الوصاية الإدارية على الأملاك الجماعية المسماة: الأراضي السلالية أو أراضي الجموع بين ضوابط المشروعية وضبابية بعض الممارسات الميدانية تطرقنا في بعض الحلقات السابقة الثلاث عشرة من هذا البحث حول موضوع: الوصاية الإدارية على الأملاك الجماعية، المسماة: (أراضي الجموع) لبعض المحطات التشريعية الأساسية المنظمة لوضعية الأملاك العقارية الجماعية الخاضعة لمقتضيات ظهير 27/04/1919 المعدل بظهير 06/02/1963 بشأن تنظيم الوصاية الإدارية على الجماعات وضبط تدبير شؤون الأملاك الجماعية وتفويتها، وكذا مقتضيات ظهير 25/07/1969 الصادر في إطار تفعيل وتنفيذ ميثاق «للاستثمارات الفلاحية» المؤرخ بدوره في 25/07/1969 منشوران في نفس الجريدة الرسمية ركزنا في الحلقة السابقة الثانية عشرة على نظام ووضعية هذه الأراضي خلال الفترة ما قبل صدور ظهير 27/04/1919 بشأن: «تنظيم ولاية الدولة على الجماعات الأهلية وضبط تدبير الأملاك المشتركة بينها وتفويتها» مع التأكيد على الجهة المسند لها الاختصاص للبت في المنازعات الناشئة بخصوص تنظيم الانتفاع واستغلال هذه الأراضي وسنتوقف في هذه الحلقة عند بعض مقتضيات ومضامين ظهير 27/04/1919 التي بقيت سارية المفعول واقعيا وكرست أو رسخت قواعد منها ما استمر العمل به ضدا على إرادة وفلسفة المشرع المغربي في عهد الاستقلال، خصوصا ما أقره بخصوص التأسيس لمبادئ استقلال القضاء وجعل هذا الأخير هو المختص وحده بالفصل في المنازعات بين المواطنين، أو فيما بين المواطنين والسلطات الإدارية، لكون القضاء وأحكامه تعتبر مظهرا جوهريا من مظاهر السيادة الوطنية. ونرى أنه من المهم التذكير والوقوف عند بعض مقتضيات ظهير 27/04/1919 قبل تعديله ، وذلك للمساهمة في إجلاء الكثير من الغموض واللبس حول اختصاصات وصلاحيات مجلس الوصاية كما هي منظمة بمقتضى ظهير 06/02/1963 المعدل لظهير 27/04/1919، وعلى وجه الخصوص الفصول: 3 و 12 و 15 منه، والتي يتضح من مضامينها اختلاف جلي بين فلسفة مشرع ظهير 27/04/1919 وفلسفة مشرع ظهير 06/02/1963 ففي حين كرس ظهير 1919 في الفصل 12 صلاحيات و اختصاصات قضائية لمجلس الولاية (المسمى حاليا مجلس الوصاية) قد يبررها تركيب وتكوين عضوية هذا المجلس التي كان من بين أعضائها ما يلي: أ) أحد أعضائه «يعينه الرئيس الأول للمحكمة الاستئنافية». ب) عضوان إثنان من الأعيان المسلمين يعينها الوزير الأول الذي كان يسمى الصدر الأعظم ». لكن مشرع ظهير 28 يوليوز 1956، وظهير 06/02/1963 المعدلين لظهير 27/04/1919 جاءا بتصور جديد أساسه في نظرنا إخراج الصلاحيات والاختصاصات القضائية في مجال السلطة الإدارية والإبقاء لهذه الأخيرة على مجال الإشراف ومراقبة حسن التدبير من طرف الجماعات المعنية بذلك، وهو أمر قد يتضح جليا من خلال مقارنة مضمون الفصلين الثالث والثاني عشر من ظهير 27/04/1919، وكذا مقارنتهما بالتعديل الذي لحقهما بمقتضى ظهير 06/02/1963، مما يستوجب إيراد النصين التشريعيين على حالتهما على النحو المشار إليه في الإطارات الخاصة لهذه الفصول. مقارنة