اغتنت المكتبة المغربية عموماً، والمكتبة السياسية والدستورية خصوصاً، بصدور الطبعة الجديدة المنقحة والمزيدة من كتاب الباحث الدكتور عبد السلام البكاري «دليل تاريخ الأحداث وتعاقب الحكومات بالمغرب مع نصوص الدساتير والظهائر وتأليف الحكومات وتعيين أو إعفاء الوزراء» عن دار إدكل للطباعة والنشر في الرباط، وكانت الطبعة الأولى من هذا الكتاب قد صدرت سنة 1420 / 2002. وتتمفصل محتويات هذا الكتاب الذي يشتمل على 576 صفحة من القطع الكبير، إلى عدة فصول بعد الإهداء والتقديم، وهذه الفصول هي: الفكر الحقوقي والسياسي بالمغرب، وأوّل مشروع دستوري، بالمغرب، والوزارة في الفكر الإسلامي العربي، والوزراء أو الحكومات في الدساتير المغربية، والرؤساء الحكومات أو الوزراء الأولون المتعاقبون بالمغرب (1955 2009) ، والحكومات المتعاقبة في عهد جلالة الملك محمد الخامس (1955 1961)، والحكومات المتعاقبة في عهد جلالة الملك الحسن الثاني (1961 1999) ، والحكومات المتعاقبة في عهد جلالة الملك محمد السادس (1999 ...)، وجداول مهام الوزراء، وأحداث ووقائع من تاريخ المغرب، بالإضافة الى خلاصة ، ومصادر ومراجع البحث، وفهرس الصور. ذكر المؤلف في كلمةٍ عن الطبعة الثانية من هذا العمل بأنه يروم تقديم دراسة توثيقية لأهم الأحداث والوقائع السياسية التي طبعت تاريخ المغرب المعاصر منذ الاستقلال إلى اليوم (2010)، وهي المرحلة التي عرفت تعاقب ثلاثة من أعظم ملوك الدولة العلوية الشريفة: المغفور لهما جلالة السلطان محمد الخامس بطل التحرير وجلالة الملك الحسن الثاني باني المؤسسات الديمقراطية ومحصن الوحدة الترابية، وجلالة الملك محمد السادس بتوجهه التنموي والاجتماعي. ويذكر المؤلف في هذا الإطار أن هدفه من إعادة إصدار هذا الكتاب في طبعته الثانية، المزيدة والمنقحة، ليس تقديم تحليلِ مفصل لمجمل التحوّلات التي عاشها المغرب بعد الاستقلال بقدر ما يعكس رغبته في تمكين الباحثين والمهتمين على السواء من قاعدة غنية بالمعطيات والوثائق والوقائع التي يمكن أن تشكل منطلقا للدراسات والبحوث المرتبطة بالحياة السياسية المغربية المعاصرة سواء من الزاوية القانونية أو السياسية أو التاريخية بل وحتى السوسيولوجية فما أحوجنا اليوم للدراسات التي يمكن أن تكشف لنا عن الأصول الاجتماعية والجغرافية وكذا الثقافية للنخب الوزارية، وتلك المسؤولة بصفة عامة عن تسيير الشأن العام، وإلى أي جيل تنتمي هذه النخب ومدى قدرتها على تفعيل الإصلاحات السياسية في أفق تحقيق الانتقال الديمقراطي. من هذا المنطلق حرص د. عبد السلام البكاري على تقديم سيرة موجزة ومركزة لجميع الشخصيات التي تعاقبت على منصب رئاسة الحكومة أو منصب الوزير الأوّل منذ تأسيس أوّل حكومة سنة 1955 برئاسة مبارك البكاي وصولاً إلى الحكومة الحالية التي يقودها الأستاذ عباس الفاسي والتي تشكلت عقب انتخابات 2007. فعلى امتداد ما يقارب نصف قرن تولت هذا المنصب ستة عشر شخصية فقط يتزعمهم القيدوم السيد كريم العمراني الذي تولى منصب الوزير الأول ست مرات. ومن جهة أخرى عمل المؤلف على تثبيت النصوص الدستورية المؤطرة للعمل الحكومي، وقام بجرد عام للحكومات التي تعاقبت على السلطة وأسماء أعضائها وظهائر تعيينها أو