تعيش العديد من البلدان العربية والإفريقية والتي في غالبيتها المطلقة، أخلفت الموعد مع الديمقراطية،تحديات أمنية كبيرة قد تعصف بوحدتها التي بنيت على توازنات هشة أو على قبضة حديدية بدأ يتسرب إليها الصدأ.. أحداث مصر الأخيرة التي استهدفت المسيحيين في الإسكندرية ، وقبلها أحداث ساحل العاج التي عوض أن تفرز الانتخابات بها رئيسا للدولة أفرزت رئيسين، وقبلهما معا الواقع الطائفي الذي أصبح ركيزة أساسية في كل من لبنان والعراق حيث يصعب تصور مستقبل للبلدين بعيدا عن الطائفة. في مصر أدت الشعارات التي استهلكت منذ ثورة الضباط الأحرار إلى دخول البلد في حالة الطوارئ لم ترفع إلى اليوم ، وتم التضييق على المشاركة السياسية والتنوع السياسي والحزبي وألبس الجميع عباءة واحدة ، كانت مليئة بالثقوب التي تسلل منها التطرف الذي عانق الأزمة الاجتماعية والاقتصادية لشعب يتراوح عدد سكانه أزيد من ثمانين مليون نسمة، مما شكل فرصة للأمنيين للمزيد من الضبط والتحكم وبالتالي مزيدا من الاحتقان والتوتر والغضب المكتوم، وكانت الانتخابات التشريعية الأخيرة التي واجه فيها الحزب الحاكم نفسه وانتصر على نفسه وإكتسح برلمانه، وقضى على كل صوت معارض مما سوف تكون له نتائج وخيمة في المستقبل ، خاصة وأن مصر تدخل مرحلة جديدة يتم فيها ترتيب إنتقال الحكم من جيل الرئيس مبارك إلى جيل آخر قد يكون نجله جمال، هذا الانتقال كان من الأفضل أن يتم والمعارضة داخل البرلمان لا خارجه، معارضة المؤسسات تعطي قيمة مضافة لأية ديمقراطية رغم حدتها وقوتها، لكن أي معارضة في الشارع فهي دليل على فساد الديمقراطية وتضخم السلطوية وتغييب التعدد، وهو ما يكون في الغالب محط إدانة قوية في الداخل والخارج ..هذا الخارج ليس بعيدا عن العنف الطائفي الذي سجل ليلة رأس السنة الميلادية واستهدف القبطيين ، قد لا يكون غياب الديمقراطية سببا مباشرا في الأحداث لكن بدون شك ، فإن غياب الديمقراطية يفسح المجال واسعا لتيارات فكرية عدمية ، لا تنظر إلى الاختلاف سوى كبدعة ولباقي الشركاء في الوطن سوى كذميين ، يجب أن يرحلوا إلى أرض الله الواسعة ، هذا الواقع قد تستغله أطراف إقليمية ودولية من مصلحتها أن تكون مصر في حالة فتنة داخلية ، وهنا لا يجب أن ننسى إسرائيل ... في ساحل العاج كانت الانتخابات فرصة لوضع حد لحرب أهلية أتت على الأخضر واليابس، ورجعت بالبلاد سنوات إلى الوراء ورهنت مسلسل التنمية لأجيال قادمة، الذين تابعوا الانتخابات عن قرب يعلمون أن ما كان مؤملا منها هو في الواقع بعيد كل البعد عن السياقات التي جرت فيها، حيث أن معسكري «وترا» و»غباغبو» معا فوتا الفرصة على ساحل العاج عندما اختارا إجراء انتخابات على أساس قبلي، فكلا الزعيمين ينتميان إلى أكبر قبيلتين في ساحل العاج، وحيث أن الانتخابات في الواقع جرت على ذلك الأساس فإنه كان متوقعا أن نتائجها سوف تكون مرفوضة من أحد الطرفين، لأن الأحزاب يمكن أن تقبل الخسارة في الانتخابات، والبرامج السياسية يمكن أن تنهزم في الانتخابات..لكن القبائل لا تقبل أبدا أن يُسجل عليها أنها هزمت في الانتخابات...