فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    جثمان محمد الخلفي يوارى الثرى بالبيضاء    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    ملتقى النحت والخزف في نسخة أولى بالدار البيضاء    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    اتهامات "بالتحرش باللاعبات".. صن داونز يعلن بدء التحقيق مع مدربه    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    تبييض الأموال في مشاريع عقارية جامدة يستنفر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أرشيف جريدة «العلم»: أزمة الشعوب والقيادة في المجتمعات الإسلامية..؟
نشر في العلم يوم 19 - 11 - 2010

منذ أربعين سنة كتبت ثلاث مقالات بهذا العنوان في جريدة «العلم» مارس 1970 وبلادنا آنذاك تعيش تحت نير حالة الاستثناء وتعطيل الحياة الدستورية وتكميم الأفواه ومصادرة الصحف بل وتكسير المطابع إذا لم تنفع المصادرة كما حصل لمطبعة «الرسالة» حيث تطبع صحيفتا «العلم» و «الرأي» وليس الأمر عند غيرنا ممن يعيشون تحت النظام الشمولي والحزب الوحيد بأحسن مما عندنا.
ليس لتبرئة الذمة
واليوم ونحن نراقب ما يجري في ديار العروبة والإسلام من فوضى وقلاقل وقمع للحريات وفرض الأحكام العرفية والاستئثار بالأمر و بالتوجيه في أغلب البلاد الإسلامية رغم وجود الدساتير والقوانين وحتى البلاد التي بدأت بوادر تعافيها من التدخل في الانتخابات وفي الاختيار الحر للأمة تلوح الآن في الأفق ارهاصات ان أمر النزاهة ربما كان برقا خلبا أو سرابا حسبه عشاق الديمقراطية والشورى بارقة تغيير في أفق تحقيق الديمقراطية، ولكن ما جرى وما يجري في بلاد الإسلام شرقا وغربا ينبئ أن هناك نية مبينة لدى البعض للسعي للرجوع عن بعض المكاسب التي تحققت، هنا وهناك وربما كان كشف القناع عن تصرفات الدول الكبرى، التي كانت ولاتزال تلوح بورقة الديمقراطية وحقوق الإنسان في الاستهتار بالديمقراطية وحقوق الإنسان وقتل الأبرياء بمآت الألوف واعتقال الآخرين وقتلهم صبرا وبدون محاكمات لعل كل ذلك قد انعكس على ما يجري من لدن بعض الحكومات والمسؤولين في ديار العروبة والإسلام، ونعيد اليوم نشر تلك المقالات للذكرى والتذكير وليس لتبرئة الذمة من واجب مواصلة العمل مع العاملين من أجل مجتمعات مسلمة شورية ديمقراطية متقدمة ومزدهرة.
القيادة بين النخبة المثقفة والمسؤولين
إن أهم أزمة تواجه المجتمعات الإسلامية الحديثة هي أزمة القيادة، ذلك أن القيادة بالنسبة للمجتمعات كالقلب بالنسبة للإنسان، فإذا كانت القيادة صالحة قادت المجتمعات إلى ما فيه صلاحها و إذا كانت القيادة منحلة ومنحرفة وفاسدة كانت المجتمعات على سنتها وهديها، والقيادة عادة إنما توزع بين قادة الرأي الذين هم الطبقة المثقفة الواعية وبين من يتولون الحكم وتسيير دفة الشؤون الإدارية والسياسية للأمة، فإذا كان هذان الصنفان من أبناء الأمة واعين لمسؤولياتهم ومدركين لدورهم الحقيقي في المجتمع كانت الأمور متجهة في طريقها الصحيح، وإلا كان كل شيء يسير على الطريق الأعرج، وقد ورد في الأثر:»صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس الأمراء والفقهاء« ولا شك ان الهدف من هذا هو المسؤولون عن أمور الدولة والشعب بقطع النظر عن الصفة التي أصبحوا يوصفون بها اليوم حسب أنظمة الحكم هنا وهناك، وأن العلماء كانوا في وقت من الأوقات هم الذين يمثلون النخبة المثقفة وحدهم وهم اليوم جزء من نخبة مختلفة ومتنوعة ومتعددة الاختصاصات ولكن مع ذلك فلا تزال مسؤولية العلماء بالمعنى التقليدي حيث وضعها الأثر فهي مسؤولية كبرى وعظيمة. لذلك فان القيادة بصنفيها السليمة والمخلصة والمدركة لحاجيات المجتمع الحقيقية هي التي تعيش المجتمعات الإسلامية أزمتها في المرحلة الحاسمة الحالية.
المجتمعات بين بناء الحاضر وإعداد المستقبل
ومن المؤكد أن المجتمعات الإسلامية اليوم و التي يهزها الوعي الإسلامي هزا قويا ليس بإمكانها أن تنتظر أكثر مما انتظرت، كما أنه ليس في وسعها ان تعيش حاضرها ومستقبلها دون أن تشارك في توجيه الحاضر وإعداد المستقبل.
وقبل ان أواصل الحديث أود أن أشير إلى أمر مهم جدا وهو ان الأمة الإسلامية منذ أمد بعيد وهي ترنوا إلى اليوم الذي تعود فيه القيادة إلى سالف عهدها. من حيث الإخلاص والنزاهة وتقديم مصلحة الأمة على ما عداها وقد رأى الناس ثمرات تلك القياد في البناء الحضاري، وقوة الأمة ووحدتها وتماسكها.
ومن أجل ذلك كان المصلحون في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين يسعون إلى تنظيم الحكم وترشيد القيادة والخروج بها عن طور الاستبداد والطغيان والحكم المطلق الذي كانت تسير عليه.
المصلحون يدقون ناقوس الخطر
بل ان هؤلاء المصلحين رأوا أن كل ما أصاب الأمة من كوارث وما تتخبط فيه من تخلف، وما تعيشه من انفصام عرى الوحدة بين المسلمين، وذهاب هيبة الأمة مما جعلها عرضة لأطماع الطامعين من الأعداء الذين يتربصون بالأمة الإسلامية التي يرون فيها وفي تاريخها ما يهدد تلك الأطماع فيما لو عادت الأمة سيرتها الأولى، وأصبحت لها أنظمة صالحة وحكومات رشيدة تستهدي بالشريعة وتتمسك بالعدل وبالشورى، التي جاء بها القرآن الكريم والسنة النبوية الطاهرة، لذلك عمل هؤلاء المصلحون على تنبيه الأمة لذلك فألفوا الكتب ونددوا بما يجري من لدن الحكام وممن يساندهم من النخبة علماء وغيرهم وكتبوا في مساوئ الاستبداد كتبا ورسائل وناشدوا المسؤولين أن يعطوا للشعوب حقوقها في حكم نفسها وتدبير شؤونها وما كتبه جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعبد الرحمان الكواكبي وغيرهم في الشرق مما كان له صدى في الغرب وكتب في نفس الاتجاه باحثون وعلماء مغاربة في فتاواهم ومحاولاتهم ،مثل ماكتبه صاحب نصيحة أهل الإسلام وغيره الذين انتقدوا الحمايات الفردية ومثل البيعة المشروطة للسلطان عبد الحفيظ ،ومحاولات دسترة المغرب وماكتبه بعد ذلك قادة الحركة السلفية الوطنية مثل علال الفاسي ومحمد بن الحسن الوزاني وغيرهما، لتوجيه المسؤولين إلى ضرورة إشراك الأمة فيما يضر أو ينفع مستقبلها، ولكن كل ذلك لم يأت بنتيجة ان هذا الأمر الذي انشغل به أولئك الأقوام لم يوت أكله حتى كانت الطامة وحصل الاستعمار على أطماعه وأهدافه في السيطرة وقالت الأمة لا بأس لنكافح هذا الدخيل ونتحرر منه واتفق الجميع ضمنا وعملا وكتابة على ان الحكم ينبغي أن يكون شورى بين المسلمين ولكن الأزمة اشتدت والأمور كما يرى الناس ويلمسون.
