تتواصل بكيفية منتظمة و مضبوطة عملية عرض الأفلام المبرمجة في إطار المسابقتين الخاصتين بالأفلام الطويلة والقصيرة للدورة الثانية عشرة للمهرجان الوطني للفيلم بطنجة، وهي أفلام متنوعة المواضيع و متناولة بأساليب مختلفة، أغلبيتها روائية و البعض القليل منها وثائقي، بل إن جلها لم يشاهد من قبل و تعرض لأول مرة، و القليل منها سبقت مشاهدته في بعض المناسبات، مما يجعلها تستقطب جمهورا يفوق سعة القاعة السينمائية "روكسي". كان هذا الجمهور بعد زوال أول أمس على موعد مع الفيلم "العربي" للمخرج إدريس المريني الذي بدل فيه مجهودا ملموسا و جعل منه، بالرغم من بعض الإكراهات و ضيق الإمكانيات المادية ، عملا مضبوطا مقنعا و مؤثرا و محركا للعواطف و مستقطبا للانتباه بموضوعه و مضمونه و تطوراته و طريقة تناوله في الكتابة و المونتاج و الإخراج و التصوير و الكاستين و التشخيص وتنوع الفضاءات الداخلية و الخارجية داخل المغرب و خارجه. قامت ببطولة هذا الفيلم نخبة من الممثلين المغاربة والأجانب من بينهم؛ فضيلة بنموسى و محمد كشلة و محسن مهتدي و عبد الحق بلمجاهد و بشرى أهريش، و حنان إبراهيمي،وماريون دسبويس وفرنان شومبوصيل و أليساندرو أوتوفيجيو، كما قام فيه الفنان يونس ميكري بإنجاز موسيقى تصويرية موفقة و مناسبة لمختلف الأجواء و الفترات الزمنية. الفيلم عبارة عن تكريم للعربي بنمبارك (الجوهرة السوداء) ويندرج في إطار ثقافة الاعتراف و عدم النسيان،لا يركز فيه الاهتمام على العربي كرياضي متألق في كرة القدم فقط ، بل يتوسع أكثر في شخصيته كإنسان جدي و حنون و صبور و متواضع و كريم و منضبط و متشبث بدينه الإسلامي و هويته المغربية و غير مستسلم للإغراءات، و يتجلى كل هذا من خلال علاقته مع أفراد عائلته المغربية و زوجته الفرنسية وصديقيه "حسن بالمكي" (حارس المرمى) و الملاكم العالمي "مارسيل سيردان" و زملائه الفرنسيين و الإسبانيين. تطلب هذا الفيلم و قتا طويلا في كتابته و تحضيره، و تطلب مجهودات و عزما قويا لتجاوز مختلف أنواع الإكراهات المادية وغير المادية،وهو ليس فيلما وثائقيا أو سيرة ذاتية، بل هو عمل سينمائي روائي استوحت قصته من حياة البطل الأسطورة الحاج العربي بن مبارك (1917-1992) و من مساره الرائع و المؤثر الذي عاش فيه أحداثا سعيدة و أحداثا أخرى محزنة كان من أبرزها وأكثرها مرارة فقدانه لزوجتيه وأبنائه الثلاثة ومرض ابنه و معاناته المريرة مع المرض ووفاته. يرصد الفيلم خلال 105 دقيقة بواسطة لقطات الحاضر و لقطات "الفلاش باك" مسار شخصية "العربي" منذ أن كان يلعب كرة القدم حافي القدمين في طفولته إلى وفاته في عزلته بالدار البيضاء مرورا بعهد الاستعمار الفرنسي إلى ما بعد الاستقلال. يعد "العربي" من أكبر رجالات كرة القدم وألمع الأسماء في المجال الرياضي، إذ كان رحمه الله يتمتع بموهبة و بقدرات رياضية هائلة في مجال كرة صقلها و طورها إلى أن أصبح نجما لامعا داخل المغرب قبل أن ينتقل إلى فرنسا و إسبانيا للانضمام إلى فرق عريقة في مجال كرة القدم مثل "أولمبيك مارسيليا"و" المنتخب الوطني الفرنسي" و"أتلتيكو مدريد". سبق للمخرج إدريس المريني في سنة 1982 أن قام بإخراج الفيلم التاريخي و الوطني "بامو" بمشاركة نخبة من ألمع الفنانين المغاربة، و سبق له كذلك أن أخرج عدة حلقات من البرنامج التلفزيوني الناجح "وثيقة" (1984-1985) الذي استضاف في إحدى حلقاته العربي بنمبارك، و الجمهور المغربي يعرف إدريس المريني من خلال إعداده و إخراجه للبرنامج التلفزيوني الناجح "نغموتاي".