منذ سقوط الخلافة العثمانية نتيجة عوامل خارجية وأخرى داخلية والعالم الإسلامي عرضة للتمزيق والتفريق والتجزيء، إذ كان هدف القوى المهيمنة ولا يزال تفتيت وحدته، وتفريق شمله إلى أقصى درجةٍ ممكنة حتى يسهل أكثر فأكثر استنزاف خيراته، واستغلال مُدخراته، واستلاب إنسانه، واستتباع مجتمعاته. لقد كان شعار حملة الاستعمار، ولا يزال في صور ماكرة جديدة، هو «فرِّق تَسد»، لأنّ مُخطّطي حملاتِه ومروّجي فكره وسياساتِه التّفريقية أدركوا منذ أمدٍ بعيد أنّ الأمّة الإسلامية ما بقيت مُوَحَّدة الصُّفوف حول كتاب ربّها وسنّة نبيّها ومنهج إسلامِها، تجمعها أخوّة الإيمان التي هي أسمى أخوّة، وتُوحِّدها ربّانية الرّسالة وإنسانية مقاصِدها، فإنّها ستظل مستعصية على كل محاولة احتواء أو اختراق. وعلى الرغم من تنبيه كثير من المفكرين والمصلحين منذ بداية الأطماع الاستعمارية الحديثة إلى هذا الخطر فإنَّ استغفال بعض الفئات وإيقاعها في مصائد الفتنة والصّراعات والنّزاعات الطّائفية وشبه الطّائفية قد زاد من قابلية المجتمعات الإسلامية للتمزق والفرقة والتجزيء. إن حلم المستعمر، بالأمس واليوم، أن يرى عالما إسلاميا متشظياً متلاشياً حتى يكون لقمة سائغة في فم أطماعه، وأرضاً مسخرة لمصالحه وخدمته. وقد أدرك أحد قادة الاستعمار أن المسلمين لا يمكن القضاء عليهم ماداموا متمسكين بالقرآن العظيم، فأعلن ذلك أمام الملأ. ومع أن إعلانه لا يخفى على من سمعه، ولا على من سمع به، فإن التهافت إلى هاوية التمزق والفرقة مافتئ يحكم مجتمعات عالم المسلمين. إن السياسة - في تعريفها الإمبريالي - خدع وحيل ومكر ودسائس ومصائد لإيقاع الشعوب في قبضة مستحكمة والتهام خيراتها، وسلخها عن هويتها، ومن ثم استعبادها وتذويبها. وهناك آلاف الأساليب لتحقيق هذه الأهداف الخبيثة، في مقدمتها زعزعة استقرار البلدان الإسلامية، وبث الفرقة والنزاعات الدموية بين أبنائها. لقد استدارت دورة الاستعمار وجدد خططه الحداثية التي يسخر لها الإعلام والتكنولوجيا والدراسات الاستراتيجية. فإذا بالبلدان تتمزّق من الداخل فتكفي القوى المهيمنة مشقة وكلفة التدخل العسكري! يا لها من خدعة ماكرة ما كان لها أن تنطلي على كل مَن قرأ قول الله تعالى: «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا» وقوله: ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم».