لسنا في حاجة ملحة إلى كل هذه الدلائل والحجج والوقائع لنطمئن إلى قناعتنا في قضية الحرية الحارقة وكيف يتناولها الآخر الذي يمطرنا بمنظومات الحقوق والحريات، ضمائرنا ليست في حاجة إلى ما يقنعها بأن ترتاح إلى تعامل هذا الآخر مع مسألة الحرية. بالأمس القريب أقدم رسام كاريكاتوري دانماركي على الاساءة إلى الرسول سيدنا محمد (صلعم) ،وتعمد أن يستعمل هذه الاساءة مطية للشهرة وذيع الصيت، ونجح الرجل لأنه وجد في فهم هذا الآخر للحرية ما ضمن له تربة استنبات دعم دولي مغلف بأسماء وتعابير مختلفة تتحصن جميعها في حق الرجل في التعبير، .. نجح الرجل في أن ينزع قناعا عن وجه هذا الآخر وعراه أمامنا، لأن التحصن وراء شعارات الحريات لا يتم إلا حينما تستعمل الحرية بما يناسب فهم الغرب ويتماشى مع خدمة مصالحه الاقتصادية والمالية الصرفة، أما إذا خرجت الأمور عن هذا السياق يدير هذا الآخر ظهره لتقديس الحرية ويشهر سلاح تعدي هذه الحرية لحدودها ودخول مجال المحظور. هذا ما لا يتطلب أي جهد فيما أقدمت عليه قناة تلفزية فضائية عالمية في حجم CNN توزع تبرعاتها بالدفاع عن حريات التعبير والاختلاف والرأي في كل لحظة، لكن صدرها المنفوخ بهواء ملوث لم يطق مجرد رأي عادي جدا عبر عنه أحد الصحفيين العاملين بها ، ويتعلق الأمر بالسيد ريك سانشيز بعد أقل من 24 ساعة على إدلائه بتصريحات شخصية لا تعبر بالضرورة على رأي القناة، ولم يدل بها خلال تقديم برنامجه ولا أدلى بها عبر هذه القناة، وكانت جريرة الرجل أنه صدق هذا الآخر في فهمه لحرية الرأي واثقا من تعاطيه معها، وأدلى بانتقادات بسيطة لأداء مقدم برنامج كوميدي يسمى جون ستيوارت، الذي يقدم برنامج »دايلي شو« ووصفه بالمتعصب، والذي يكون قد غاب عن صديقنا سانشير أن جون ستيوارت يهودي الديانة وله ارتباطات شديدة مع جماعات الضغط اليهودية فوق الأراضي التي احتضنته، وهو الأجنبي ابن كوبا المعادية للولايات المتحدة، وربما لم يكن سانشيز يدرك قيمة الثمن الذي سيدفعه حينما يتطاول على فاعل يهودي، وزاد الرجل كثيرا من الملح على هذا الجرح حينما قال إن اليهود هم أقلية في الولاياتالمتحدة، وألمح إلى أنهم يملكون زمام التأثير والتوجيه على المجتمع الأمريكي. هذه ليست الأولى في شبكة »س إن إن« بل سبق لهذه القناة الشهيرة أن طردت كبيرة محرري شؤون الشرق الأوسط بها السيدة »فيكتوريا« نصر بعدما وضعت رسالة ليس على القناة بل على صفحتها الخاصة على موقع »تويتر« تثني فيها على المرجع الشيعي الراحل محمد حسين فضل الله، ووجدت فيكتوريا نفسها خارج القناة مطرودة من عملها وجريرتها أنها مارست حريتها في التعبير على موقع إعلامي آخر وبصفة شخصية، والفعل الجرمي هنا الذي لم يكن محتاجا إلى أوجاع رأس في القضاء أن المثنى عليه من طرف فيكتوريا مقرب من حزب الله. وفي موقع آخر من جغرافية هذا الآخر الذي يحرص على تصدير مادة إلى الخارج ليست من انتاجه على كل حال، ستمثل يوم الخميس 14 أكتوبرالجاري السيدة حليمة بومدين عضو مجلس الشيوخ الفرنسي رفقة أربع من زميلاتها أمام القضاء الفرنسي بالتهمة الجاهزة »معاداة السامية« بسبب نشاط هذه المجموعة التي تقودها مواطنة فرنسية من أصول جزائرية، نشاطا فعالا يدعو لمقاطعة السلع الاسرائيلية، ولم تنفعها حصانتها في مجلس الشيوخ الفرنسي ولاحتى في البرلمان الأوربي من أن تنقاد الى محاكمة سياسية، ولم تنفع هذه الحصانة في خضوع القضاء الفرنسي لجماعات الضغط الاسرائيلية. يا أيها الآخر.. ما علاقة الدعوة الى مقاطعة منتجات اقتصادية معينة بتهمة ذات مرجعية عرقية دينية بل وعنصرية حتى، وإذا ما أغضب مثل هذا الكلام أحدهم فليشرب مياه جميع بحار ومحيطات العالم. قلت في مطلع هذا الحديث أننا لسنا في حاجة إلى كل أدلة إدانة هذا الآخر، ففهم الحرية والتعاطي معها يخضع لحسابات القوة والمال، وما أن تكون الضعيف الفقير المحتاج الى هذا الأخر، فيجب أن تقبل بل أن ترضخ لتصريف منظومة القيم بالشكل الذي يخدم مصالح الآخر. أفهمتم الآن لماذا يتعاطف كثير من الضعفاء مع أسامة بن لادن ومع طالبان ومع أي شيطان قد يزعج ويقلق هذا الاخر، أفهمتم الآن لماذا يكره كثير من البسطاء هذا الآخر، استوعبتم الآن لماذا يفرح كثير منا حينما يسمحون بأي أذى لحق هذا الآخر .