انتقل إلى عفو الله يوم الثلاثاء 2 نونبر 2010بتطوان بعد معاناة مع المرض في السنوات الأخيرة، الشاعر و الأستاذ الفاضل السيد عبد الواحد أخريف عن سن تناهز 77 سنة. ولد أخريف سنة ،1933 و استكمل حفظ القرآن الكريم وهو ابن الحادية عشرة سنة، ألحقه والده بالمدرسة الأهلية الوطنية حيث حصل على الشهادة الابتدائية، ثم التحق بالمعهد الديني فدرس مرحلتيه الابتدائية والثانوية وحصل على شهادة البكالوريا، ثم التحق بكلية أصول الدين بجامعة القرويين وحصل منها على الإجازة العليا في الدراسات الإسلامية،ودرس في عدة مؤسسات بمدينة تطوان و مدرسة المعلمين و المدرسة العليا للأساتذة. وقد تم تشييع جنازة الشاعر الكبير أخريف يوم الأربعاء 3 نونبر 2010 حيث ودعه أبناء المدينة في موكب محزن وكبير. وعلى إثر رحيل هذه القامة الفكري والشعرية والعلمية الكبيرة، اتصلت " العلم" بأصدقاء المرحوم،و استقت هاتين الشهادتين في حق الشاعر الراحل عبد الواحد أخريف. شاعر الحمامة البيضاء الوفي لنضالات حزب الاستقلال الكاتب المسرحي رضوان احدادو: فقدت مدينة تطوان الشاعر والعلم والمثقف والإعلامي... عبد الواحد أخريف قامة فكرية وثقافية كبيرة ودعناه في صمت هادئ، رتيب، صمت مثقل بالجراح، لم نودع فيه الصديق فقط، وهو يعتبر من أبناء المدينة البررة الذين عاشوا نبضها، وعاشوا حلقات الفكر فيها. كان شاعرا ملتزما، وفيا، للشعر العمودي، وصحفيا في شبابه الأول حين عمل في جريدتي " النهار" و" الأمة"، كان خطيبا، ناقدا،ومازلت أذكر رده في حلقات، ما كان قد كتبه في تاريخ سابق أدونيس. كان رجلا حاضرا في المشهد الفكري والثقافي بامتياز على عهد حزب الإصلاح الوطني، حيث كان مشاركا في صحافة الحزب، والمهرجانات الثقافية التي يقيمها الحزب، وخصوصا مهرجان 30 شوال، الذي يطلق عليه إسم عيد الجهاد الوطني ( 30 شوال تعني يوم حزب الإصلاح الوطني ). كان في نفس الوقت عضوا عاملا ونشيطا في فرع اتحاد كتاب المغرب وفي المجلس العلمي بتطوان، عمل مديرا لثانوية الشريف الإدريسي ومندوبا جهويا للثقافة بالشمال، مهام كثيرة ومتعددة كان حاضرافيها بقوة. أضف إلى ذلك أنه كان من الأوفياء لحزب الاستقلال ونضالاته، التحق به فتى ما بدل وما غير، ومازالت قصائده حاضرة في أرشيف الحزب، في المهرجانات التي كان يقيمها للراحلين علال الفاسي وعبد الخالق الطريس. تعرفت على عبد الواحد أخريف وأنا طفل صغير في لحظة من لحظات الإبهار. أذكر أنني كنت طفلا وحضرت في قاعة الحزب سنة 1956 وكانت المناسبة حفلا خطابيا بمناسبة عودة محمد الخامس للمغرب حينما ألقى قصيدة بعنوان: " لست أنساك"، مازلت أذكر كيف هزت تلك القصيدة الجموع. عبد الواحد أخريف بلبل المدينة. كان صوتها ونشيدها، ونغمها. عبد الواحد أخريف الإنسان: كانت له علاقة متشابكة مع مختلف الفعاليات السياسية والثقافية والجمعوية ومع عموم الناس. تفرغ في آخر حياته للعمل الوعظي