وملاحظات: - أولا: يتضح من خلال الفصل الثالث من ظهير 27 / 04 / 1919 قبل تعديله مايلي: - (1 أكد المشرع أن مجلس الولاية على الجماعات يتألف تحت رئاسة مدير الشؤون الأهلية - وزير الداخلية حاليا - من مستشار الدولة الشريفة أو ممن ينوب عنه من الموظفين الفرنسيين ومن أحد أعضاء المحاكم الفرنسوية يعينه الرئيس الأول للمحكمة الاستئنافية ومن اثنين من الأعيان المسلمين يعينهما وزيرنا الصدر الأعظم الوزير الأول حاليا . - (2 إن هذه التركيبة وطريقة تعيين الأعضاء توضح أن وزير الداخلية لا يتحكم فيها لوحده وإنما يتقاسم معه الصلاحيات بشأنها الوزير الأول والرئيس الأول لمحكمة استئناف، ويضاف لذلك مشاركة مستشار الدولة الشريفة أو من ينوب عنه وهي تشكيلة مختلطة ومتنوعة قد تبرر ما جاءت به مقتضيات الفصل 12 من ذات الظهير من تخويلها - آنذاك - اختصاص إصدار الأحكام. ثانيا: يتأكد من خلال الفصل الثاني عشر من ظهير 27 / 04 / 1919 قبل تعديله يتأكد مايلي: 1) صلاحية المجلس لإصدار أحكام: يتجلى من خلال الصيغ والعبارات المستعملة من طرف مشرع ظهير 27 / 04 / 1919 أنه أحدث مجلسا خاصا وأسند له من صلاحياته واختصاصاته إصدار أحكام، ومن تلك الصيغ الواردة في الفصل الثاني عشر مايلي: 1) يجتمع مجلس الولاية بطلب من رئيسه...، للنظر في سائر المشاريع وفي المطالب المبينة فيها الأسباب المعروضة كتابة على مدير الأمور الأهلية... و«للحكم في المطالب» التي لا تستوجب زيادة البحث في شأنها. 2) .... ويحرر الكاتب «الأحكام الصادرة من المجلس» ويمضيها الأعضاء كلهم بدون إيراد الأسباب التي بنيت عليها..... 3) تقع «المرافعة» لدى مجلس الولاية مجانا، وتعفى المطالب والتقييدات التي يقدمها الفريقان وكذلك «الرسوم» والحجج المدلى بها، «وأحكام المجلس» من أداء التمبر والتسجيل. 4) غير أن سائر الصوائر اللازمة لانتقال عضو أو أكثر من أعضاء المجلس، ولانتقال مترجم لعين المحل المتنازع فيه وكذلك صوائر التقويم إذا ظهر لمجلس الولاية لزوما لما ذكر يتحملها أحد الفريقين،..... ويحدد الرئيس مبلغها حسب التعريفة الجاري العمل بها في انتقال الأعضاء والمترجمين أو أرباب البصر والخبرة، لدى المحاكم..... ثالثا: سحب الاختصاصات القضائية من مجلس الوصاية في عهد الاستقلال: نص الفصل الثالث من ظهير 1919 كما غُير بظهير 20 ما ي 1924 ثم بظهير 19 / 10 / 1937 ثم بظهير 28 يوليوز 1956: 1) يعهد بالوصاية على الجماعات إلى وزير الداخلية. 2) يسوغ لوزير الداخلية دائما أن يستشير مجلس الوصاية ويجب على الوزير جمعه في الأحوال المستوجبة لتدخله والمبينة لهذا الظهير. 3) ينعقد مجلس الوصاية تحت رئاسة وزير الداخلية أو نائبه. 4) يتركب مجلس الوصاية تحت رئاسة وزير الداخلية من وزير الفلاحة والغابات أو نائبه ومديري الشؤون السياسية والإدارية بوزارة الداخلية أو نائبيهما وعضوين اثنين يعينهما وزير الداخلية. الفصل الثاني عشر كما عدل بظهير 06 / 02 / 1963: «1 ) انعقاد مجلس الوصاية: - يجتمع مجلس الوصاية باستدعاء من وزير الداخلية للنظر في المشاريع أو الطلبات المدعمة والمعروضة كتابة على الوصاية وكذا« للبت» فيما لا يستلزم منها زيادة في البحث. 