القيادة الحضارية الإسلامية
هذه الأزمة التي تعيشها المجتمعات الإسلامية اليوم أزمة القيادة هي التي أريد أن أتناول بعضا منها بالتحليل ولكن هل يمكننا تناولها دون إلقاء نظرة ولو موجزة على رصيد هذه المجتمعات ونماذج القيادة التي كانت تتوفر عليها في ماضيها الزاهر؟
إن المجتمعات الإسلامية ليست وليدة القرن العشرين حتى نتخذ من جميع الحلول التي يقدمها أبناء هذا القرن حلولا لمشاكلها. بل هي مجتمعات ذات حضارة أصيلة ومجد تليد، ومن ثم فكل تحليل لمشاكل هذه المجتمعات يجب ان يرتبط بتاريخها وظروفها حتى يكون تحليلا دقيقا وموضوعيا. والا كان صيحة في واد ونفخة في رماد ذلك ان من شروط الدقة والتحليل والوصول إلى نتائج ايجابية وقريبة من الواقع والحقيقة ان يقترب الباحث أو الكاتب من واقع مجتمع ما مستلهما تاريخه وظروف عيش الناس فيه وموروثهم الثقافي والحضاري.
المجتمعات والنقل الآلي
ولعل المجتمعات الإسلامية تعاني من أناس يحاولون ان ينقلوا نقلا آليا قضايا وحلولا لمشاكل المجتمعات الإسلامية دون تقدير ما لهذه المجتمعات من خصائص وهناك مشكلة أخرى وهي أن المجتمعات الإسلامية لا تذكر ولا تستحضر من تاريخها إذا ذكرت إلا الأشياء التافهة التي لا تؤثر في دفع أمورها إلى الأمام ولكنها ترى فيها أمورا تبعدها عن الماضي المشرق ولا تقربها منه لذلك فإن الاندفاع نحو الغرب يشد الناس أكثر وكأن المسلمين لم يعرفوا الشورى ولم يعرفوا التسامح والتعاون بين الناس، ان الحضارة الإسلامية بكل مقوماتها ومنجزاتها هي التي غابت عن الناس ومن تم تهافتوا على تراث الأجنبي وتركوا تراثهم، ولعلنا في مقال لاحق نعالج الموضوع.
استفتاء التاريخ والحضارة نموذج
فنحن إذا استفتينا تاريخ هذه المجتمعات إنما نعود في الواقع إلى ذاكرتها وهي ذاكرة قوية حافظة وقادرة على المساهمة برصيد عظيم في بناء حاضرها والإعداد لمستقبلها.
إن الحضارة الأوربية المعاصرة وليدة الإنسانيات الإغريقية الرومانية. فلم لا تكون الحضارة العربية الإسلامية التي نريد بناءها معتمدة على الثقافة الإسلامية العربية؟
العودة إلى الذات واللغة
ان العودة إلى الأصول الحضارية للأمة الإسلامية إنما يعني ذلك الاستفادة من المصادر المتعددة للثقافة التي تختزنها هذه الأمة التي تمتد على رقعة جغرافية متعددة الأعراق والشعوب وكل ذلك يمثل تنوعا وثراء لهذه الأمة، ولكن فإن هناك أقواما من بين المسلمين لا يرون في إغناء الثقافة الإسلامية والنهوض بما لهذه المجتمعات من ثراء فكري وحضاري، وإذا انتبه البعض إلى ذلك فهو يحاول أن يتخذه متكئا يتكئ عليه للتنكر مما للثقافة العربية واللغة العربية من اثر.
فنحن مثلا، إذا تأملنا وضعنا في المغرب فيما يرجع لمكانة اللغة العربية في التعليم وفي الإدارة وفي الحياة العامة نجد أننا ابتعدنا كثيرا عن التشبع بالروح العربية الأصيلة لفائدة لغة أجنبية دخيلة علينا وعلى مجتمعنا أتت مع الغزو الأجنبي.
إن الواجب يفرض ان تكون الثقافة العربية الإسلامية في صدارة أعمالنا وأعمال إدارتنا. دون إغفال ما يتوفر عليه الغرب من التنوع والتعدد في مجال الثقافة والحضارة.
السخرية من التاريخ والتشرذم
والتشرذم وهذا الأمر بدوره ورثناه من الباحثين الاستعماريين الذين كانوا ولا يزالون يسعون بكل الوسائل والطرق ان ينالوا من معنويات الأمة، بل أكثر من ذلك يريدون أن يجعلوا النخبة تردد كالببغاء هذه المقولات وكأنها أمور علمية حقيقية لا تقبل النقاش والجدال في حين أن هؤلاء الناس الذين يرددون ذلك إنما يدفعهم إليه ذلك حقد دفين أو تنطع خبيث، وذلك حتى لا يكون المسلمون واعين بتاريخهم وما للقيادة في المجتمعات الإسلامية قديما من مكانة وأهمية. وإلا فالأمة الإسلامية تمتاز من بين ما تمتاز به في ماضيها بتلك القيادة التي لا تزال مفخرة الإنسانية كلها في عدلها وطهارتها وإخلاصها ونزاهتها. ولهذا فإن العودة إلى تاريخ القيادة في الأمة الإسلامية وبالأحرى في المجتمعات الإسلامية يزودنا بمعلومات تنير طريقنا وتفتح بصائرنا على الواجب الملقى على عاتقنا.
القيادة والصلة بالسماء
لقد كان أهم ما تمتاز به هذه القيادة في مراحلها الأولى تلك الصلة القوية بينها وبين السماء اذ كان الوحي هو الرباط المتين الذي يشدها إلى أعلى ولكن هذه الميزة ميزة الاتصال بالملكوت الأعلى لم تفقدها صلاتها القوية بالأرض »وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق« بل أكثر من ذلك كانت تعلن دائما بسيرتها انها بشر وليس عندها شيء زائد عما عند الناس إلا ما خصها الله به من أمر تبليغ الرسالة إلى الإنسانية »قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلى« »الآية« (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم فإنما أنا عبد الله ورسوله (حديث).
البشرية عامل اطمئنان
لقد كانت هذه البشرية التي ما فتئ الرسول يؤكدها والقرآن يرددها مبعث اطمئنان واعتزاز لدى الجيل الأول من الصحابة وبالأخص من كان منهم على صلة بالأقوام المحيطين بالجزيرة العربية من أكاسرة الفرس وقياصرة الروم، بل ان كثيرا من ردود الفعل لدى المشركين في مكة مبنية على ان الدعوة الجديدة التي يقودها محمد عليه السلام تنتزع منهم ما كان لديهم من امتياز على العبيد وإلا لماذا كانوا يملكونهم وما كان لهم من سطوة على الناس الذين لا يملكون الثورات والجاه إذا كانوا يرفضون المساواة فيما بينهم شأنهم شأن غيرهم من الطغاة من أقوام أخرى مع أنبيائهم ورسلهم الذين يعيبون عليهم أنهم ما تبعهم إلا أراذل الناس الدين لا مكانة اجتماعية لديهم بل ان المشركين في مكة تجرأوا أكثر من ذلك وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظم« وأنكر القرآن هذا التساؤل بتساؤل مفحم »أهم يقسمون رحمة ربك« وفي آية أخرى »الله اعلم حيث يجعل رسالاته«
قيادة بمسؤولية محددة
يحلو لبعض الناس الذين خاضوا في أمر القيادة والخلافة ان ينكروا أمر هذا القيادة السياسية التي كان الرسول عليه السلام يتولاها ولكن المؤكد ان الرسول مارس هذه القيادة وقد كانت المسؤولية لديه عليه السلام. مسؤولية محددة تحديدا دقيقا. فلا القيادة تتجاوز دائرة اختصاصها ولا القاعدة تستنكف عن أداء واجبها إذا دعا الواجب. لقد كان رائعا حقا ان تسمع الجندي يقول لقائده: (والله لا نقول لك كما قالت اليهود لموسى اذهب أنت وربك فقاتلا انأ هاهنا قاعدون، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا أنا معكما مقاتلون)، ذلك هو جوهر الرابطة التي كانت تجمع بين القائد وأمته ولقد كان الشخص الذي فاه بهذه الكلمات شخصا ينتمي إلى العرب بالولاء ولكن أليس الإسلام قضى على نخوة الجاهلية وتفاخرها بالأنساب والآباء.