والدرس الديني في الزاوية الحراقية وبذل مجهودات داخل المجلس العلمي. لقد فقدت المدينة الشاعر والعلم والمثقف والإعلامي... هناك حسرة في القلب لم تفارقه طيلة حياته. في سنة 1981 كان قد استدعاني وزير الثقافة الدكتور سعيد بن البشير إلى مكتبه، كان حاضرا الأديب محمد الصباغ والمسرحي عبد الحق الزروالي، وقدم لي قرار تعييني مندوبا جهويا للثقافة بالجهة الشمالية، رفضت ذلك لأسباب شخصية محضة، لكن غيرتي على الثقافة بهذه المنطقة جعلتني أقترح عليه إسم عبد الواحد أخريف، فلقي هذا الاقتراح الاستحسان والتزكية من الجميع وتولى المرحوم مندوبية الثقافة وظل بها من 1981 إلى 1985 وتشهد الوثائق والأحداث أن هاته المندوبية استيقظت من سباتها على يده وعرفت توهجا وحضورا...والواقع أن أخريف لم ينل الحظوة التي يستحقها. السبب الأول أن ما نشره اقتصر على منابر محددة " النهار"، " الأمة"، ثم " دعوة الحق"، و" العلم"، كما أنه نشر قصائد في مجلة " الإرشاد الديني" وفي مجلة " البينة" التي كان يديرها زعيم التحرير علال الفاسي. السبب الثاني أن الرجل في حد ذاته كان قنوعا ومتواضعا ولم يجرؤ على التكلم عن نفسه، فبالأحرى عن أعماله وإبداعاته، ولذلك لم يصدر له إلا كتاب واحد هو " أعلام تطوان" تم تجميع مواده على عجل في إحدى المناسبات، وقد طبعته آنذاك المجموعة الحضرية. كما نشر في جريدة "تمودة" مجموعة من الحلقات عن هذه الأعلام، ولكنه مشروع ضخم وكبير من الصعب أن ينتهي لسبب بسيط أن نشر أعلام من تطوان لم يكن من باب التعريف بالعلم بقدر ما كان دراسة وتحليلا، لذلك استمر تناوله لبعض الشخصيات إلى 24 حلقة. نتمنى أن تتحقق بعض الرغبات، وأن يكون لعبد الواحد أخريف حضور في المجلس العلمي من خلال إطلاق إسمه على إحدى قاعاته. كما نتمنى أن يطلق إسمه على أحد شوارع المدينة وأن تتفرغ خلية لجمع آثاره كأعمال كاملة في مجالات الشعر، البحث والإعلام. أعتقد أن المواد الخامة متوفرة، يبقى فقط البحث عن الإرادة. الأستاذ مصطفى حجاج: رجل لم ينصف.. عرفت المرحوم الأستاذ عبد الواحد أخريف في الزاوية الكتانية حين كان يتلو في ليالي المولد النبوي الشريف ( المولودية)، وعرفته حينما كان أستاذا بالقاضي عياض. وكان إذ ذاك مرجعا لنا في الإشكاليات التي تقع لنا في بعض قواعد اللغة العربية. وعرفته كأديب وشاعر ينظم أجود القصائد، ويدبج أحسن المقطوعات الشعرية. وهذا الرجل لم ينصف فأبسط اعتراف بالجميل كان يمكن أن تقوم به وزارة الثقافة في حقه هو طبع ديوانه. لقد خلفت وفاته في نفسي وفي نفوس فقراء الزاوية الكتانية، وفي نفوس الذين عاشروه بثانوية القاضي عياض أثرا كبيرا وأسى وأسفا للخصال التي كان يتمتع بها، ولروح المسؤولية التي كان يتميز بها طيلة حياته. رحم الله عبد الواحد أخريف رحمة واسعة وأسكنه فسيح الجنان مع الذين أنعم عليهم من الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين.