كانت مناسبة إحياء الشعب المغربي للذكرى الخامسة والثلاثين للمسيرة الخضراء ، فرصة ليعلن جلالة الملك، في خطابه ، بكامل الوضوح، إصرار المغرب وتشبّته بضرورة القيام بإحصاء المحتجزين في مخيمات تندوف بالجزائر، والتأكيد على مسؤولية الأممالمتحدة في وضع حد لتملّص الجزائر ومرتزقتها من عدم السماح للمفوضية العليا للاجئين بالقيام بعملها المطلوب داخل المخيمات؛ إذ من غير المعقول أن يوجد مخيم في العالم لا يعرف عنه المجتمع الدولي إنْ كان فيه بنو آدم أم أشباح ، أم شيء آخر. وهي دعوة للأمم المتحدة لتتحمل مسؤوليتها الكاملة، وتقتحم المخيمات لتعرف بالضبط ما فيها ومن عليها. ومن دون شك ، فإن إقدامها على إحصاء المحتجزين فوق التراب الجزائري ، من شأنه أن يميط النِّقاب عن كثير من الأمور، وفي مقدمتها رَفْع الغشاوة عن عيون المجتمع الدولي ليرى بوضوح تام الحقيقة التي ستُعَرِّي خصوم المغرب من آخر أوراق التُّوت التي يتسترون بها منذ أكثر من ثلاثة عقود من الزمن ، واستغلال المحتجزين أبشع استغلال بما في ذلك استعمالهم كوقود لتغذية استفزازاتهم وتحرشاتهم المستمرة ضد المغرب . وحين سَتُرْفَع هذه الغشاوة عن العيون، ستتجه الأممالمتحدة مباشرة إلى الطريق الصحيح الذي يساعد على الحل الحقيقي والممكن لقضية الصحراء.. أوّل شيء ستعرفه الأممالمتحدة ، ومن وراءها المجتمع الدولي، العدد الحقيقي للمحتجزين الذين ظل خصوم وحدتنا الترابية ينفخون فيه كيفما شاءوا ومتى شاءوا من أجل استدرار المساعدات الخارجية للمخيمات . ثاني شيء أنّ الأممالمتحدة ستعرف على وجه اليقين مَن يستفيد من هذه المساعدات ، وبالتالي ستُمَكِّنها من مقارنة حجم المساعدات مع عدد المحتجزين ، وأين يذهب الفائض والزائد منها ؛ كما ستتمكن، وهذا هو الأمر الثالث، من معرفة الذين يريدون العودة إلى وطنهم المغرب الذي أُجْبِروا على مغادرته .. انطلاقا من هنا ، فإن المجتمع الدولي وهذا هو الأمرالرابع سيسهل عليه جدا تحميل المسؤولية للطرف الذي ظل يكذب أكثر من ثلاثة عقود ، ويسرق أكثر من ثلاثة عقود بدون حسيب ولا رقيب ؛ وموازاة مع ذلك ، يقوم بتنكيل وتعذيب وقمع وقهر ، طيلة أكثر من ثلاثين سنة، كل من تُسَوِْل له نفسه إبداء رأيه بخصوص سوء الوضع داخل المخيمات أو تأييد المبادرة المغربية حول الحكم الذاتي التي أطلقت دينامية خلاّقة ، وتجاوُباً واسعا في قلب المخيمات ، كما أنها أعلنت عن مسار جديد في التفاوض إذا أراد الخصوم أن يجنحوا للسِّلْم حيث أن عدد مؤيِّديها من داخل المخيمات ما فتىء يزداد. وكنموذج لسوء المعاملة ، السلوك الفَظّ لزبانية «البوليساريو» إزاء مصطفى سلمة ولد سيدي مولود الذي يمارسون عليه أسوأ صنوف التعذيب النفسي والبدني بِوَصْفَةٍ جزائرية محضة ، عِلْماً أن الرجل عبر عن موقفه الصريح والشجاع ممّا يجري داخل المخيمات .. أعتقد أن الخطاب الملكي حين يتحدث عن مسؤولية الأممالمتحدة بوضع حد لتملّص الجزائر ومرتزقتها بعدم السماح لمفوضية اللاجئين باقتحام مخيمات تندوف، فإنه يدعوها لتحمّل هذه المسؤولية فقط من أجل معرفة الواقع الحقيقي الذي ستكتشف (الأممالمتحدة) أنه غير واقع التقارير الكاذبة التي تتوصل بها من طرف «البوليساريو» ومن يقف وراءهم. وهي مناسبة ستكون ، بكل تأكيد ، مفيدة للأمم المتحدة من أجل الاتصال بالمحتجزين ، ومعرفة ما يفكرون فيه وماذا يريدون . حينها ستسقط أمام المجتمع الدولي شعارات من قبيل الاستفتاء وتقرير المصير الْمُفْتَرَى عليه. والمغرب ، الذي لم تنطل عليه الحيلة منذ اليوم الأول لافتعال النزاع ، يعرف يقينا أن المحتجزين في المخيمات ما فتئوا يعبِّرون كما قال جلالة الملك عن معارضتهم الشجاعة للطغمة المتحكمة فيهم ، وقد عبروا ويعبرون عن هذا بعودتهم المكثّفة التي تعكس التجاوب التلقائي مع مبادرة الحكم الذاتي والجهوية المتقدمة التي يطرحها المغرب كمخرج مشرف وجِدِّي لقضية الصحراء . المغرب ملتزم بالمضي قدما في مسيراته : مسيرة استكمال الوحدة الترابية ، ومسيرة استكمال عودة المحتجزين ، موازاة مع المسيرات التنموية والديموقراطية التي نتطلّع إلى أن تعطي لبلدنا تلك القفزة النوعية الضرورية لنقطع مع عالم التخلّف وما فيه من ارتزاق ونفاق ، ونترك الذين استمرأوا الْغَيَّ في بهتانهم يعمهون . [email protected]