سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ضرورة إدخال تعديلات على قانون المسطرة المدنية ليكون البريد الإلكتروني وسيلة ناجعة في إجراءات الدعوى القضائية كلما اتفق أطرافها ما مدى قابلية الموقع الإلكتروني ليكون موطنا في مفهوم قانون المسطرة المدنية؟
ينص الفصل 32 من قانون المسطرة المدنية على أنه يجب أن يتضمن المقال أو المحضر الأسماء العائلية والشخصية وصفة أو مهنة وموطن أو محل إقامة المدعى عليه والمدعي، وكذا عند الاقتضاء أسماء وصفة وموطن وكيل المدعي، وإذا كان أحد الأطراف شركة وجب أن يتضمن المقال أو المحضر اسمها ونوعها ومركزها. يستخلص من هذه الفقرة أن من شروط قبول الدعوى أن ترفع بمقال مكتوب أو بتصريح يدلي به المدعي شخصيا ويحرر به عون كتابة الضبط محضرا يجب أن يتضمن بالإضافة إلى جملة من المعلومات موطن كلا من المدعي والمدعى عليه. فما هي الحكمة من تعيين الموقع؟ وما هي الآثار المترتبة على عدم تعيين هذا الموطن؟ لاشك أن الغاية من رفع مقال أمام المحاكم سواء كانت عادية أو استثنائية هو الرغبة في استصدار حكم أو قرار قضائي يضع حدا لنزاع بين طرفين، وذلك بالاحتكام إلى ما قضت به المحكمة باعتباره عنوان الحقيقة. والقاعدة أن النزاع لا يكون إلا بين طرفين أو أكثر، وبناء على ذلك فلابد أن تبلغ المقال الافتتاحي أو الطعن لمن يهمه الأمر، وهو بالأساس المدعى عليه أو المطلوب في النقض أو الاستئناف. والتبليغ هو إيصال أمر أو واقعة ثابتة إلى علم شخص معين على يد أحد أعوان كتابة الضبط أو مفوض قضائي أو عن طريق السلطة المحلية أو حتى عن طريق البريد المضمون مع الإشعار بالتوصل (1). وعليه فإن أهمية التبليغ تكمن في ضمان محاكمة عادلة تقوم على المجابهة والمواجهة حيث يكون من حق المدعى عليه الدفاع عن نفسه ورد إدعاءات الخصوم، ولن يتأتى ذلك إلا إذا توصل بالاستدعاء طبقا لمقتضيات الفصول 37 ، 38 ، 39 ، 40 و41 من قانون المسطرة المدنية. وهذا يتطلب بالضرورة وجود موطن أصلي أو مختار للمدعى عليه، غير أنه إذا لم يكن لهذا الأخير محل إقامة أو موطنا معروفا أمكن للمحكمة أن تعين عونا من كتابة الضبط بصفته قيما يبلغ إليه الاستدعاء. لكن التساؤل المطروح هل يمكن اعتبار العنوان الإلكتروني موطنا في المفهوم القانوني؟ مما لاشك فيه أمام التطور الهائل الذي عرفه عالم المعلوماتية أصبح لكل شخص أو بالأحرى لجل الأشخاص عنوانا إلكترونيا يتعامل به مع مخاطبيه ومحاوريه، بل إن المعاملات الإدارية والتجارية تجري في ظل وجود عنوان إلكتروني. وعلى هذا الأساس صدر القانون رقم 05 - 53 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 129 - 07 - 1 بتاريخ 30 نوفمبر 2007 ، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5584 بتاريخ 6 دجنبر 2007 بالصفحة 3880 ، كما صدر بتاريخ 21 ماي 2009 المرسوم التطبيقي رقم 518 - 08 - 2 ، منشور بالجريدة الرسمية عدد 5744 بتاريخ 18 يونيو 2009 بالصفحة 3554. وقد نص الفصل 1 - 417 من هذا القانون على أنه تتمتع الوثيقة المحررة على دعامة إلكترونية بنفس قوة الإثبات التي تتمتع بها الوثيقة المحررة على الورق. تقبل المحررة بشكل إلكتروني للإثبات، شأنها في ذلك شأن الوثيقة المحررة على الورق شريطة أن يكون بالإمكان التعرف بصفة قانونية على الشخص الذي صدرت عنه، وأن تكون معدة ومحفوظة وفق شروط من شأنها ضمان تماميتها. إذن المٌعوَّل عليه في ظل هذا القانون أن اعتماد الوثائق الإلكترونية في المعاملات يكون مقبولا باستثناء ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 2 التي نصت على أن الوثائق المتعلقة بتطبيق أحكام مدونة الأسرة والمحررات العرفية المتعلقة بالضمانات الشخصية أو العينية ذات الطابع المدني أو التجاري لا تخضع لأحكام هذا القانون، ماعدا المحررات المنجزة من لدن شخص لأغراض مهنته، مما يدفعنا إلى التساؤل إلى أي حد يمكن القول بصحة الموقع الإلكتروني كموطن في مفهوم المسطرة المدنية؟ قانون المسطرة المدنية ينظم إجراءات التقاضي أمام المحاكم ويحدد اختصاصها المحلي والنوعي وكذا طرق الطعن وتنفيذ الأحكام، وبالتالي يكون نص تشريعي بامتياز تبعا لمضمون الفصل 46 من الدستور الذي حدد مجال القانون، حيث نص على أنه يحتضن القانون بالمسطرة المدنية وإحداث أصناف جديدة من المحاكم، وعلى هذا الأساسي فإن مشرع قانون المسطرة المدنية الجاري به العمل الآن لم يعط تعريفا للموطن، وإنما جاء عاما وفضفاضا بحيث ينسحب على محل السكنى أو محل العمل وكذا المركز الاجتماعي للشركة، غير أن الفصل 28 من هذا القانون أكد أنه في النزاعات المتعلقة بالمراسلات والأشياء المضمونة والإرساليات المصرح بقيمتها والطرود البريدية فإنه تقام الدعاوى أمام محكمة موطن المرسل أو موطن المرسل إليه باختيار الطرف الذي بادر إلى رفع الدعوى والموطن هنا كذلك جاء عاما ليشمل الموطن المادي وكذا الموطن الإلكتروني، وهذا على عكس ما سارت عليه المادة 6 من قانون المعاملات الإلكترونية الأردني رقم 85 لسنة 2001 التي نصت صراحة على أنه لا تسري أحكام هذا القانون على لوائح الدعاوى والمرافعات وإشعارات التبليغ القضائية وقرارات المحاكم. لكن في المقابل نجد أن الفصل 3 - 65 من القانون رقم 05 - 53 المتعلق بالتبادل الإلكتروني للمعطيات القانونية سالف الذكر يشير إلى العنوان الإلكتروني، و إذ تنص الفقرة الثانية على أنه يمكن توجيه المعلومات المطلوبة من أجل إبرام عقد أو المعلومات الموجهة أثناء تنفيذه عن طريق البريد الإلكتروني إذا وافق المرسل إليه صراحة على استخدام الوسيلة المذكورة. ومن ثم فإذا كان أطراف الدعوى اتفقوا على اعتماد عنوانهم الإلكتروني في إجراءات الدعوى فهل من حق المحكمة رفض هذا الاتفاق؟ قد يقول قائل إن هذا القانون إنما جاء ليُنظم المعاملات المالية والمدنية عامة بدليل أنه أتى ليتمم الباب الأول من القسم الأول من الكتاب الأول من الظهير الشريف المعتبر بمثابة قانون الالتزامات والعقود، ولا علاقة له بقانون المسطرة المدنية. أمام هذه المعطيات نرى من الفائدة إدخال تعديل على مقتضيات قانون المسطرة المدنية بشكل يجعل البريد الإلكتروني وسيلة ناجعة في إجراءات الدعاوى القضائية من تبليغ وتنفيذ متى اتفق أطراف الدعوى على ذلك انسجاما مع الفقرة الأخيرة من الفصل 1 - 2 من المادة 2 من القانون رقم 05 - 53 المشار إليه أعلاه، لاسيما وأن هذا القانون كما أكدت المادة 1 أن هذا الأخير يحدد النظام المطبق على المعطيات القانونية التي يتم تبادلها بطريقة إلكترونية وعلى المعادلة بين الوثائق المحررة على الورق وتلك المعدة على دعامة إلكترونية، وعلى التوقيع الإلكتروني، علما أن وزارة العدل أخذت على نفسها عهدا بأن تطور كتابة الضبط وتزويدها بالأدوات المعلوماتية المتطورة. والأمل معقود على المشرع أن يقحم هذه المقتضيات ضمن مشروع قانون المسطرة المدنية الذي يعرض عليه في الأشهر المقبلة. هامش: 1) راجع الطبيب برادة: «إصدار الحكم المدني وصياغته الفنية في ضوء الفقه والقضاء»، منشورات جمعية تنمية البحوث والدراسات القضائية، طبعة 1996 الرباط، بالصفحة 487.