تشكل المراقبة البرلمانية للعمل الحكومي إحدى المهمتين الأساسيتين الموكولتين للمؤسسة التشريعية إلى جانب التشريع سواء بمقتضى أحكام الدستور أو النظام الداخلي لكل من مجلس النواب ومجلس المستشارين. وتعتبر مناقشة مشروع القانون المالي كل سنة مناسبة مواتية وفرصة سانحة للقيام بهذه المراقبة على مستوى اللجان النيابية الدائمة، خاصة داخل لجنة المالية التي تطرح فيها مسألة السياسة الحكومية في تدبير الشأن العام ومدى استجابة مشروع الميزانية لطموحات وتطلعات المواطنين، مدى انسجامه مع توجهات واختيارات البرنامج الحكومي والتزام الحكومة بهذه الاختيارات، مدى التقيد بتنفيذ بنود الميزانية السابقة والأوجه التي صرفت فيها الاعتمادات كما هو ملتزم به في هذه الميزانية. كما تعتبر دراسة مشاريع الميزانيات الفرعية على مستوى بقية اللجان النيابية الدائمة الأخرى وسيلة لمناقشة السياسة القطاعية بحضور القطاعات الحكومية المختصة عندما تصبح هذه المناقشة حوارا مفتوحا بين أعضاء البرلمان داخل اللجنة والوزير المعني. وتبقى الجلسة العمومية بدورها مناسبة أمام أعضاء البرلمان بمساءلة الحكومة ومحاسبتها ومطالبتها بتقديم التوضيحات اللازمة بخصوص مواضيع معينة وكذا تسجيل مواقف الفرق البرلمانية من مختلف القضايا المرتبطة بالسياسات العمومية وتدبير الشأن العام مادامت الميزانية تجسد هذه السياسة في كل سنة. غير أن بعض القطاعات لاتخضع لهذه المراقبة البرلمانية رغم كونها تتصرف في مبالغ مالية ضخمة تفوق بكثير الاعتمادات المخصصة لبعض الوزارات كما هو الشأن بالنسبة للمؤسسات العمومية وشبه العمومية وشركات الدولة التي تشكل في حقيقة الأمر دولة داخل دولة مادام المكلفون بتسييرها يعتبرون أنفسهم غير معنيين بأي مراقبة، بما فيها المراقبة البرلمانية، بل إن بعضهم يجعلون أنفسهم فوق القانون ولايكلفون أنفسهم عناء الحضور في اشغال اللجان النيابية الدائمة بمناسبة مناقشة مشاريع الميزانيات الفرعية للاستماع إلى الملاحظات والاقتراحات التي يدلي بها ممثلو الأمة بمناسبة مناقشة القطاعات الحكومية التابعة لها هذه المؤسسات كسلطة الوصاية مادامت هذه المناسبة تشكل فرصة مرة واحدة في السنة لتبادل الآراء في إطار النقد الذاتي لما فيه دعم هذه المؤسسات باعتبارها رصيدا وطنيا ينبغي أن يكون تدبيره خاضعا للمراقبة البرلمانية كشأن عام لحمايته من أي تلاعب أو سوء تدبير أو استغلال النفوذ لتحقيق أغراض ومصالح شخصية على حساب المال العام والمصلحة العامة كما حصل بالنسبة للبنك الوطني للانماء الاقتصادي الذي ذهب ضحية النهب والسرقة وأصبح في خبر كان، القرض العقاري والسياحي والصندوق الوطني للقرض الفلاحي اللذان وصلا إلى حافة الإفلاس لولا تدخل الدولة لإنقاذهما، وغيرها من المؤسسات التي استغل الموكول إليه أمر تدبيرها السلطة التي يخولها إياهم الاستقلال المالي والاداري لهذه المؤسسات للتلاعب بالأموال العمومية دون حسيب ولا رقيب. وفي هذا السياق، يأتي التساؤل عن مدى مراقبة البرلمان للحسابات الخصوصية للخزينة التي تقلص عددها من 132 حساب سنة 2002 إلى 76 حسابا سنة 2010، بفضل السياسة الحكومية الرامية إلى تعزيز الحكامة المالية وتقوية متطلبات الترشيد المالي، علاوة على الصناديق الخاصة، في الوقت الذي تعتبر فيه هذه الحسابات إحدى المكونات الأساسية للميزانية العامة للدولة وتشكل إطارا مرنا للتدبير الموازي بهدف بلورة السياسة الحكومية وتنفيذ البرامج المرتبطة بالتنمية في شموليتها؟. ولهذه الغاية، تستفيد هذه الحسابات من مخصصات مالية حسب المهام الموكولة إلى كل صنف من أصناف هذه الحسابات 6 المتمثلة في الحسابات المرصدة لأمور خصوصية، حسابات النفقات من المخصصات، حسابات القروض، حسابات التسبيقات، حسابات الإنخراط في المنظمات الدولية وحسابات العمليات النقدية. وتكمن أهمية المراقبة البرلمانية لهذه الحسابات الخصوصية بالنظر للاعتمادات المرصودة لها والتي تصل في مجموعها إلى 51.924,734,000 درهم بالنسبة لمشروع القانون المالي 2010 مقارنة مع بعض القطاعات الحكومية كوزارة الصحة التي لاتتجاوز ميزانيتها الحالية: 650.000 درهم، علاوة على مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة والتي تصل اعتماداتها المالية إلى 51.924.734.000 درهم. فإلى أي حد يتمكن البرلمان من ممارسة مهامه الرقابية بخصوص هذه الحسابات والصناديق الخصوصية بالنظر لطبيعة المهام الموكولة اليها وأوجه صرف اعتماداتها، سواء بمناسبة مناقشة مشروع القانون المالي أو قوانين التصفية أو بواسطة المهام الاستطلاعية للجان النيابية الدائمة، وعن طريق الأسئلة الشفهية، خاصة عندما يتعلق الأمر بحسابات ذات طبيعة خاصة من حيث المقاييس المحددة لكيفية صرفها وتوزيعها كما هو الشأن، بالنسبة لحصة الجماعات المحلية من حصيلة الضريبة على القيمة المضافة، صندوق النهوض بالفضاء السمعي البصري الوطني، الحساب الخاص بالاقتطاعات من الرهان المتبادل، الصندوق الوطني الغابوي، الحساب الخاص بنتاج اليانصيب وغيرها من الحسابات الخصوصية التي لاتخفى أهميتها في تدبير الشأن العام والأموال العمومية التي تتصرف فيها في الوقت الذي تحتل فيه بلادنا مرتبة ضعيفة فيما يخص الحكامة المالية وفق المؤشرات الدولية؟