المسؤولية والتعاقد
لقد كانت هذه الإجابة الرائعة والدالة على تكوين عقدي صحيح وعلى الإيمان بأن الدين الذي جاء به محمد هو دين الحق الذي جاء به الرسل من قبل، ولم يكن الرجل يجيب جوابا اعتباطيا عابرا ولكنه كان جوابا أثناء مؤتمر عقدة المسلمون في لحظة حاسمة، كان المسلمون يتأهبون فيها لمنازلة قريش في غزوة بدر، وكان المسلمون في هذه المعركة وكأنهم اخذوا على غرة فلم يكونوا قد خرجوا لحرب ولا لقتال ولكنهم خرجوا لمعركة اقتصادية يحاولون الرد بها على ما تمارسه قريش ضدهم من محاربة تجارية واقتصادية، ولكن الأمر تطور وأصبح آخذا منحى الحرب المباشرة والتي تتعرض فيها الأنفس للقتل والاستشهاد والأعضاء للبتر والجنود ربما تعرضوا للأسر مع ما يأتي أثناء كل ذلك من تضحيات ومسؤوليات، فكانت القيادة الشورية الديمقراطية من لدن القائد الذي جمع الجند ليستمع منهم، ولم يكن هذا الجند إلا الأنصار والمهاجرون والتبعات تبعات كبرى وإذا كان الله قد حدد المعركة ومصيرها فإن المسلمين هم الذين يجب ان يقوموا بدورهم في المعركة كاملا فكان من بين الأجوبة الجواب الذي أسلفناه.
وهنا تظهر ميزة أخرى من مميزات القيادة والدعوة فالمؤمنون تتكافؤ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم«. فلا يهم أن يكون الرجل قريشيا أو غير قريشي من القبائل العربية أو ان يكون فارسيا كما هو الحال مع سلمان أو من الروم كما هو الأمر كذلك مع صهيب فالإسلام انمحت فيه الفوارق القبلية والعنصرية.
القيادة تكليف ومسؤولية
ليتحدث إذن باسم الجيش الإسلامي فرد من المسلمين وجندي منهم وهم له مقرون وتابعون إذا كان قوله الحق والصدق. فما على الرسول إذن بعد هذا إلا أن يذهب ليقاتل وسيقاتل معه جنده وصحبه فليس من حق القائد أن يختفي ويصدر الأوامر من وراء الستار ولكن مكانته في مقدمة الجند وكذلك كان الرسول عليه السلام : كان إذا أمر الناس بشيء طلب منهم أن يأتوا منه ما استطاعوا ولا يتعبوا أنفسهم ولكنه هو لا يرضى إلا أن يؤدى الواجب كاملا لأنه يريد أن يكون عبدا شكورا، لقد كان يرى أنه لا يمتاز عن الناس بأكثر من كونه يتحمل أعظم المسؤوليات وأضخمها في التاريخ، ولكن فهو ليس رئيسا ولا جبارا طاغيا ينفرد بالخيرات ويسيم غيره الخسف والهوان فما هو إلا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديم . ولم يكن عليه السلام مستبدا متحكما وإنما كان يستشير أصحابه وينزل عند رائيهم إذا كان الأمر يتعلق بتنفيذ نص تشريعي نزل به الوحي، ولقد كان عليه السلام محبوبا كثيرا عند المسلمين نظرا لما كان يتحلى به من الصفات والأخلاق الحميدة حتى انهم كانوا يفضلونه على أنفسهم وينزلون عن رضى واطئتان عند الأحكام التي يصدرها والأوامر التي يفوه بها وذاك دليل على قوة الرابطة التي تجمع بين القائد ومجتمعه.
