دأبت مصالح الخزينة العامة للمملكة على رفض التأشيرة بصفة عامة على النفقة بدعوى عدم احترام الآمر بالصرف المُفوَّض لمقتضيات قرار وزير الاقتصاد والمالية رقم 09 266 الصادر بتاريخ 29 يناير 2009 بشأن تحديد قائمة الوثائق والمستندات المثبتة لمقترحات الالتزامات وأداء نفقات الدولة الخاصة بالمُعدات والخدمات. ان المُتمعن في هذا القرار يستنبط أن تحريره إنما تم على عجل ومن أشخاص غير مُختصين في المجالات التي نظمها أو حاول تنظيمها، وذلك سواء على مستوى المصطلحات المستعملة، أو من حيث المضمون، وإليكم التوضيح التالي من وجهة نظرنا. أولا: من حيث المصطلحات المستعملة: أكد قرار وزير الاقتصاد والمالية فيما يخص اقتناء البنايات والعقارات على ضرورة الإدلاء بشهادة مُسلمة من طرف المحافظ العقاري تشهد بتحفيظ العقار. والأمر هنا يتعلق باقتناء قطعة أرضية موضوع رسم عقاري أو تُستخرج من رسم عقاري، وكان حريا بواضع هذا القرار أن يستعمل مصطلح التقييد أو التسجيل. وفي هذا الإطار نص الفصل 67 من ظهير 12 غشت 1913 على أن الافعال الادارية والاتفاقات التعاقدية الرامية إلى تأسيس حق عيني أو نقله إلى الغير أو الاعتراف به أو تغييره أو إسقاطه لاتنتج أي أثر ولو بين الأطراف إلَّا من تاريخ التسجيل. وهو نفس ماسار عليه الفصل 65 من نفس القانون عندما نص على أنه يجب أن تُشهر بواسطة تسجيل في السجل العقاري جميع الأعمال والاتفاقات الناشئة بين الأحياء مجانية كانت أو بعوض. لذا فإن المصطلح الصحيح هو (التسجيل) وليس (التحفيظ). كما استعمل واضع القرار عبارة الإدلاء بشهادة مسلمة من طرف المحافظ العقاري تشهد بأن العقار في طور التحفيظ. والحال أن هذه الشهادة تشير إلى أن القطعة الأرضية موضوع مطلب تحفيظ وليس في طور التحفيظ، مع ذكر عدده وهل هو سليم من التعرضات أو مُثقل بتعرضات إلى غير ذلك من المعلومات هذا وأشير إلى أن الفقرة 3 . 2 .18 تمت عنوتها باقتناء البنايات والعقارات، فهل مصطلح العقارات لا يشمل البنايات فإذا لم تكن كل العقارات بنايات، فإنه على العكس من ذلك تعتبر كل البنايات عقارات وكان الأحرى الاقتصار على (اقتناء العقارات)، وإذا رغب واضع هذا القرار في التفصيل يمكن الحديث عن اقتناء الأراضي والبنايات. ملاحظات بشأن موضوع القرار: سيكون من الأفضل اتباع المنهجية الواردة في القرار من خلال: 1)وثائق الاتبات الخاصة: حالة العقارات غير المحفظة وليست في طور التحفيظ. جاء في فقرة الالتزام انه يتعين بالنسبة للاقتناءات العقارية بالتراضي الإدلاء بشهادة مُسلمة من كتابة الضبط بالمحكمة الإدارية تثبت تسجيل مقرر التخلي في السجل الخاص. ولا غرو أن هناك التباسا، بل خطأ قانونيا قاتلا وقع فيه محرر قرار وزير الاقتصاد والمالية بتاريخ 29 يناير 2009 سالف الذكر ذلك أن مُقرر التَّخلي الواجب تسجيله في السجل الخاص الممسوك من طرف كتابة الضبط بالمحكمة الادارية يتعلق بمسطرة نزع الملكية لأجل المنفعة العامة وليس مسطرة الاقتناء بالتراضي، ذلك أن هذه الأخيرة تخضع لمقتضيات منشور الوزير الأول رقم 209 بتاريخ 26 ماي 1976 في موضوع: (الاقتناءات العقارية التي تهم ملك الدولة الخاص) أما مسطرة نزع الملكية لأجل المنفعة العامة فينظمها القانون رقم 7.81 المتعلقة بنزع الملكية العامة وبالاحتلال المؤقت الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 254.81.1 الصادر في 11 من رجب 1402 (6 ماي 1982) حيث ورد في الفصل 12 منه على أنه يودع مشروع مُقرر التَّخلي إذا كان الأمر يتعلق بعقارات غير محفظة ولا في طور التحفيظ لدى كتابة الضبط بالمحكمة الإدارية التابع لها موقع العقار لأجل تقييده في السجل الخاص المنصوص عليه في الفصل 455 من قانون المسطرة المدنية، ويُسلم كاتب للضبط إلى نازع الملكية شهادة تثبت هذا التقييد. إذن ما يقع تسجيله هو مشروع مُقرر التَّخلي وليس مقرر التخلي كما ورد في القرار الوزيري المذكور، ثم إن هذا الإيداع ليس وثيقة لإثبات الملكية وإنما فقط إجراء من اجراءات الاشهار، وبالتالي لا وجود لما يسمى بمُقرر التَّخلي في إطار مسطرة الاقتناء بالتراضي علما أن الفرق واضح بين مشروع مُقرر والمقرر وبالتالي لاوجود لما يُسمى بمقر التخلي في إطار مسطرة الاقتناء بالتراضي. كما جاء في الالتزام الخاص بمسطرة نزع الملكية المُنصبَّة على العقارات المحفظة يتعين الإدلاء بشهادة مُسلمة من طرف المحافظ العقاري تشهد بتحفيظ العقار وكذا بشهادة الملكية. والتساؤل المطروح هو: هل الشهادة العقارية ليست بشهادة ملكية؟ ثم ماذا عن مقتضيات الفصل 62 من قانون التحفيظ العقارية الذي ينص على أن رسم الملك له صفة نهائية ولايقبل الطعن وهو يكشف نقطة الانطلاق الوحيدة للحقوق العينية والتكاليف العقارية الكائنة على العقار، وقت تحفيظه دون ما عداها من الحقوق غير المسجلة؟ وهل من حق الخازن الوزاري مطالبة المتعاقد الإدلاء بوثائق التَّملك حتى لو استظهر بشهادة عقارية؟ والحال أن المحافظ على الأملاك العقارية في القانون المغربي سلطة شبه قضائية وان قرار التحفيظ لايقبل الطعن حتى لو بني على وثائق غير سليمة؟. وهذا ما أكد عليه الفصل 64 من نفس القانون المومأ إليه أعلاه عندما نص على أنه لايمكن إقامة دعوى في العقار بسبب حق وقع الإضرار به من جراء تحفيظ، وهذا يعني أنه حتى القضاء لايمكنه مراجعة قرار المحافظ متى قرر تحفيظ العقار في اسم طالب التحفيظ، وبالتالي على أي أساس يمنح هذا الاختصاص للمحاسب العمومي، خاصة أن الآمر بالصرف هو المسؤول عن الأداء. والملاحظ أن هذه الأخطاء القانونية تلازم قرار وزير الاقتصاد والمالية السالف الذكر خلال مختلف الفقرات اللاحقة والماسة بمختلف المعاملات المالية. علامات استفهام عريضة: وصفوة القول فإن صدور مثل هذا القرار يطرح أكثر من علامات استفهام أولها مَنْ بادر بتحريره؟ ثم هل تم إشراك مُختلف القطاعات الحكومية المعنية أو بالأحرى المديريات المعنية سواء على صعيد وزارة الاقتصاد والمالية أو الوزارات المهتمة؟ ثم ماذا عن الخلية القانونية لهذه الوزارة؟ وهل وافق أعضاؤها على قرار وزير الاقتصاد والمالية قبل التوقيع عليه؟ وما هو دور الأمانة العامة للحكومة في مثل هذه الحالة؟. ضرورة تكوين لجن استشارية حقيقية: ان القرار موضوع التعليق نموذج للقرارات الوزارية التي تنشر في الجريدة الرسمية ويؤخذ بها المواطنون عنوة، وهي غير مبنية على أساس قانوني، وبالتالي فإن تمسك الخزينة العامة للمملكة بمحتوياتها كمن يتمسك بنص غير مطابق للقانون، والأمل معقود على أن تخضع مختلف القطاعات الوزارية للتعليمات وكذا دعوة الوزير الأول المتمثلة في تكوين لجنة على صعيد كل وزارة تشتمل على مستشارين قانونيين حقيقيين لاصوريين، لأن مسؤولية المستشار القانوني تتمثل في الاستشارة والمراقبة والخبرة والتأطير، وليس القيام بدور ساعي البريد ، حيث تتم مراسلة المديريات لإبداء الرأي الذي يوجه (الرأي) في صياغة إلى الأمانة العامة التي تعمل على نشره دون ارجاعه إلى مصدره متى كان عصيا. وهذا حال الخلية القانونية بوزارة الاقتصاد والمالية. هل يتدخل الخازن العام للمملكة؟ والأمر معقود على تدخل الخازن العام للمملكة للنظر حوله والقيام بالاطلاع على احصائيات تخص قرارات رفض التأشيرة على النفقات ومعرفة أسبابها ومحتواها؟ وهل الأشخاص الذين يعملون رفقة الخزينة مؤهلون من الناحية القانونية المعرفة مختلف القوانين التي يعتمدها الآمرون بالصرف في معاملاتهم ويصدق هذا الأمر على الخزينة الوزارية لوزارة الاقتصاد والمالية، حيث الأمر يتطلب التدقيق، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب. نظام المعالجة «مُفرنس» ومُعطل: وبالمناسبة لابد من الاشارة إلى أن الخزينة العامة تعتمد في عملها اليومي على مايسمى التدبير المندمج للنفقات (G.I.D) وهو نظام مستورد من فرنسا ولايفتح المجال للغة العربية كلغة للاستعمال، وكثيرا ما يكون معطلا، الشيء الذي يؤخر معالجة ملفات النفقات والأداء، خاصة عند نهاية السنة. وفي هذا السياق ندعو من يهمه الأمر مراجعة تقرير والي المظالم لسنة 2088 2009 الذي لاحظ أن أداء مستحقات المنزوعة ملكيتهم يتأخر إلى أجل غير معقول.