دعت اتحادات العمال الرئيسية في فرنسا إلى يومين آخرين من الإضرابات احتجاجا على مشروع إصلاح نظام التقاعد، في وقت أعلنت فيه حكومة الرئيس نيكولا ساركوزي أنها ستستخدم إجراء خاصا لتعجيل إقرار مشروع القانون بمجلس الشيوخ. وأكدت اتحادات العمال الرئيسية الستة تصميمها على مواصلة الاحتجاج حتى بعد إقرار القانون، ودعت إلى مواصلة الاحتجاجات يوما سابعا ( 28 أكتوبر، وثامنا في السادس من نونبر). وحملت الاتحادات في بيان مشترك، بعد يوم من المفاوضات في باريس، الحكومة «المسؤولية الكاملة والتامة عن الاحتجاجات القادمة في ضوء موقفها المتصلب ورفضها الاستماع واستفزازاتها المتكررة». وكان رئيس «الاتحاد العام لنقابات العمال»، برنار تيبو ، قد أكد، في وقت سابق ، ضرورة الاستمرار في الاحتجاجات لمواجهة تعنت الحكومة، وأضاف «على ساركوزي أن يكف عن التعنت وعدم الإنصات لمطالب الفرنسيين الرافضين لخطته» والتي تقضي برفع السن القانونية للتقاعد من ستين إلى 62 عاما. وأوضح تيبو أن إقرار مجلس الشيوخ للمشروع ، الذي صوت عليه سلفا مجلس النواب، لن يشكل نهاية المعركة، مؤكدا أن نقابته ستواصل الاحتجاج ضد مضامين ذلك النص «حتى إذا صار قانونا». وتراهن الحكومة من جهتها على تراجع حركة الاحتجاج بعد تمرير المشروع بمجلس الشيوخ بعد إقراره بمجلس النواب، وطلبت من الشيوخ «تصويتا بدورة واحدة» لتسريع النقاشات. واتهم ساركوزي المضربين باتخاذ «الاقتصاد والشركات وحياة الفرنسيين اليومية رهائن». لكن النقابات أكدت أنها حاولت عدم الإضراب في وسائط النقل العام، حتى لا يتضرر من يعتمد عليها من المواطنين، في حين تسبب الإضراب في شح إمدادات البنزين الذي يعتمد عليه الأغنياء والطبقة الوسطى. ويواجه ساركوزي الذي بلغت شعبيته أدنى مستوياتها على الإطلاق- معارضة شعبية شديدة لإصلاحات يقول إنها الطريقة الوحيدة للقضاء على العجز المتزايد في معاشات التقاعد نظرا لزيادة عدد المتقاعدين، في وقت لم يبق فيه على الانتخابات الرئاسية سوى 18 شهرا. وقال رئيس تحرير النسخة العربية من «لوموند دبلوماتيك»، سمير عيطة ، إن التذمر في فرنسا أكبر مما هو في بريطانيا وألمانيا، ولا يقتصر على الإصلاحات الاقتصادية بل مرده إلى سياسات ساركوزي الخاطئة. وأكد أن طريقة الحكومة في تمرير القانون و»تصريحات عنصرية» سابقة أججت الغضب عند الطبقة العاملة التي تتهم الحكومة بأنها تحملهم دفع تكلفة الإصلاح الاقتصادي عبر الضرائب أو سنين عمل إضافية، في حين أنها سارعت لإنقاذ المصارف والبنوك بأموال الدولة. وقد عاد التلاميذ وطلاب الجامعة إلى الشوارع، إذ تظاهر ما بين أربعة آلاف و15 ألف طالب في باريس، وأعلنت وزارة التعليم الوطني أن 312 مدرسة ثانوية «تأثرت» إضافة إلى عشر جامعات من أصل 83. ورغم أوامر ساركوزي للشرطة بفك الطوق عن جميع مستودعات الوقود التي يحاصرها المضربون، بقي أكثر من ربع محطات الوقود عاجزا عن التزود به. وأقر وزير البيئة ، جان لوي بورلو، «بوجود صعوبات كبيرة مستمرة» ، ولا سيما بالمنطقة الباريسية، بسبب الإضراب، إذ لا تزال المصافي ال12 بالبلاد متوقفة عن العمل ، بالإضافة إلى 14 مستودعا للمحروقات من أصل 219. ويعتبر تعطيل هذا القطاع وسيلة الضغط الرئيسية التي يستخدمها المتظاهرون ضد الإصلاح. واضطرت فرنسا لاستيراد كميات هائلة من الطاقة الكهربائية بسبب تراجع الإنتاج الناجم عن الإضراب، وتوقف عدد من المفاعلات النووية لحاجتها إلى أعمال صيانة. كما عبر كبار رجال الأعمال عن قلقهم بخصوص الضربة التي وجهتها الإضرابات للاقتصاد الذي يواجه بالفعل صعوبة في التعافي عقب الأزمة الاقتصادية، ففي تصريح لشركة «أير فرانس كي أل أم» أعلنت أن الإضرابات تكلفها خمسة ملايين أورو (6.96 ملايين دولار) يوميا. وتسعى النقابات إلى إبقاء التحركات الاحتجاجية التي بلغت مستويات قياسية منذ أسابيع عدة مستمرة، إذ شارك ما بين مليون و3.5 ملايين شخص في مظاهرات الثلاثاء الماضي.