قرأت في الصحافة الأدبية الاسبانية مخطوطات تتضمن نصوصا شعرية و كتابات نثرية للشاعر فيدريكو غارسيا لوركا، كان الشاعر قد كتبها عام 1928 في فترة صعبة من حياته سواء على المستوى الإبداعي أو العملي، لقد كانت شخصية شارلي شابلن تتقاسم مع هذا الشاعر الغرناطي غير قليل من أوجه التشابه و التماثل، وجد لوركا في «الخبر المقتضب» الذي نشرته الصحافة الاسبانية وقتئذ عن موت والدة الفنان شارلي شابلن منهلا لتحريك خياله الإبداعي، يقول نص الخبر العابر :» نتيجة تعقيدات في جهازها العصبي ماتت الممثلة السابقة ووالدة الفنان الشهير شارلو شابلن، و بعد أن علم شارلو بهذا الخبر أغمي عليه». يقول الناقد البروفسور «كرستوفر مورير» الأستاذ بجامعة هارفارد ،إن «غارسيا لوركا» لابد أنه قرأ هذا الخبر في جرائد العاصمة الاسبانية في 30 غشت 1928، إلا أن لوركا لم يمر بهذا الخبر مرور الكرام، إذ بعد أسبوع من نشره كان الشاعر يعيش فترات حرجة و صعبة من حياته، فإزاء النجاحات التي كانت تحققها كتاباته و أشعاره على المستوى الإبداعي كان يعيش أزمة نفسية حادة . الشهرة الغبية كان شارلو يجيد فن الضحك وسط الآلام،و كان يدعو دائما إلى التأمل في أمرين اثنين «الحزن الداخلي و الحبور الخارجي»، كأي ممثل في ذلك الإبان ، لم يكن شارلو يسمع له أي صوت خلال التمثيل، و كان مجهوده بالتالي للتعبير الخارجي مضاعفا، إنه كان يعبر عن عواطفه و مشاعره الداخلية بواسطة الحركات، و كان يلفت النظر إلى الفرق الكامن بين ما يشعر به و يراه، و في المقام التالي لأن شارلو كان ضحية «الشهرة الغبية» كان لوركا يقول عن هذه المفارقات : «الرجل الشهير يشعر بمرارة في عمقه بينما تخترق صدره البارد الكلمات الصماء التي ينعته بها الآخرون». و هكذا تتحول قبعة الفنان إلى إكليل من شوك . هذه التأملات في الواقع تعبر عن لوركا أكثر مما تصور أو تصف شابلن، فكثيرا ما وصف الشاعر روبين داريو أنه «مليونير الدموع» مثلما أطلق كذلك فيما بعد على شارلو. تأملات رقم 1 يقول لوركا : «عندما كنت في كاليفورنيا نزلت ذات مرة ضيفا على والدة شابلن، كانت امرأة سخيفة جدا، و كانت تبكي بدون انقطاع عندما ينتهي إلى سمعها رنين أجراس صلاة التبشير، كانت رقيقة ناعمة. كانت والدة شابلن تعترف بعبقريتين اثنتين فى هذا العالم: (شكسبير وولدها فقط. ) لقد أقمت حدادا من دموع على موتها، إذ صادف أخيرا أنني أصبحت إلى البكاء أقرب، و أنه لشيء ممتع حقا، وداعا والدة شارلو، مأساتك كممثلة هزت المسرح المعاصر « ثم يلي ذلك قطعتان شعريتان، الأولى تحت عنوان «الدجاجات البياضة» و الثانية بعنوان : «صوت الشعب» و هما قطعتان مبطنتان بالسخرية المرة و الألم الممض . تأملات رقم 2 «هناك فرق واضح جدا بين كل الرجال و شارلو، كل الرجال يضحكون من الأسماك الملونة، و شارلو يبكي عند رؤيتها. لم يستعمل أحد قبله «البكاء» بهذا الشكل الصافي النقي، البكاء كان باستمرار نتيجة حدث أو شيء، و جعل شارلو منه قضية جعل منه نبعا محايدا لا علاقة له بالسبب الذي يثيره أو يبعث عليه ،إنه بكاء مدور، بكاء داخل بكاء . الضحك من أو مع الأسماك الملونة أمر واقع و كثير، إذ أن الضحك لا يتطلب كبير مجهود أو عناء، أما البكاء فهو شيء آخر يعطي أو يقدم للحب و للميت الراحل، فالذي يبكي ينقضي، و شارلو من هذا النوع ،يقدم بكاءه للأسماك الملونة ضاربا بذلك المثل الذي لم يسبق تقديمه من قبل، لذلك فان لحركاته و سكناته، و ضحكاته معنى جديدا . إن شارلو هذه المرة عندما وصله نبأ وفاة أمه لم يبك بل أغمي عليه، و كان ذلك أعظم لحظة في أعماله و حياته، إذ أبان بذلك عن قلب «آنسة» هو ما يحمله بين أعطافه و ضلوعه، و اكتشف أن له جناحي إوز، شارلو لم يسبق أن أغمي عليه من قبل لأي سبب كان. و بعد أن استرسل لوركا في تخيل ووصف جنازة والدة شارلو بغير قليل من السخرية المغلفة بالآلام، نصل إلى مقطوعة شعرية جديدة بعد أن لوحظ نقص في الصفحتين 10 و 11 من المخطوط يقول في بعضها: فلنعط الأشياء المفرحة للموت السعيد فنأخذ الأشياء الرقيقة الناعمة لموت الأمس نصف طفل نائم و إبر الخياطة. الجيران يقدمون المشروبات لشارلو و عازفات البيان يتقدمن للرقص الطلبة القدامى يبتعون له عكازا و نقرأ على ظهر صفحة12 من المخطوط: ماتت والدة شارلو التابوت أهدي لها من طرف المستر هنري فورد شارلو في الشباك لا يتوقف عن البكاء دموعه فتافيت خبز قريبا من المقبرة يقبلها مخترع منذ الصباح لم تمطر السماء في الطابق الداخلي ثلاثة عصافير ميكانيكية تغني بدون انقطاع لو شئت لأمكنني بعث الآلهة من جديد».