بعد حوالي أزيد من 24 ساعة وصلنا إلى جنوب إفريقيا ضمن الوفد الشبابي المغربي المشارك في الدورة السابعة عشرة للمهرجان العالمي للشباب والطلبة المنعقد ببريتوريا في الفترة من 13 إلى 21 دجنبر 2010، كانت الرحلة قطعة من العذاب عبر خطوط الاتحاد الإماراتية، إذ إستغرقت المسافة بين الدارالبيضاء وأبو ظبي حولي 8 ساعات ونصف ..قضينا ساعتين في أبوظبي قبل أن نأخذ الرحلة إلى جوهنسبورغ في حوالي 9 ساعات...عدد من الشباب والطلبة المغاربة أخذ منهم التعب مأخذه ، لكن النقاشات الجانبية إستمرت طيلة الرحلة، وكل في نفسه شيء عن هذا البلد المتوجه إليه، بسرعة تداعت إلى الذاكرة عدة صورة عن جنوب إفريقيا منها ما كنا نتابعه في نشرات الأخبار اليتيمة التي كانت تقصفنا بها دار البريهي ذات زمان بعد بداية البث على الساعة السادسة مساء ..كنا نتابع أخبار نظام الميز العنصري في هذا البلد والنضال الذي كان يقوده حزب المؤتمر الوطني الإفريقي بزعامة أيقونته الزعيم نيلسون مانديلا...مانديلا لم ترافقنا صورته منذ تقرر عقد المهرجان في جنوب أفريقيا فالرجل تحول إلى أسطورة حية، الكثيرون يذكرون مانديلا ولا يستحضرون أسماء أخرى كان لها دور بارز في الانتقال الديمقراطي بجنوب إفريقيا الذي قطع مع سياسات الفصل العنصري التي كان يقوده نظام البيض في أبشع صوره في العالم، من بين هذه الشخصيات نجد القس ديسمون توتو والسيدة ويني مانديلا زوجة مانديلا السابقة والرئيس فريديريك دوكليرك الذي إتسم بالكثير من الشجاعة ليقود نظاما تشكل العنصرية فيه عقيدة راسخة، إلى نظام ديمقراطي يمنح كل الحقوق للأغلبية السوداء، التي أخذت بزمام المبادرة بعد جلسات الاستماع المؤلمة التي حركت مشاعر العالم بالصورة التي قدمتها عن فصول من الميز العنصري...حكاية العلاقات بين المغرب وجنوب أفريقيا، تعود إلى السنوات التي كان فيها المغرب على عهد الراحل الحسن الثاني يقدم الدعم للمؤتمر الوطني الإفريقي ضدا في نظام الميز العنصري، وقد كانت زيارة مانديلا للمغرب مباشرة بعد إطلاق سراحه ضمن زيارة قادته إلى عدد من العواصم العالم التي عرفت بدعمها لقضية شعب جنوب إفريقيا ..جرت مياه كثيرة تحت جسر العلاقات الثنائية بين المغرب وجنوب أفريقيا، فبعد ربط العلاقات الدبلوماسية وإطلاق خط جوي مباشر بين الدارالبيضاءوجوهانسبورغ، تحول العلاقات إلى شبه جمود حيث قلص المغرب تمثيليته إلى الدبلوماسية إلى قائم بالأعمال وألغت الخطوط الملكية المغربية رحلتها المباشرة، لماذا؟ لأن انحرافات ظهرت على قيادة المؤتمر الوطني الإفريقي وذلك بوقوعه ضمن عمليات التغليط التي تقوده الجزائر، إذ تورطت جوهانسبورغ في الاعتراف بجمهورية الوهم، مما شكل اختراقا كبيرا للانفصاليين نظرا لأهمية جنوب أفريقيا قاريا ودوليا مما شكل في حينه انتكاسة للدبلوماسية المغربية..استمرت المواجهة مع جنوب إفريقيا في صور أخر كان أبرزها المنافسة الحادة حول احتضان مونديال كرة القدم لسنة 2010، خاصة عندما قررت الفيفا تنظيم الكأس في إفريقيا، العديدين كانوا يقولون بأن المغرب يستحق أن يحظى بهذا الشرف لاعتبارات متعددة من أبرزها أنه أول من تجرأ على تقديم الترشيح في مناسبتين سابقتين خسرهما بأصوات قليلة، الأولى أمام الولاياتالمتحدةالأمريكية عام 1994 والثانية أمام ألمانيا عام 2006...صورة نيلسون مانديلا في ذهن المغاربة اهتزت في مناسبتين، الأولى بتنكر حزبه للدعم المغربي واعترافه بجمهورية الوهم ، والثانية لحظة وصوله إلى زيوريخ حيث مقر الفيفا من الباب الخلفي مما يؤكد أن الفيفا كانت قد حسمت اختيارها قبل اجتماع اللجنة التنفيذية، لقد كان لنظام الفصل العنصري أفضال على جنوب أفريقيا وهو ما دعا الأسطورة الفرنسية فونتين الداعم للملف المغربي، إلى القول عقب إعلان جنوب إفريقيا كفائزة بإحتضان المونديال: هل ضروري أن نأسف بأن المغرب لم يكن يخضع لنظام للميز العنصري، وبالتلي لم ينجب شخصا مضطهدا كنيلسون مانديلا الذي كرمته الفيفا بمنح بلده شرف احتضان كأس العالم...للميز العنصري في جنوب إفريقيا حكايات أخرى نكتشفها في موعد قادم... [email protected]