2) ويجري بحث الأوراق والتحقق في كل وتحرر المقررات من طرف...... 3) وتكون هذه المقررات...... 4) يكون إجراء المسطرة أمام مجلس الوصاية بالمجان، وتعفى من التنبر والتسجيل المطالب والمذكرات... وكذا..... ومقررات مجلس الوصاية». يلاحظ في الفقرة الأولى أنه تم استبدال مصطلح «الحكم» الذي يستعمل عند الفصل في المنازعات من طرف جهة قضائية، بمصطلح «البت» الذي يستعمل أساسا بشأن المقررات والقرارات الإدارية. خلاصة عامة: يتضح من خلال ما أشير إليه أعلاه أن مقتضيات ظهير 1919 أحدث مشرعها مجلسا سماه مجلس الولاية وأسند له اختصاص إصدار «أحكام قضائية»، التي تصدر باسم السيادة مذيلة بصيغة التنفيذ الجبري، في حين أن مشرع فترة الاستقلال الذي أصدر ظهيري 1956 و1963 رسخ مبدأ فصل السلطات، وذلك بإخراجه للمنازعات التي تدخل في اختصاص القضاء وأسندها للجهة الطبيعية لذلك، أي القضاة الممارسون والمعنيون بظهائر شريفة، باعتبار ذلك مظهراً من مظاهر السيادة الوطنية، وهو أمر يستوجب إثارة الانتباه إلى أنه من غير الصحيح من وجهة نظرنا إصدار مجلس الوصاية مقرراته أو قراراته باسم جلالة الملك ، حسب ما لاحظناه في مجموعة من نماذج بعض الإصدارات المروجة في المكتبة القانونية، وهو أمر قد يثير تساؤلات قانونية من قبيل: ماهي آثار إصدار مقررات إدارية باسم جلالة الملك من طرف سلطة إدارية؟...إلخ. هامش: 1) نشرت الحلقات الثلاث عشرة السابقة من هذا البحث بجريدة «العلم» بصفحة «المجتمع والقانون» بالعدد 21658 بتاريخ الأربعاء /05/05 2010 والعدد 21664 ليوم 12/05/2010، والعدد 21688 ليوم 09/06/2010و والعدد 21694 ليوم 16/06/2010، والعدد 21753 ليوم 25/08/2010، والعدد 21759 ليوم 01/09/2010، والعدد 21765 ليوم 08/09/2010 ، والعدد 21770 ليوم 15/09/2010، والعدد 21776 ليوم 22/09/2010، والعدد 21788 ليوم 06/10/2010، والعدد 21800 ليوم 20/10/2010، والعدد 21812 ليوم 03/11/2010، والعدد 21818 ليوم 10/11/2010. الفصل الثالث من ظهير 27/04/1919: «يعهد بولاية الجماعات إلى مدير إدارة الأمور الأهلية الذي يجب عليه أن يؤلف مجلس ولاية في الأحوال المذكورة بظهيرنا هذا الذي تلزم فيها مداخلته ويمكنه أن يستشير في أي وقت كان المجلس المذكور الذي يتألف تحت رئاسته من مستشار الدولة الشريفة أو ممن ينوب عنه من الموظفين الفرنسويين ومن أحد أعضاء المحاكم الفرنسوية يعينه الرئيس الأول للمحكمة الاستئنافية ومن اثنين من الأعيان المسلمين يعينهما وزيرنا الصدر الأعظم». الفصل الثالث من ظهير 1919 كما غير في 20 مايو 1924 و19/10/1937 28 يوليوز 1956: «يعهد بالوصاية على الجماعات إلى وزير الداخلية، ويسوغ له دائما أن يستشير مجلس الوصاية الذي يجب على الوزير جمعه في الأحوال المستوجبة لتدخله والمبينة بهذا الظهير. وهذا المجلس الذي ينعقد تحت رئاسة الوزير أو نائبه يتركب من وزير الفلاحة