تقتضي الأخوّة الإيمانية، فضلا عن الأخوّة الإنسانية، بذل المساعدة ، والتعبير عن المواساة، وتقوية التضامن مع كل مسلم منكوب أو مصابٍ. وذلك مصداقا لقول الله عز وجل؛ «إنما المؤمنون إخوة« وقوله: «ويوثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة» وقوله: «وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان» وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» هذه التوجيهات الإسلامية إلى تمتين أواصر الأخوّة عن طريق التّضامن والمواساة والتكافل تصبح توجيهات أكثر تأكيدا وألحّ ضرورة عندما يتعلق الأمر بالوطن، وبمن يدافع عن الوطن. وقد اعتبر الرّسول الأكرم صلى الله عليه وسلم حب الأوطان من الإيمان. ومن مقتضيات هذا الحبّ بذل النّفس والنّفيس في الذود عن حياضه، والتضحية بالرّوح والمال وكلّ ما يملك المرء من أجل أن يبقى هذا الوطن حرّاً، يتمتع بسيادته، واستقلاله ووحدته التّرابية، وينعم أبناؤه بالهناء والاستقرار والتّلاحم والوحدة. ولابد مما لا بدّ منه، لابدّ أن يسقط في ساحة الشّرف والكفاح والدّفاع عن حرمات الوطن أحرار وشرفاء، وذلك ثمن الحرّية والاستقلال والوحدة والسيادة. وحينئذ يجب أن يهبّ إلى مواساة أهالي الشّهداء والمعطوبين في سبيل الدّفاع عن الوطن كلُّ مؤمنٍ، يواسيهم بما يستطيع، بماله أو جاهه أو كلمته الطيّبة أو كشفه عن الحقيقة أو مقاومة أنواع الحرب النّفسية والإعلامية والمسلّحة أو إقناع الآخرين بعدالة القضية التي يدافع عنها وتقديم الصّورة الحقيقية للوقائع، أو غير ذلك من أشكال المواساة التي هم أحوج ما يكونون إليها. ما حدث في العيون، وما استتبعه من تجنّد وطنيّ عام، ووحدة في الموقف والصفّ على نحو شامل، مما يثلج الصّدر، ويبعث في الرّوح الوطنية والإيمانية مزيداً من القوّة والاتحاد، وذلك أفضل ردّ على مناورات الأعداء وخير جوابٍ على أكاذيب الخصوم وتضليلات أذنابهم. فالاتحاد قوّة، وروحه الإيمان والتضامن والمواساة. إذ بالإيمان تقوم وحدة المواطنين، وبالتضامن تستمرّ، وبالمواساة تتقوّى. ولنا في تاريخ المسلمين الجهادي خاصّة في عهدي النبوة والخلافة الرّاشدة أروع صور التضامن والمواساة. ولعلّ أبلغ درسٍ يستفاد من صفحات ذلك التاريخ المشرقة أنّ النّصر يكون دائما حليف المؤمنين ما ظل صفّهم متراصّاً، وقلوبهم على قلب رجلٍ واحد، ومادام التراحم بينهم ممدود الجسور، راسخ الجذور في تربة حبِّ الوطن التي هي من حبِّ الله ورسوله مادامت من الإيمان.