بين الخصائص وخصائص القيادة
لقد اهتم المسلمون منذ القديم بإحصاء ما حبا الله به رسوله من خصائص له ليست لغيره، وهذه الخصائص إنما اعتنى بها المسلمون لأنها ليست مجالا ليفرع عنها أحكام وتشريعات لأنها مما ميزه الله به دون غيره من الناس، فهو اذا كان يغدو ويروح بين الناس ويفعل ما يفعلون ومع ذلك فإن بشريته لا تنفي عنه الخصوصيات ولكن الأمور المتعلقة بالحكم والجندية وغيرها من الأمور التي ينبغي ان يمتثل فيها المسلمون لأمر الشرع وليست من باب الخصوصيات ولذلك فنحن عندما نتحدث عن خصائص القيادة التي مارسها الرسول عليه السلام نرى أنها لا تدخل في سياق الخصائص بالمعنى الذي يردده الفقهاء والأصوليون وكتاب السيرة ولكن تدخل مباشرة إلى المثل الذي أعطاه الرسول للناس لينحو نحوه وليسيروا على هديه وسنته فهي مما يدخل في قوله تعالى: »لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة«، هذه الأسوة الحسنة هي التي نريد التذكير بها ونحن نخرج بهذه الخلاصة مما أسلفناه من كلام حول قيادته صلى الله عليه وسلم في مجال الحكم ومباشرة أعمال توجيه الدولة السلامية الناشئة.
وإذا حاولنا إبراز الخطوط الرئيسية لأهم خصائص قيادة الرسول عليه السلام أمكننا إجمالها فيما يلي:
1/ اتصاله الدائم بالسماء إلا أن هذا الاتصال لم يفقده الارتباط القوي بالأرض ولم ينف عنه بشريته.
2/ المسؤولية الدقيقة والمحددة بالنسبة للقائد والمقودين »كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته«.
3/ كان عليه السلام واحدا من أفراد المجتمع الإسلامي لا يمتاز عنهم بشيء.
4/ مبدأ الشورى إذا لم ينزل وحي من السماء. ويستلزم هذا الاجتهاد للوصول إلى الحق والصواب.
5/ التسامح ما لم يمس جوهر العقيدة أو يعبث عابث بحدود الله.
6/ لم يكن فظا ولا غليظا بل كان رقيقا لينا متسامحا بعيدا عن الغلظة والجفوة، والفظاظة والإعنات، كما كان حريصا على مصالح المسلمين مشاركا لهم في سرائهم وضرائهم مغضيا عن هفواتهم مشاورا لهم آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر.
وهكذا نرى أن هذه القيادة المثال يمكن للناس أن يهتدوا بهديها فهي ليست من باب المحال الذي لا يمكن الاقتراب منه فمن طبيعة الحال لا يمكن للناس أن يبلغوا مستوى الرسول فهو على خلق عظيم، ولكن القدوة والاهتداء مما ينبغي للناس ان يسعوا للوصول إليه.
ومن عظمة الرسول والإسلام ان هذه الخصائص في القيادة استطاع الخلفاء الراشدون أن يقتربوا منها وأن ينهجوا على نهجها بقدر ما يستطيع ذلك إنسان لا يتلقى الوحي ولم تعد له الصلة بالسماء كما كانت للرسول بل لا نبالغ إذا قلنا إن بعض المسؤولين المسلمين في عصور مختلفة حاولوا ان يتقمصوا بعضا من هذه الخصائص في العدل والشورى والاقتراب من الناس.
وفي مقال لاحق إن شاء الله سنحاول الاقتراب من نموذج الخلافة الراشدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.