والغابات أو نائبه ومديري الشؤون السياسية والإدارية بوزارة الداخلية أو نائبيهما وعضوين إثنين يعينهما وزير الداخلية. ويمكن لمدير إدارة الأمور السياسية أن يباشر وحده إجراء الأمور بالنيابة والجماعات، إذا كانت تلك الأمور متعلقة بدفع بعض الأموال للخزينة أو لصندوق السلف الفلاحي الأهلي وباسترجاعها منهما». الفصل الثاني عشر من ظهير 27/04/1919: «يجتمع مجلس الولاية بطلب من رئيسه في الأسبوع الأول من كل شهر، للنظر في سائر المشاريع وفي المطالب المبينة فيها الأسباب المعروضة كتابة على مدير الأمور الأهلية في خلال الشهر المنصرم، وللحكم في المطالب التي لا تستوجب زيادة البحث في شأنها. ويمكن اجتماع المجلس أيضا في كل آن، للنظر في الأمور المعجلة، ويحضر اجتماعات المجلس مترجم وكاتب يعينهما الرئيس، ويقع التأمل في سائر الأوراق والبحث في كل قضية من غير إشهار، ويحرر الكاتب الأحكام الصادرة من المجلس ويمضيها الأعضاء كلهم بدون إيراد الأسباب التي بنيت عليها، ولا يقبل الرجوع فيها أصلا. وتقع المرافعة لدى مجلس الولاية مجانا، وتعفى المطالب والتقييدات التي يقدمها الفريقان وكذلك الرسوم والحجج المدلى بها، وأحكام المجلس من أداء التمبر والتسجيل، غير أن سائر الصوائر اللازمة لانتقال عضو أو أكثر من أعضاء المجلس ولانتقال مترجم لعين المحل المتنازع فيه وكذلك صوائر التقويم إذا ظهر لمجلس الولاية لزوما لما ذكر يتحملها أحد الفريقين، ويقع تسبيقها إما من الإدارة التي تطلب نزع الملكية أو من الجماعة صاحبة الدعوى، ويحدد الرئيس مبلغها حسب التعريفة الجاري العمل بها في انتقال الأعضاء والمترجمين أو أرباب البصر والخبرة، لدى المحاكم الفرنسوية، وتودع أوراق مجلس الولاية وكنانيشه بإدارة الأمور الأهلية وتحفظ فيها». الفصل الثاني عشر كما عدل بظهير 06 / 02 / 1963: «يجتمع مجلس الوصاية باستدعاء من وزير الداخلية للنظر في المشاريع أو الطلبات المدعمة والمعروضة كتابة على الوصاية وكذا للبت فيما لا يستلزم منها زيادة في البحث. ويساعد المجلس في اجتماعه كاتب يعينه وزير الداخلية. ويجري بحث الأوراق والتحقق في كل قضية من غير إشهار وتحرر المقررات من طرف الكاتب ويوقع عليها جميع أعضاء المجلس. وتكون هذه المقررات غير مدعمة بأسباب وغير قابلة لأي طعن. ويكون إجراء المسطرة أمام مجلس الوصاية بالمجان، وتعفى من التنبر والتسجيل المطالب والمذكرات التي يقدمها الفريقان وكذا الرسوم والوثائق المدلى بها ومقررات مجلس الوصاية. ولا يتحمل المعنيون بالأمر إلا الصوائر اللازمة لتوجيه عضو أو عدد من أعضاء المجلس إلى عين المكان، وكذا صوائر التقويم بالأمر إلا الصوائر اللازمة لتوجيه عضو أو عدد من أعضاء المجلس إلى عين المكان، وكذا صوائر التقويم إذا ارتأى مجلس الوصاية لزوم اتخاذ هذا الإجراء، وفي هذه الحالة تسبق الصوائر من لدن أحد الفريقين ويحدد مبلغها وزير الداخلية حسب التعاريف الجاري بها العمل في تنقل قضاة وخبراء المحاكم العصرية. وإن محفوظات مجلس الوصاية تودع وتحفظ بوزارة الداخلية».