كثيرا ما كنت أسمع بجزيرة الوقواق لكني لم أكن أصدق أنها موجودة على الأقل في المغرب، لكن بعد تعييني بأحد مناطق المغرب «غير النافع» خلال منتصف الثمانينات أيقنت أن جزء كبيرا من هذا الوطن يحق له أن يحمل اسم جزر الوقواق. بعد انتهاء مدة التكوين تخرجت من المركز وكلي نشوة واعتزاز، فعلى الأقل سوف لن أدندن في أذن أمي كل مرة لتعطيني ثمن القهوة والجريدة، أما الأب فلم أكن أقدر على مفاتحته في الأمر إلا إذا جاءت المبادرة منه. تلقيت التعيين ب م/م أولاد علي بنيابة ميسور إقليم بولمان، أصابني القلق أول الأمر لطول المسافة التي تفصل بين عاصمة عبدة وهذه المدينة التي لم يسبق لي أن سمعتها إلا أثناء النشرة الجوية، التي كانت تمدنا بكمية الثلوج المتساقطة على جبال بولمان، غير أن قلقي لم يطل بعدما عرفت اسم المجموعة، على الأقل اسم سهل وبسيط ربما تكون المنطقة أكثر يسرا من مناطق أخرى هكذا فكرت. أخذت تعييني واتجهت صوب المدينة الأقرب كما نصحني بذلك موظف النيابة، والمدينة تبعد عن النيابة ب 45 كلم، ولما وصلت إليها بدأت أسأل عن المجموعة ولا أحد يعرف لها مكانا ولما يئست توجهت إلى قيادة المدينة، استقبلني كاتب القيادة، فقدمت له ورقة تعييني وسألته عن م/م أولاد علي فضحك ملأ فمه بصوت عال، ومد يده لي لمصافحتي ثانية وقال: أولاد اعلي (بتسكيني العين وليس بفتحها) آنذاك أيقنت لماذا لم يتعرف إليها البعض بعدما ظننت فيهم أسوا الظنون. أيقنت أن المتاعب بدأت، خصوصا لما أخبرني هذا الموظف أنها تبعد ب 30 كلم أخرى كلها طريق غير معبد، ولا وسيلة نقل، وسيلة النقل الوحيدة شاحنة Birlet Six وتذهب مساء الأحد إلى القرية لتعود صباح الاثنين الذي يصادف يوم السوق، وترجع إلى القرية مساء اليوم نفسه وذلك لنقل القرويين للتسوق، وما عدا ذلك المطلوب كراء شاحنة أو ما شابه، أو الاتصال بالمدير أو المعلمين الآخرين لمعرفة كيف سيغادرون. بحثت عن فندق للنوم لم أجده، كل ما هناك بيوت طينية صغيرة داخل دور متهالكة، أو داخل ما يسمى هناك ب «الفندق» بفتح الفاء وتسكين النون مخصص للدواب وجانب آخر للقرويين. اكتريت أحدها ولم أستطع النوم ليلا، بوجود الناموس والصراصير والرائحة الكريهة المنبعثة من كل جانب. صباحا ذهبت إلى مكان رسو الشاحنات وكم فرحت لما وجدت بجانبها وجوها لأشخاص غرباء حدست أنهم رجال تعليم، وفعلا صدق حدسي، تعارفنا فيما بيننا، وكل منا يواسي الآخر خاصة القدامى. انطلقت بنا الشاحنة في طريق أشبه بطرق تورا بورا بجبال أفغانستان، بل هي اكثر صعوبة منها، لدرجة أن بعضنا بدا بالشهادة، فيما البعض الآخر يغمض عينيه عندما يظهر أسفلنا واد عميق، وعندما ترفع رأسك يظهر لك أول الطريق في أعلى قمة الجبل. بصراحة لا يمكنني وصف رحلتي هذه في حيز ضيق، وأظن البحر والصحراء أهون من العبور إلى تلك المناطق، على الأقل للبحر والصحراء سرابهما الذي يعطي الأمل، أما هنا فلا أمل سوى في كلمات القرويون البسيطة والمواسية. ________________________________ ركن خاص بذكريات رجال ونساء التعليم : اللقاء الأول مع التلاميذ، العلاقات مع محيط المؤسسة التعليمية، العلاقة بالرؤساء والزملاء، طرائف وقعت خلال الحياة المهنية وغيرها من الذكريات... كاتبونا عبر البريد الالكتروني [email protected]