وهذا ما جرى حيث كان الفارق بسيطا بين الطرفين أو القبيلتين، لذا فإن المطالب المتكررة لغباغبو بمغادرة السلطة أو تحمل تدخل عسكري، بالنسبة له هي مجرد « تفراق اللغة «لأن «غباغبو» يمكن أن يعبئ نصف سكان ساحل العاج ويجعل من اية قوات دولية قوات غازية تجوز مقاومتها، غريمه « وترا» ارتكب خطأ قاتلا عندما دعا الأسبوع الماضي إلى إضراب عام ليظهر للعالم أنه الرئيس الشرعي ، فكانت النتيجة أن الإضراب فشل فشلا ذريعا مما مس شرعيته كمنازع على السلطة، الحل هو الحوار والبحث في معالجة الأسباب الحقيقية، وذلك بتغيير طريقة انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، والعمل بالنظام البرلماني، حيث يمكن تقسيم القبيلتين الكبيرتين على مجموعة من الأحزاب، ومن تم يمكن تشكيل تحالفات قد تكون ذات طبيعة سياسية لانتخاب رئيس للوزراء مع الاحتفاظ للرئيس باختصاصات رمزية ، ولما لا يمكن أن يكون «غباغبو» رئيسا للدولة و«وترا» رئيسا للوزراء في مرحلة إنتقالية تمتد سنتين... في لبنان أصبحت الدولة أصغر من الطائفة، ويعتبر هذا البلد هو البلد الوحيد في العالم الذي يشارك فيه الجميع في الحكومة ومع ذلك تكون هناك معارضة وأكثرية ، وهي تموقعات تتم من داخل الحكومة..لبنان لا يمكن فيه لسياسي أن يجد موقعا سوى إذا تموقع داخل طائفته وكل ابتعاد عن الطائفة يعد انتحارا سياسيا، والأحزاب غير الطائفية على قلتها تقع على هامش الحياة السياسية وغير ذات جدوى في التعاطي مع الشأن اللبناني، في لبنان لم تعد المواطنة هي الرابطة الأساسية لممارسة الحقوق السياسية والمدنية، بل الانتماء الطائفي هو المحدد الأبرز، وحيث أن كل طائفة في السياق اللبناني ليست بالقوة التي تسمح لها بحسم موقعها في خريطة المصالح داخل الوطن، فإن الجميع يبحث عن تحالفات خارجية للإستقواء الداخلي، حتى سارت مشاكل لبنان الحقيقية والخطيرة تحسم بعيدا عن بيروت، مما يرهن البلد للمصالح الأجنبية واستراتيجياتها المختلفة في المنطقة، باختصار فإن لبنان ظل الطريق نحو الديمقراطية ورهن مستقبله ومستقبل أبنائه بأمزجة زعماء الطوائف والمصالح الإقليمية والدولية في المنطقة... في العراق اهتدت الإدارة الأمريكية إلى حل سحري منبثق من التجربة اللبنانية، حيث جعلت العراقيين يكتشفون فجأة، أنهم ليسوا عراقيين وكفا..بل هم شيعة وسنة وأكراد وتركمان...وأن عراقيتهم يمكن أن تنظر بعد أن امتد الشوق إلى الانتماءات الغريزية التي لم تقتل على عهد صدام، بل كان نظام هذا الأخير المبني على هيمنة الحزب الوحيد، يعمل بمثابة مخدر يحتفل بالوحدة الوطنية وفي القلوب شئ من حتى...ما إن انهار النظام الذي لم يُعلم العراقيين كيف يكونوا ديمقراطيين ويقبلون اختلافاتهم الطائفية واللغوية والدينية، حتى عادت الغرائز لترسم خارطة الطريق لوطن مثقل بجراح الماضي ولتفتح في وجه جراح جديدة قد لا تنتهي، ببساطة لأنها اليوم ليست قائمة على ديكتاتورية الفرد، بل قائمة على ديكتاتورية الطائفة... هذه بعض من الدروس لبلدان فضلت أن تقود شعوبها نحو مغامرات قاتلة، ودروس أيضا للتأكيد على أن الغرائز عندما تستيقظ في الشعوب فإنه يصبح من الصعب التحكم فيها، وقانا الله وإياكم منها إلى الغد