تعديلها أو إعفائها معززة بالصور التي تعتبر بمثابة وثائق تاريخية لا تقل عن الوثائق المكتوبة أهمية. كما يمكن للقارئ أن يجد بطيات هذا الكتاب دليلا شاملا على شكل جداول للشخصيات التي تعاقبت على كل منصب وزاري وبالتاريخ الذي زاولت خلاله هذه المسؤولية وتاريخ إعفائها، كل ذلك معززا بالصور والوثائق، وبكرنولوجيا لأهم الأحداث التي عرفها المغرب مرتبة حسب السنوات. قدّم لهذا الكتاب الدكتور محمد المنصور أستاذ التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية في الرباط، ومما جاء في تقديمه: «من الكتب التي يفتقر إليها الباحث في بلادنا ما يسميه الأنجلوساكسونيون بأدوات البحث أي تلك المراجع الأساسية التي لا تطمح إلى الدراسة والتحليل والتنظير بقدر ما تطمح إلى تمكين الباحث من المعطيات والوقائع الضرورية التي بدونها لا يقوم بحث أو تحليل، ويدخل ضمن هذه الأدوات كتب التراجم والنشرات البيبليوغرافية التي تعرف بالإصدارات الجديدة، وما يعرف بكتاب السنة الذي يتتبع أحداث السنة في كل المجالات يوما بيوم والموسوعات المتخصصة إلى غير ذلك. ومن ضمن هذه الأدوات كذلك مجموعات النصوص القانونية المتخصصة أو الاتفاقيات الدولية التي عقدتها دولة مع باقي الدول والهيئات الدولية في مرحلة معينة أو حول موضوع معين، وما أحوجنا مثلا اليوم إلى من يقوم بجمع نصوص الاتفاقيات المبرمة بين المغرب وإسبانيا خلال العصور لتكون مرجعا للمؤرخ وعالم القانون والدبلوماسي ورجل السياسة. وكتاب دليل الحياة السياسية بالمغرب في عهد الاستقلال للأستاذ عبد السلام البكاري يدخل ضمن هذا النوع من المراجع التي يمكن أن تصبح نبراساً يهتدي به الباحث في العلوم السياسية وفي التاريخ وكل مهتم بالتطورات السياسية لمغرب ما بعد الاستقلال. فالكتاب يتتبع الحياة السياسية من خلال أهم مؤسسة لممارسة السلطة وهي الحكومة، فيقدم جرداً للحكومات المتعاقبة بالمغرب منذ سنة 1955 وإلى حدود سنة 2001، مع إثبات ظهائر تعيينها وأسماء أعضائها، وترجمة لمن كان يرأسها من الشخصيات، فبالرجوع إلى هذا الدليل يمكن للباحث أن يقف مثلا على منصب وزارة الشؤون الخارجية أو الفلاحة فيجد أمامه قائمة كاملة ومدققة بكل الشخصيات التي تولت هذه الوزارة، وبالتواريخ التي زاولت خلالها هذه المسؤولية. وحرص الباحث كذلك على تعزيز عمله بالصور التي تعتبر بمثابة وثائق تاريخية لا تقل قيمة عن الوثائق المكتوبة خاصة في عصر أصبح فيه الاتصال عبر الصورة الوسيلة المهيمنة على وسائل التعبير. وبخصوص الصورة وأهميتها التوثيقية، لابد من التنويه، بالمجهود الذي بذله الباحث لإثبات مجموعة من الصور الفوتوغرافية للحكومات السالفة التي أصبح العثور عليها من الأمورة الصعبة، لأن البعض منها اختفى من مظان الوثائق الرسمية فقط لأنها تبرز شخصية غضب عليها في وقت من الأوقات. وهناك صور أخرى تعرضت للتزوير بحذف تلك الشخصيات منها، وهذا أمر أصبح اليوم في متناول حتى الأطفال بفضل التكنولوجيا الإعلامية المتطورة. ومعلوم أن تزوير الصورة الفوتوغرافية أمر لا يقل خطورة عن تزوير الوثيقة المكتوبة. لذلك فإن مجرد إثبات هذه الصور يعتبر في حد ذاته عملا توثيقيا سيقدره حق قدره كل من تعامل مع الوثائق وعرف قيمتها».