مشكل عادي وجاء عن طريق الصدفة. في جل أفلامك تقريبا، تتعامل مع الانسان البسيط، من أين استقيت هذا العشق لهؤلاء الشخوص؟ أنا من مراكش، وابن الأحياء الشعبية، ووالداي من بسطاء الناس، لم يتعلموا القراءة أو الكتابة، أنا الوحيد في الأسرة الذي تابعت تعليمي، لكن لهما روح جميلة وطيبة، وتجربة في الحياة، إنهما يمتلكان الحياة، لقد كبرت في هذا الوسط، وفي جامع الفنا القريب من مسكني برياض الزيتون، وأنا أعبر في أفلامي عن جذوري الأصلية، وأعشق الناس البسطاء والمتواضعين. أثير في نقاش حول فيلمك، أن الايقاع في أعمالك السينمائية ثقيل وبطيء، كيف ترد على مثل هذا السؤال؟ السينما التي أعشق هي التي تتميز بهذا البطء، وهناك فرق في اللغة السينمائية، بين البطء والتطويل الذي ينتج الملل، وهو فرق كبير في نظري، وقد نجد في أفلام الحركة أحيانا، أنها مملة وغير مشوقة، أنا أصنع أفلامي شبيهة بالوسط الذي أعيش فيه، فمثلا نحن نصنع الشاي وأنت تعرف طقوس الشاي، وكم من الوقت يستغرق إعداده، تضعه على النار، تغليه، تقول كلمة، تنصت، تعيد قلبه أكثر من مرة، تتحدث، تعاود قلبه، إنه إيقاع جميل ويختلف طبعا عن «كوكاكولا»، وأظن أنها مسألة أذواق، واحد يحب الشاي وطريقة تحضيره والبعض يحب «كوكاكولا»، إضافة إلى أن هذه السينما هي التي أحب. رأيك في السينما المغربية الآن؟ أظن أن السينما المغربية وبكل صدق جيدة من حيث الكم، مثلا في هذا المهرجان لدينا 19 فيلما طويلا وأخرى قصيرة، وهذه أمور جيدة، طبعا ثمة هي التي تكون في هذه الأفلام الجيد وغير الجيد، لكن ستأتي الجودة عن طريق التراكم، وإن لم نصنع أفلاما لن تكون لدينا الجودة، فمثلا ينتجون في أمريكا أكثر من 500 فيلم، لكن 10 أفلام هي التي تكون جيدة إن الايرانيين أيضاً يصنعون 80 فيلما في السنة ولا نرى إلا ثلاثة أو أربعة هي الجيدة، إذن بكل صدق، أقول إن هذا هو العصر الذهبي للسينما المغربية، وأتمنى أن يزداد عدد الأفلام في المستقبل.